يؤمن العديد من الناس
بمختلف عقائدهم وخلفياتهم الثقافية بوجود الأشباح والجن والشياطين والأرواح
الشريرة، تختلف المسميات لكن جلها تندرج تحت نفس التعريف.
ومن بين الظواهر الخارقة
للطبيعة وخفايا ما وراء العالم الحقيقي، يبقى للأشباح وتلك الأرواح نصيب الأسد، فهي
تشكل موضوعاً مهماً وشائعاً بين الناس، فضلاً عن القصص المتوارثة والكثيرة عنها،
وهناك العديد من الديانات تمثل فيها الأشباح جزءاً مهماً من عقيدتها!
مع كل هذا لا يوجد علمياً تعريف عن ماهية
هذه الأشباح، وذلك ببساطة يعود لعدم إمكانية إمساك أي منها أو حتى توثيق وجوده
لفحصه والتعرف عليه وفق المنهجية العلمية.
وبحسب التعريف المعتقد السائد، فإن
الأشباح هي ما تبقى من الكيان المادي والذي لم ينتقل من العالم الوجودي إلى العالم
الآخر، والشائع أن الشبح ما هو إلا روح إنسان أو حيوان ميت تتجول بلا جسد (أطياف).
تاريخياً، فإن الأشباح فكرة قديمة جداً قد
تبناها بعض الناس كونها مريحة لهم، فبعض الأشخاص يرفضون تصديق أن أحباءهم المتوفين
قد غادروهم، فيؤمنون بوجود أطياف لأجساد المتوفين تقوم براعيتهم وتقف بجانبهم في
السراء والضراء، يبوح لهم هؤلاء الناس بمشاكل حياتهم بالتحدث إليهم كما اعتادوا
قبل رحيلهم، لهذا يصعب عليهم التخلص عن فكرة وجود الأشباح وأرواح الموتى.
ماذا عن فرضيات المحققين في
الظواهر الخارقة وصائدي الأشباح؟
إن المحققين في الظواهر الخارقة للطبيعة
وصائدي الأشباح نادراً ما يدعمون تحقيقاتهم بالأدلة الواضحة والبراهين المستندة
الى دراسات علمية موثوقة والمنهج العلمي الصحيح، بل يستخدمون تقنيات ومعدات غير
مناسبة لما يقوموا بالتحقيق فيه!
وبحسب الفرضيات التي يقدمها المحققون، فان
الشبح هو شكل من أشكال الطاقة لكائن معين، وما يدعم وجود الأشباح يمكن أن يوجد في
الفيزياء، حيث يقال أن ألبرت أينشتاين بوضعه لقانون حفظ الطاقة قد دعم وجود
الأشباح! بزعمهم أنه إذا كانت الطاقة لا تفنى (لا يمكن تدميرها) ولا تستحدث من
العدم (لا يمكن خلقها) إنما تتحول من شكل لآخر؛ فإذاً ماذا يحدث لطاقة الجسد عند
الموت؟ هل يمكن لطاقة الجسد الميت أن تتحول على شكل شبح؟
هذا الافتراض سيبدو منطقياً ومعقولاً لك،
إذا كانت معلوماتك سطحية أو معدومة في أساسيات الفيزياء. لكنه في الواقع غير منطقي
وعلمياً هو خاطئ، لماذا؟
الجواب بسيط، فبعد موت الإنسان فإن الطاقة
في جسده تذهب—كما طاقة جميع الكائنات عند الموت—إلى ”البيئة“، البيئة المحيطة!
مثال ذلك جسد الإنسان بعد الموت فإن طاقته تنطلق في الطبيعة! كيف ذلك؟
إذا تم دفن الجسد فإن الطاقة تنتقل إلى
الدود والبكتيريا التي تحلل الجثة وإلى النباتات التي تمتص بقايانا، وإذا لم يتم
دفن الجثة، تنتقل الطاقة إلى الحيوانات البرية التي تأكل الجسد والتربة التي تمتص
البقايا والنباتات في حال وجودها أيضاً. وبشكل عام، ليس هناك طاقة سحرية أو خارقة
تخرج من الجسد وتكون قادرة على التواجد بمفردها بشكل من الأشكال وتتجول في
الأرجاء.
ثمة فرضية أخرى يدرجها المحققون في
الأشباح هي أن الشبح هو شكل من أشكال الإسقاط النفسي على العقل البشري، الفرضيات
التي يقدمها المحققون في الأشباح هي فرضيات لا يدعمها علم الفيزياء ولا علم النفس
والأعصاب ولا أي علم بشكل عام!
وتعتبر هذه الفرضيات وما يقدمه هؤلاء
المحققون من ضمن ”العلم الزائف“، حيث أن من يفترض وجود هذه الطاقة يرفق دائماً
فرضياته بادعاء استحالة قياسها بالطرق العلمية التجريبية، وهذا ما يجعلها تندرج
تحت تنصيف العلوم الزائفة (أحد أسباب إدراج بعض العلوم والفرضيات ضمن العلم الزائف
هو عدم القابلية للقياس وعدم القابلية للدحض).
الأشباح والبيوت المسكونة!
يقوم الكثير من الناس بتقديم بلاغات
وتقارير حول المنازل المسكونة، ووفقا لأقوالهم المرفقة للتقارير فأنهم يشعرون
بوجود خيالات غريبة، وانخفاض في درجات الحرارة، ويسمعون أصواتا غريبة.
في الحقيقة أن هذه العلامات والأحداث
موجودة بالفعل في المباني القديمة التي أقرب ما تكون متهالكة وعفى عليها الزمن،
وبسبب هذه التقارير قام العلماء بالتحقيق في هذه الأماكن. ما فعلوه أثناء التحقيق
هو حساب التغيرات في درجات الحرارة، والبحث في الأصوات الموجودة والعثور على
مصادرها، ومقارنتها مع التغيرات الفيزيائية المادية.
وجدوا أن التغيرات الفيزيائية في المساحات
الفارغة وراء الجدران، والتيارات الصوتية ذات التردد المنخفض، واهتراء الخشب في
جدران المنزل، وانكماش الخشب الناتج عن تغير درجة الحرارة، وحركة الرياح المؤثرة
على فروع الأشجار التي تحتك بالجدران والمنزل، هي تفاسير للظواهر الناتجة مثل
أصوات صرير الأبواب والخشب والنقر والارتطام وغيرها من الأصوات التي سمعها الناس
في الأماكن المجاورة للمنازل المهجورة.
وفي دراسات حديثة بشأن المنازل المهجورة،
تبين للباحثين أن الغبار والأتربة الموجودة فيها بعد فحصها أنها سامة، وتسبب
الذهان الحاد والهلوسة لمن يستنشقها، ويعتقد الباحثون أن هذا من أحد الأسباب الذي
تجعل الشخص المتواجد داخل هذه الأماكن يخيل له أنه سمع صوتا أو رأى خيالا أو ظلا
ما.
ولقطع الشك باليقين بخصوص الأشباح في
المنازل المسكونة، يمكننا طرح بعض الأسئلة المنطقية بشأن التناقضات الكامنة في
فكرة وجود الأشباح، بما أن الأشباح أطياف ذات طبيعة غير مادية، فكيف لها أن تؤثر
الأجسام الصلبة عند العبور من خلالها، وكيف تستطيع التفاعل معها؟ كيف تستطيع صفق
الأبواب ورمي الأشياء في أنحاء الغرف؟ كيف يمكن لكيان غير مادي أن يصدر خطوات على
الدرج؟ كيف يمكن لكيان لا يملك لا عضوا ولا حنجرة أن يصرخ أويصدر صوتا؟
لكن يأتي بعض الجهلة ويفترضون طبيعة
مزدوجة للشبح (مادية ومعنوية) كي تناسب قصص الأشباح التي يدعونها، ولكي تتناسب
أيضاً مع أي أحداث غامضة لا يجدون لها تفسيراً، مطبقين بذلك مبدأ ”في حال عدم توفر
أدلة كافية لتفسير سؤال ما، يقوم أحدهم بتقديم أي إجابة يريدها بالاعتماد على جهل
الناس واستغلال عدم وجود الأدلة نفسها“، وهنا نرى أنه في أي ظاهرة لم تفسر بعد وأي
ظاهرة غريبة يتم نسبتها إلى الأشباح أو الجن والشياطين!
الأشباح والجن في الرداء
الأبيض!
دائماً التقارير والبلاغات التي يرسلها
الناس بشأن الأشباح تقول بأنهم رأوا شبحا يرتدي رداءً أبيضا، وفي الكثير من أفلام
الرعب الخيالية، تصور الأشباح بكائن مرعب يرتدي رداء أبيضاً. فلماذا ترتدي الأشباح
زيا أبيضا؟
إن هذا الاعتقاد السائد عن الأشباح أو
الجن بأنها ترتدي الزي الأبيض بسبب لون الكفن الذي يغطى به الميت ما عدا وجهه، لذا
فهو يعكس صورة مسبقة في مخيلة الناس عن شكل الأشباح وبذلك تكتمل في أذهانهم صورة
الشبح.
منهج صائدي الأشباح المتبع في
صيد الأشباح، ودحضه!
للكشف عن الأشباح والبحث عنها، يأتي
الكثير من المحققين في الظواهر الخارقة ليلاً إلى الأماكن التي يشاع عنها أنها
مسكونة أو مهجورة منذ زمن بعيد، مثل المستشفيات أو المقابر، محملين بكشافات ومعدات
مثل عدادات جيجر وأجهزة الكشف عن المجال الكهرومغناطيسي وكاميرات الأشعة تحت
الحمراء وميكرفونات حساسة ..إلخ (لم يحدث أبداً أن أي من هذه المعدات قد كشفت عن
الأشباح بشكل حقيقي).
وهناك محققون آخرون يتبعون منهجا مختلفا
ويدعون أن السبب في عدم إثبات وجود الأشباح هو أننا لا نمتلك التكنولوجيا المناسبة
للكشف عن عالم الأرواح، لكن المفارقة الكبرى أن نفس الأشخاص يقدمون بعض الصور
وتسجيلات الفيديو الغامضة كأدلة على وجود الأشباح وهم نفسهم من يزعمون أن
التكنولوجيا التي بين أيدينا عاجزة عن الكشف عنها؟!
من هنا نستخلص؛ أنه إذا كانت الأشباح
موجودة ويمكن رصدها والكشف عنها وتسجيلها بطرق علمية فإنه علينا إيجاد أدلة أقوى
لفعل ذلك، وإذا كانت موجودة ولا يمكن الكشف عنها أو رصدها وتسجيلها بشكل علمي؛
فالنتيجة أن كل الصور والفيديوهات والتسجيلات الأخرى الموجودة التي يرتكز عليها
المؤمنون بوجود الأشباح غير صحيحة، ولا يمكن لها أن تكون دليلا يثبت وجودها فعلا!
أسباب إيمان البعض بوجود
الأشباح أو الجن
إن إيمان البعض بوجود الأشباح يعزى لعدة
أسباب بعضها دينيا أوعقائديا أو بسبب تعرض الأشخاص لتجارب غامضة مروا بها ولم تفسر
منطقيا.
كمثال على التجارب الغريبة، حالة شلل
النوم، إذ كانت تنسب هذه الحالة قديما إلى شبح سمي بالجاثوم (بسبب جثومه على جسد
النائم مما يسبب له الشلل!)، لكن حقيقة ذلك علمياً أن شلل النوم هو حالة تتجسد
بشلل جزئي أو كامل بعد الاستيقاظ بفترة بسيطة ونادراً بفترة قصيرة قبل النوم، وهي
تعد اكتمال لحالة الشلل الطبيعي التي تحدث خلال النوم، كارتخاء الرقبة وتحرر
الفكين، كما تصاحب هذه الحالة بعض الهلوسات بحسب معتقدات الشخص نفسه، أو ما يصور
له دماغه النصف واعي خلال هذه التجربة، حيث أنه يعي تماماً ما يدور حوله ولكنه لا
يستطيع الحركة، وقد تستمر هذه الحالة من بضع ثواني إلى دقائق تنتهي بعودة الشخص
للنوم أو الاستيقاظ المصحوب برعب شديد.
– الأسباب الدينية
والعقائدية:
يؤمن الكثير من المتدينين بوجود الجن
والشياطين أو الأرواح الشريرة، لأن دينهم يملي عليهم ذلك ويفرض عليهم التسليم
بقضية وجود الأشباح، وما يميز الجانب الديني هنا أنه لا يقتصر فقط على طرح قضية
وجود الأشباح بل وأيضاً يتطرق إلى إمكانية أن تلبس هذه الأرواح الشريرة أجساد
الناس، وتصبح قادرة على أن تتحكم بهم وأن تصدر أصواتا معينة بالنيابة عنهم، وتسبب
في تشنجات في الجسد وقد تؤدي أحياناً حتى إلى موت الشخص المتلبس!
وضحنا سابقاً وعلمياً عدم وجود الأشباح
والأرواح الشريرة، أما بالنسبة للتلبس، فإن الحالات التي يدعى أنها حالات تلبس
بالجن فجلها حالات مرضية مدرجة جميعها ضمن قاموس الأمراض العصبية والنفسية.
أشهر هذه الأمراض العصبية، وهي معروفة في
الوسط الطبي، تسمى Psychogenic Seizures، تصيب مرضى الصرع فتسبب نوبات اضطراب عصبي تتخللها تشنجات حادة
لجسد المريض، وأغلب المصابين بها هم من الأشخاص المتدينين، تتطابق تماما لما يسميه
البعض حالة تلبس الجن و يعود ذلك إلى إيمان البعض بأشياء غير موجودة وبعوالم
افتراضية بشكل مبالغ فيه، تجعل الشخص في مرحلة معينة متحسس جداُ لكل ما هو ديني،
فعندما يسمع المريض أشياء تتعلق بدينه الذي يؤمن به، يسبب له ذلك نوبات حادة من
التشنجات والصراخ وفقا لما ذكره دكتور علم النفس والأعصاب ”مايكل سبيرلنج“.
يمكننا أن نطرح سؤالا منطقيا عن تلبس الجن
وهو: لماذا يُعالج المريض المسلم من قبل شيخ مسلم وبآيات من القرآن، وبنفس الطريقة
يعالج المريض المسيحي بالإنجيل، كما باقي المرضى من شتى الديانات؟ ولماذا لا تسجل
أي حالة تلبس جن لمريض لاديني أو ملحد؟
في الدين الإسلامي (على سبيل المثال)،
يدعي البعض أن تلبس الجن يسبب الكثير من الأمراض مثل تأخر الإنجاب عند المرأة؛ إذ
يُقال بأن ثمة جن يتلبس المرأة في رحمها! تنزل الدماء من عين مريض بدل الدموع بسبب
قبيلة جان تتلبسه! وغير ذلك من المعتقدات.
لكن هناك البعض من رجال الدين أمثال
الدكتور طارق سويدان من يؤمنون بوجود الجان والشيطان بحسب عقيدتهم لكنهم في الوقت
ذاته لا يؤمنون بتلبس الجن، وينفون وجود تلبس الجن في الدين الإسلامي ويدعون
لمحاربة هذه الخرافات، ويدعون أبناء دينهم لمحاربة أماكن معالجة تلبس الجن
المنتشرة والمقننة في العديد من الدول العربية، التي تلجأ إلى الضرب ويكثر فيها
الصراخ، ولا يقدم فيها أي علاج بل تسوء فيها حالة المريض وتتدهور حالته النفسية،
وسببت هذه المراكز أضرارا كبيرة للمرضى المسلمين الذين تركوا المستشفيات ولجؤوا
للعلاج في تلك المراكز.
معالجة تلبس الجن المنتشرة والمقننة في
العديد من الدول العربية
معالجة تلبس الجن المنتشرة والمقننة في
العديد من الدول العربية
يقول الدكتور طارق سويدان:
”طبعاً الجن أمرهم ثابت في القرآن الكريم،
ولا أجادل فيه أو أشكك حوله، لكني أتحدث عن دخول الجني في الأنسي وسيطرته عليه،
جميع الأحاديث التي تتحدث عن تلبس الجن بالإنس إما موضوعة أو ضعيفة وأفضلها اختلف
العلماء في صحته!“
ختاماً
إن الأدلة على وجود الأشباح أو الأرواح
الشريرة وغيرها، إلى يومنا هذا، محصورة في الحكايات والقصص المتوارثة والقصص التي
يتداولها الناس، زاعمين أنها حدثت لهم أو سمعوها من غيرهم، وهذه الحكايات
والتقارير لم يتم تأكيدها أبدا من قبل المتلقي الذي قدم له البلاغ أو أدلي أمامه
بتلك الشهادة.
رؤية الشيء أو سماعه ليس دليلا حقيقيا على
وجوده، فشهادات الأفراد ليست دائماً موثوقة وصحيحة، حيث يميل الناس عادةً إلى تخيل
أحداث غير حقيقية أو تفسير أشياء قد شاهدوها بطريقة خاطئة لملء الفراغ والنقص في
ذاكرتهم وشخصيتهم.
وما يسمى بالأدلة المنتشرة من صور
وتسجيلات فيديو وأفلام، غالبا ما تكتشف الخدع التي فيها، وكذلك الكذب والتعديل
السنيمائي أثناء تصويرها، وكثيرا ما تعتبر هذه التسجيلات قد وضعت لأغراض الترفيه
والتسلية وليس بمثابة أدلة، ولا يمكن بطبيعة الحال أبداً الاعتماد عليها كدليل
لتفسير أي شيء!
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق