كَانَ النَّاسُ
فِي «مَدِينَةِ الكَلامِ» طَيِّبِينَ ومُسَالِمِينَ، لَكِنَّهُمْ
كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ كَثِيرًا جِدًا، حَتَّى أَصْبَحَ الكَلامُ هُوَ أَكْثَرُ
شَيءٍ يَفْعَلُونَهُ.
فََقَدْ قَالَ
المُهَنْدِسُونَ: سَوْفَ نَبْنِي بُيُوتًا جَمِيلَةً يَسْعَدُ
النَّاسُ بِالعَيْشِ فِيهَا، كَمَا سَنَبْنِي مَصَانِعَ كَثِيرَةً يَعْمَلُ
فِيهَا آلافُ العُمّالِ، وسَوْفَ تُنْتِجُ هَذِهِ المَصَانِعُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُهُ
أَهلُ مَدينتنَا، وسَوْفَ َيُقْبِلُ النَّاسُ فِي المُدُنِ الأُخْرَى عَلى
شِرَاءِ مُنْتَجَاتِها؛ لأنّهَا سَتَكُونُ جَيِّدَةَ الصُّنْعِ ورَخِيصَةَ
الثَّمَنِ.
كَمَا قَالَ المُهَنْدِسُونَ: وسَوْفَ نَبْنِي محَطَّاتٍ لِلْقِطَارَاتِ ومَطَارَاتٍ يُسَافِرُ مِنْهَا النَّاسُ إلَى كُلِّ البِلادِ، كَمَا سَتَسْتَقْبِلُ الزَّائِرِينَ لِمَدِينَتِنَا، وسَنُنْشِئُ طُرُقًا وجُسُورًا، ومَدَارِسَ وأَنْدِيَةً، وَمُدُنَ مَلاهٍ رَائِعَةً لِيَفْرَحَ أَطْفَالُ مَدِينَتِنَا.
كَمَا قَالَ المُهَنْدِسُونَ: وسَوْفَ نَبْنِي محَطَّاتٍ لِلْقِطَارَاتِ ومَطَارَاتٍ يُسَافِرُ مِنْهَا النَّاسُ إلَى كُلِّ البِلادِ، كَمَا سَتَسْتَقْبِلُ الزَّائِرِينَ لِمَدِينَتِنَا، وسَنُنْشِئُ طُرُقًا وجُسُورًا، ومَدَارِسَ وأَنْدِيَةً، وَمُدُنَ مَلاهٍ رَائِعَةً لِيَفْرَحَ أَطْفَالُ مَدِينَتِنَا.
وقَالَ
الفَلاحُونَ: سَنَجْعَلُ مَدِينَتَنَا وَاحَةً خَضْرَاءَ، وسَوْفَ نَزْرَعُ
الأشْجَارَ فِي الشَّوَارِعِ، وعَلَى جَوَانِبِ الطُّرُق، وسَنَزْرَعُ
الحَدَائِقَ لِتُحِيطَ بِالبُيُوتِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ، وسَوْفَ نُزَيِّنُ
الشُّرُفَاتِ بأُصُصِ الوَرْدِ، وسَوْفَ نَزْرَعُ الحُقُولَ قَمْحًا، وخضْروَاتٍ،
وفَوَاكِهَ.
وقَالَ
المُعَلِّمُونَ: سَتَكُونُ المَدَارِسُ جَمِيلَةً، ونَظِيفَةً، وسَوْفَ
نَشْرَحُ لِلطُّلابِ فِي صُفوفِهم الهَادِئَةِ الدُّرُوسَ بِطَرِيقَةٍ مُبْتَكَرَةٍ،
وفِي كُلِّ مَدْرَسَةٍ سَيَجِدُ الطُّلابُ المَلاعِبَ، وَالآلاتِ المُوسِيقِيَّةَ،
وحُجُرَاتِ الرَّسْمِ والتَّلْوِينِ، والمَكْتَبَاتِ المَلِيئَة بِالكُتُبِ،
كَمَا سَيَقُومُ الطُّلابُ بِنُزَهٍ مُمْتِعَةٍ ومُفِيدَةٍ يَرَوْنَ فِيهَا
الجِبَالَ والشَّوَاطِئَ والحُقُولَ، ومَعَالِمَ التَّارِيخِ والآثَارِ.
فَقَالَ
الطُّلابُ: عِنْدَئِذٍ سَنُحِبُّ مَدَارِسَنَا، وسَنَذْهَبُ إلَيْهَا
بِِفَرَحٍ كُلَّ صَبَاحٍ، وسَوْفَ نَنْجَحُ بِتَفَوُّق كُلَّ عَامٍ، وسَيَكُونُ
مِنَّّا العُلَمَاءُ، والمُخْتَرِعُونَ، والعَبَاقِرَةُ فِي كُلِّ المَجَالاتِ.
وقَالَ
الرَّسَّامُونَ: سَوْفَ نَرْسُمُ عَلَى الجُدْرَانِ، وعَلَى الجُسُورِ
والمَمَرَّاتِ صُوَرًا مُلَوَّنَةً زَاهِيَةًًًًًً حَتَّى تُصْبِحَ مَدِينَتُنَا
كَأَنَّهَا لَوْحَةٌ جَمِيلَةٌ، وسَوْفَ نُقِيمُ مَعَارِضَ اللوَحَاتِ لِِيَسْتَمْتِعَ
بِهَا الصِّغَارُ، والكِبَارُ.
وقَالَ
الشُّعَرَاءُ: سَنَكْتُبُ أَنَاشِيدَ بَدِيعَةً، وقَالَ المُوسِيقِيُّونَ:
سَنُلَحِّنُ هَذِهِ الأنَاشِيدَ لِيُغَنِّيَهَا أَهْلُ مَدِينَتِنَا
فِي سَعَادَةٍ، وقَالَ مُؤَلِّفُو القِِّصَصِ: سَنُسْعِدُ أَهْلَ مَدِينَتِنَا
بِالقِصَصِ المُدْهِشَةِ، وقَالَ المُمَثِّلُونَ: ونَحْنُ سَنُقَدِّمُ للنَّاسِ
مَسْرَحِيَّاتٍ رَائِعَةً.
وقَالَ لاعِبُو
فَرِيق الكُرَةِ: سَنَفُوزُ بِكُلِّ المُبَارَيَاتِ، وسَنُحْرِزُ
أَهْدَافًا رَائِعَةً مُتْقََنَةً، وسَوْفَ نَرْبَحُ كَأْسَ المُدُنِ كُلَّ
عَامٍ.
وهَكَذَا
تَكَلَّّمَ النَّاسُ، تَكَلَّمُوا كَثِيرًا، لَكِنَّ أَحَدًا لَمْ يَفْعَلْ
شَيْئًا، وبَقِيَتْ «مَدِينَةُ الكَلامِ» - كَمَا هِيَ - فَقِيرَةً وحَزِينَةً،
وظَلَّ أَهْلُهَا يَعِيشُونَ فِي بُيُوتِهِمُ المُظْلِمَةِ المُتَوَاضِعَةِ،
ويَأْكُلُونَ أَطْعِمَةً غَيْرَ شَهِيَّةٍ ولا مُفِيدَةٍ، كَمَا ظَلُّوا
يَحْلُمُونَ بِمَطَارَاتٍ، ومحَطَّاتٍ لِلْقِطَارَاتِ، ويَحْلُمُونَ بِحَدَائِقَ،
وَأُغْنِيَاتٍ وقِصَصٍ، ولَوْحَاتٍ بَدِيعَةٍ، كَمَا أَنَّ فَرِيقَ الكُرَةِ
لَمْ يُحْرِزْ هَدَفًا وَاحِدًا، ولَمْ يَفُزْ بِأَيَّةِ مُبَارَاةٍ.
وكَانَ «صَالِحٌ»
مِنْ سُكَّانِ «مَدِينَةِ الكَلامِ»، وكَانَ يَسْمَعُ مَا
يَقُولُهُ أَهْلُ مَدِينَتِهِ مُنْذُ كَانَ صَغِيرًا، لَكِنَّهُ الآنَ أَصْبَحَ
شَابًّا، وقَدْ أَتَمَّ تَعْلِيمَهُ، كََمَا قَرَأَ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، ولأنَّهُ
كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ مَنْ يتكَلَّمْ كَثِيرًا يَعْمَلْ قَلِيلاً، فَقَدْ فَضَّلَ
أَنْ يَكُونَ إيجَابِيًّا ومُنْتِجًا، فَرَاحَ يَزْرَعُ أَرْضَهُ، فَنََثََرَ
البُذُورَ وسَقَاهَا، وانْتَظَرَ خُرُوجَ النَّبَاتِ والنُّوَّارِ والثِّمَارِ،
كَمَا رَاحَ يَبْنِي بَيْتًا جَمِيلاً وَاسِعًا.
مَرَّ سُكَّانُ
المَدِينَةِ وتَعَجَّبُوا مِمَّا يَفْعَلُهُ صَالِحٌ، فَقَالَ رَجُلٌ:
مَاذَا يَفْعَلُ «صَالِحٌ»؟ إنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْنَا عَنْ أَحْلامِهِ.
لِمَاذَا يَتَعَجَّلُ هَذَا الشَّابُّ العَمَلَ؟ وقَالَ آخَرُ: كَانَ مِنَ
الأفْضَلِ لَهُ أَنْ يَتَأَنَّى، كَمَا كَانَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَََََََشِيرَنَا
أوَّلاً. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: هَكَذَا الشَّبَابُ كُلُّهُمْ مُتَسَرِّعُونَ.
وَظَلَّ النَّاسُ
فِي «مَدِينَةِ الكَلامِ» - كَمَا تَعَوَّدُوا - يَتَكَلَّمُونَ،
ولَكِنَّ «صَالِحًا» لَمْ يَلْتَفَتْ إلَى مَا يَقُولُونَ، واجْتَهَدَ
لِيُتِمَّ عَمَلَهُ الرَّائِعَ، وبَعْدَ أَشْهُرٍ قَلِيلَةٍ اكْتَسَتِ الأرْضُ
بِاللوْنِ الأَخْضَرِ النَّاضِرِ، وبِالأَزْهَارِ الرَّائِعَةِ، وأَثْمَرَتِ
الأَشْجَارُ تفَّاحًا وزَيْتُونًا وبُرْتُقَالاً وقَمْحًا وقُطْنًا، وأَنْشَأَ
«صَالِحٌ» بِِجِوَارِ الحَقْْْلِ حَظَائِرَ امْتَلأَتْ بِالأَبْقَارِ، والشِّيَاهِ،
والدَّجَاجِ، فَأَكَلَ النَّاسُ مِنْ الثِّمَارِ الطَّازَجَةِ، كَمَا أَكَلُوا
لَحْمًا وبَيْضًا، وشَرِبُوا حَلِيبًا لَذِيذًا، واكْتَمَلَ بِنَاءُ بَيْتِ
«صَالِح»، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ فَخَامَتِهِ وطِرَازِهِ الجَدِيدِ، كَمَا
أَدْهَشَتْهُمْ جُدْرَانُهُ المُزَخْرَفَةُ، وشُرُفَاتُهُ المُلَوَّنَةُ المُزْدَانَةُ بِالرُّسُومِ البَدِيعَةِِ.
عِنْْدَئِذٍ أَدْرَكَ النَّاسُ فِي «مَدِينَةِ
الكَلامِ» أَنَّ «صَالِحًا» كَانَ عَلَى حَقٍّ، كَمَا أَدْرَكُوا قِيمَةَ
مَا فَعَلَهُ، فَأَسْرَعَ المُهَنْدِسُونَ، والفَلاحُونَ، والرَّسَّامُونَ، والشُّعَرَاءُ،
والمُوسِيقِيُّونَ، ومُؤَلِّفُو القِصَصِ، والمُمَثِّلُونَ يَعْمَلُونَ
بِجِدٍ واهْتِمَامٍ، فَحَقَّقُوا كُلَّ أَحْلامِهِمُ القَََدِيمَةِ، كَمَا
فَازَ فَرِيقُ الكُرَةِ بِأَوَّلِ كَأْسٍ لِمَدِينَتِهِمْ، وأَحْرَزُُُُوا أَهْدَافًا
رَائِعَةً صَفَّقّ لَهَا الجُمْهُورُ كَثِيرًا.
وهَكَذَا
تَغَيَّرَتْ «مَدِينَةُ الكَلامِ»، وأَصْبَحَتْ مَدِينَةً أُخْرَى:
جَمِيلَةً، ومُنْتِِجَةً، وقَوِيَّةًًًًًًًًً، حَتَّى أَنَّ أَهْلَهَا أَنْفُسَهُمْ
كَانُوا يَدْهَشُونَ عِنْدَمَا يَرَوْنَهَا.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق