يتجلى العنف بين الزوجين
في أنماط السلوك الهادفة إلى تكريس سيطرة الواحد منهما على الآخر على الصعيد
الجنسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وذلك عن طريق إلحاق الأذى الجسدي أو المعنوي.
ثمة اختلاف واسع بين
الباحثين في تقدير مدى شيوع العنف الزوجي، فيشير شتراوس مثلًا (1981) إلى أن حوادث
العنف الزوجي منتشرة في 50 - 60% من العلاقات الزوجية في الولايات المتحدة
الأمريكية، في حين يقدر راسل (1982) هذه النسبة ب 21%، وتقدر باجلو بأنها تتراوح
ما بين 25 - 35%. يبين ابلتون Appleton" " في بحثه الذي أجراه في عام 1980 على 620 امرأة
أمريكية، أن 35% منهن تعرضن للضرب مرة واحدة على الأقل من قبل أزواجهن. أما والكر Walker" " فقد بينت بناتج بحثها الذي نشرته في عام 1984 كم هي
شائعة خبرات المرأة الأمريكية مع العنف الجسدي: 41% من النساء أفدن أنهن كن ضحايا
العنف الجسدي من جهة أمهاتهن، 44% من جهة آبائهن، 44% منهن كن شهودًا لحوادث
الاعتداء الجسدي لآبائهن على أمهاتهن، 29% منهن شهدن حوادث اعتداء جسدي لأمهاتهن
على آبائهن. إضافة إلى ذلك دل البحث على أن 15% من المفحوصات يستخدمن العنف الجسدي
تجاه أزواجهن في مواقف الخلاف الزوجي. والحق أن هذه الاختلافات في تقدير مدى
انتشار العنف بين الأزواج يعود إلى اختلاف تعريفات الباحثين لما يقيسونه، ولا بد
من اللجوء في النهاية إلى تصنيف واضح لدرجات العنف الأسري من حيث الشدة والتكرار
للوصول بعد ذلك إلى توفيق بين هذه التقديرات المتباينة.
عوامل الخطر
يمكن أن نميز نوعين من الخبرات التي يغلب
أن نصادفها سواء عند الأزواج المعتدين أو عند ضحاياهم. يلاحظ أن هؤلاء الأشخاص
يخبرون العنف أولًا في أسرهم الأصلية، فهم كثيرًا ما يقعون ضحايا آباء عنيفين، أو
يكونون شهود العنف بين آبائهم وأمهاتهم، ويغلب أن يرافق ذلك نبذ انفعالي لهم في
طفولتهم. يؤيد هذا كثير من نتائج البحوث، كبحث برغمان ومساعديه B.Bergman
et al." " على مجموعة كبيرة من الأزواج
المضطهدين لزوجاتهم والذي بين أن 39% منهم كانوا شهود عيان لضرب آبائهم لأمهاتهم،
وأن 83% منهم كانوا ضحايا ضرب شديد متكرر من قبل أحد الوالدين أو كليهما. وتدل
نتائج أبحاث باركر A.Parker
ومساعديه على أن 68% من النساء المفحوصات من قبلهم من ضحايا العنف الزوجي، شهدن أن
أمهاتهن تلقين من آبائهن معاملةً مماثلةً.
يلاحظ كذلك لدى أطراف مثل هذا النمط من
العلاقات الزوجية وجود طراز معين من فهم الأدوار الجنسية في الأسرة. يتميز هذا
الفهم بالتسامح مع ثورات غضب الذكر بل وتشجيعها باسم الرجولة والخشونة، التي ترتبط
في أذهانهم بالعنف. بالمقابل يغلب نعت الدور الأنثوي بالحساسية والضعف والخضوع
والمغفرة (وهنا يعطي للصبر على سوء معاملة الزوج مكانة خاصة). كثيرًا ما تلعب
وسائل الإعلام والقصص العاطفية دورًا مهما في ترسيخ هذه النظرة من خلال عرضها
لكثير من مواقف العنف بين العشاق، وغالبًا ما يتم ربط هذا الأمر بمشاهد جنسية ترسخ
وتعزز ترابط الإثارة الجنسية باستخدام القوة العضلية من جانب الذكر، وبالخضوع
والاستسلام من جانب المرأة. إن الشبان الصغار الذين يتعرضون لتأثير مثل هذه
الأفلام كثيرًا ما يحاولون تقليد الرجال الحقيقيين الذين يلعبون هذه الأدوار،
وعادة ينالون عنها نعم الجزاء، فأجمل البطلات يتنافسن للتقرب من "الرجال
العنيدين" الذين غالبًا ما يكونون مفتولي العضلات وشديدي اللكمات. يرسخ في
أذهان المراهقين كما يشير ستيفنز وجيفارد "Stevens
& Gephard" أن علاقةً وثيقةً تربط الجنس بالعنف،
إن العنف صفة مطلوبة في الذكر بل جزء طبيعي من رجولته، إن المرأة بطبيعتها تحب هذا
العنف الرجولي لأنه يثيرها جنسيًا. تؤكد هذا أبحاث رورك "Roark" على تلاميذ المدرسة الثانوية والتي دلت على وجود ترابط شديد
عندهم ما بين مفاهيم الجنس والحب والاغتصاب.
كثيرًا ما يصادف العاملون في مجال العنف
الأسري نوعًا من القناعة عند ضحايا ومرتكبي العنف، بأن الخمر سبب رئيسي في حدوث
الظاهرة. على أن الباحثين يميلون للحذر في تفسير تلازم العنف الأسري مع الإدمان
الكحولي، فبرغم الإقرار بوجود معاملات ارتباط ذات دلالة بينهما، فلا يعني هذا أن
تكون إحداهما سببًا للأخرى. تلفت باجلو Pagelow" مثلًا النظر إلى أن الخمر غالبًا ما تلعب دور العذر المحل
الذي يستخدمه طرفا الصراع في تبرير الموقف ككل وعدم تحمل مسئوليتهما في نشوء
الظاهرة واستمرارها. وتذهب شتينمتز Steinmetz" " إلى الأخذ بنفس الرأي وتحذر الباحثين الذين يفسرون
نتائجهم الإحصائية من الوقوع في هذا الخطأ الأخلاقي الفاحش.
صفات الزوج المعتدي
إن كثيرًا من الباحثين قد جمعوا ملاحظات
ومعلومات حول صفات مضطهدي الزوجات. وعلى أساس هذه المعطيات أوجدوا عدة تصنيفات
لشخصيات الفاعلين Typology".
" فمثلا إلبو Elbow"
" يفرق بين أربعة أنماط للفاعلين: النمط الأول هو الرجل المسيطر، يعامل
شريكته كما لو كانت شيئًا مملوكًا له ويسعى بسلوكه العنيف إلى تحقيق السيطرة
التامة عليها. النمط الثاني هو النمط المتناقض انفعاليًا، وهو يعيش في العادة
مشاعر حادة ومتناقضةً إزاء شريكته، وتغلب عليه التبعية الانفعالية للشريكة، فيحاول
بإخلاص الحصول على رضاها وعفوها عن ثورات الغضب والعنف الانفعالية التي لا يسيطر
عليها. يدعى النمط الثالث بالمهذب المزيف، وهو يسعى في سلوكه إلى تحسين صورته في
أعين الآخرين على حساب عفويته، مما يزيد مشاعر القلق التي تتراكم إلى أن تحين لها
الفرصة للانطلاق في ثورة غضب يتم خلالها تفريغ التوتر من خلال سلوك العنف. وأخيرًا
النمط المتوحد بالشريك الذي يرى أفراده في شركائهم جزءًا من ذواتهم، وكل محاولة
للشريك تهدف إلى الاستقلال العاطفي أو الاقتصادي أو الاجتماعي تزيد شعورهم
بالتهديد وتزيد بالتالي احتمال ظهور العنف أيضًا (هناك عديد من التصنيفات الأخرى
كتصنيف الجمعية الأمريكية لرعاية ضحايا العنف الأسري، وتصنيفات كل من Gondolf" " و Steinmetz" " و Sweeney & Key" " وسواهم. إن معظم محاولات تصنيف مرتكبي العنف الزوجي
تظل بعيدة عن الكمال، لأن العنف حصيلة التفاعل بين شخصين قبل أن يكون وظيفة لنمط
شخصية أحدهما بمفرده. إن السلوك العنيف الذي يبديه أحد الزوجين يتغير بين فترة
وأخرى تغيرًا لا يعود فقط إلى صفات شخصية الفاعل، بل كذلك إلى رد فعل الضحية وإلى
عواقب العنف في الأسرة وإلى فاعلية نظام الضبط الاجتماعي لمثل هذا السلوك.
الطابع التفاعلي
إن صفات ضحية العنف الزوجي وطريقة
مواجهتها للعنف تلعب دورًا لا ينكر في مآل سلوك العنف، وهذا لا يعني على الإطلاق
تحميل الضحية مسئولية العنف، بل النظر إليها كجزء مهم من أجزاء النظام الأسري له
دور في تحديد شكل واتجاه وشدة العنف. نجد تأكيد ذلك في نتائج أبحاث "Synder
& Fruchman" على نزيلات ملجأ لضحايا العنف الزوجي،
حيث دلت النتائج على وجود ارتباط وثيق بين سلوك المرأة في مواجهة عنف الزوج وتطور
سلوكه نحوها. ويرى بعض الباحثين مثل شتراوس وجيلز وشتينمتز أن العنف الزوجي معركة
متبادلة بين طرفين، وغالبًا ما يستعمل كل منهما أحد أشكال السلوك العدواني الجسدي
أو اللفظي أو الرمزي، وإن لم يكن استخدامهما لها متزامنًا بالضرورة. كذلك تشير
ساوندرز Saunders"
" إلى أن النساء المضطهدات نادرًا ما يكن سلبيات ومستسلمات كما يعتقدن، هذا
الاستسلام قد يكون حقيقيًا لحظة ثورة عنف الزوج.
تعتبر اليانور والكر E.
Walker" " أن ظاهرة العنف بين الزوجين
تمر عبر أطوار نمو دوري للتوتر يجري عبر ثلاث مراحل تتكرر دوريًا. في المرحلة
الأولى يلاحظ تزايد التوتر في العلاقة بين الزوجين بشكل تدريجي لأسباب مختلفة وقد
تكون تافهة. يأخذ العدو ان في هذه المرحلة شكلًا لفظيًا أو رمزيًا معتدلًا نسبيًا.
تبدأ المرحلة الثانية عندما يرتفع التوتر إلى درجة تفوق عتبة التحمل عند أحد
الطرفين، وفيها يظهر العنف الجسدي واللفظي بأشد صوره من جهة واحدة أو من كلتا
الجهتين. يؤدي العنف دوره في خفض التوتر لتبدأ المرحلة الثالثة، التي يميزها سلوك
الزوجة الانسحابي وشعور الزوج بتأنيب الضمير فيحاول استرضاءها بطرق شتى وعادة ما
ينجح في ذلك، فتأخذ العلاقة بينهما شكلًا تسميه والتر شهر العسل الدوري. بعد مضي
شيء من الوقت يعود التوتر للارتفاع من جديد تدريجيًا.
منذ بضع سنوات بدأ بعض الباحثين الاهتمام
بدور العمليات المعرفية لدى كل من طرفي الصراع الزوجي في زيادة التوتر واحتمالية
حدوث السلوك العدواني العنيف خلال الصراع، مثل أبحاث "Holzworth
_ Munroe وأبحاث Burman" " ومساعديه حول آلات التفسير والتوقع ومقارنتها الأسر
العنيفة وغير العنيفة، التي لقيت اهتمامًا شديدًا للغاية لدى العاملين في مجال
العلاج الأسري لسهولة رصد الكلام الداخلي وتعديله ضمن فترة قصيرة نسبيًا.
العنف الجنسي
ويعني إلزام أحد الطرفين للآخر على القيام
بممارسات جنسية مختلفة ضد إرادته. الأكثر شيوعًا أن يكون المعتدي في هذه الحالة هو
الرجل مع استخدام القوة الجسدية أو التهديد باستخدامها. إن معظم الإحصاءات عن
الاغتصاب تستند إلى سجلات الشرطة التي لا يجد فيها من قبل الزوج أدنى ذكر، فحتى لو
أرادت زوجة مغتصبة تقديم بلاغ أو شكوى فإنها تقابل باستخفاف شديد أو بعدم رغبة
الأجهزة الأمنية في التدخل في الخصوصيات الزوجية، وهذا عائد إلى القناعة
الاجتماعية بأن إرضاء الجوع الجنسي للزوج هو من واجب الزوجة ومن حق الزوج.
يعتقد كامبل Campbell" " في ضوء خبرته العيادية أن نصف النساء اللاتي تلقين
عنفًا جسديًا في العلاقة الزوجية هن كذلك ضحايا لهم جنسيًا. على كل حال يصعب
الوصول إلى تقديرات دقيقة عن مدى انتشار هذا النوع من العنف لأسباب بديهية. أشارت
نتائج الاستقصاء الذي أجراه راسل Russel" " في عام 1982 على 930 زوجة أمريكية إلى أن 14% منهن
تعرضن للاغتصاب من قبل أزواجهن وأن 35% منهن تعرضن لذلك بين 5 - 20 مرة.
ترى موهلنهارد Muehlenhard" " أن كثيرًا من الاضطرابات الجنسية، كاضطرابات الطمث
والعقم عند المرأة ناجم أساسًا عن سوء معاملة الزوج للزوجة أثناء الاتصال الجنسي.
أما عالم الجنس البولوني ستاروفيتش Starowicz" " فقد أكد أخيرًا أن كثيرًا من أشكال العصاب عند
المرأة ناجم عن كونها ضحية الاغتصاب من قبل شريكها الجنسي "الذي يشعر
بالسيادة المطلقة عليها، أو لكونها في طفولتها قد شهدت مثل هذه المعاملة بين
والديها.
يمكن الحديث عن وجود عديد من محاولات
تفسير الاغتصاب الزوجي (آراء كوينسي وباكستر وبلادر ومارشال وموهلنهارد وغيرهم).
وتحتل نظرية هال Hirch man & Beutler" " ورفاقه، الرباعية الأبعاد مكانة خاصة بينها، إذ
تحاول تفسير الأمر من خلال تضافر أربعة عوامل عريضة هي العامل الفسيولوجي (فرط
الاستثارة الجنسية فسيولوجيا عند الفاعل) والعامل المعرفي - الثقافي (المعتقدات
الاجتماعية السائدة حول العلاقات الجنسية بين الأزواج) والعامل الظرفي القانوني
(قصور النصوص القانونية في مواجهة الظاهرة) فالعامل الانفعالي الشخصي (سمات شخصية
الفاعل ).
في الولايات المتحدة نشطت الجمعيات
النسائية وجمعيات حماية ضحايا العنف الأسري في أواخر الثمانينيات من أجل زيادة
الوعي العام بخطورة هذه المسألة واستطاعت إحداث تغييرات بحيث أصبح قانونها ينص
صراحة على أن الاغتصاب بمختلف أشكاله جريمة يعاقب فاعلها، أيًا كان، بنفس العقوبة،
وتحذو الجمعيات الأوربية حذو الجمعيات الأمريكية.
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق