التطوير التربوي
تعتمد التربية على الاهتمام بالقوة البشرية كوسيلة لتحقيق التنمية المنشودة، وخلق الإرادة في نفوس أبنائنا، فنحن بالإرادة قادرون على صناعة الحياة ومواجهة الصّعاب والعمل على حلّ المشكلات.
وللتربية
قدرة ساحرة على مسيرة المجتمع، إلا أنّ هذه القدرة رهنٌ للمناخات السياسية
والاجتماعية والاقتصادية السائدة والمساعدة لرؤاها، وما تتّصف به مناهجها من كفاءة
وجودة تمثّل ميزان التأثير. والمرتجى أن تشكّل التربية صياغة الفرد بآلية توائم
فيها بين المقتضيات المعاصرة ومتطلبات الأصالة، وتُبرز لديه مهارات الإبداع.
ما سبق يفرض التجديد في مضامين التربية وطرائقها وتصوّراتها وأهدافها وفلسفتها، وتجنّب التقليدية منها، وجعلها طوعًا للجدّة والمرونة والواقعية، ويمهّد لتأسيس صرح التجدد والإبداع. فالواقع المعاصر يضجُّ بصعوبات جمَّة تحتّم على الإنسان القدرة على حُسن التكيّف مع بيئته الاجتماعية تبعًا لخطة جليّة وأهداف مرسومة، إلا أن نظامنا التربوي في الوطن العربي الذي تسند إليه المهام الصعبة في إعداد هذه القوة البشرية، يعاني تحديّات جمّة منها:
· ضبابية المنهاج الدراسي بمفهومه العلمي، إذ يتعامل الجميع مع المنهج كمحتوى دراسي لا غير، إلا أنه أعمّ وأشمل وغير مرتبط بمادة أو مقرر دراسي واحد.
· ضبابية الأهداف التعليمية الحقيقية على جميع المستويات، في ظل غياب رؤية وفلسفة اجتماعية تربوية ثابتة، بمعنى ماذا يريد المجتمع وما هي الغايات والنتائج التي يودّ تحقيقها في النظام التعليمي؟ بمعنى آخر، ما هي الصورة المرسومة للخريجين بمهاراتهم وقدراتهم واختصاصاتهم التي تتوافق مع أهداف النظام التعليمي المنشود؟ فوجبت الجديّة في العمل لتبنّي الكفايات العريضة لتحسين فرص العمل أمام الخريجين.
· مزاجية القرارات الإدارية المتصلة بالعملية التعليمية والتربوية، أي عدم خضوعها لمنظومة تربوية وسنَد علمي، فهي تؤخذ جزافًا، بعيدًا عن خطة مدروسة محكمة تتناول حاجات البلد التعليمية، ومثال على ذلك، توزيع المدارس الحكومية في الأرجاء دون دراسة للكثافة السكانية في كلّ منها.
· ضعف مستوى الإدارة التربوية بسبب العجز في التأهيل والتدريب، أي عدم مراعاة التخصص والطبيعة النفسية للعملية التربوية، فكان تولية غير المؤهلين لمواقع الإدارة التربوية أو العامّة.
· عدم فهم التطبيق الحقيقي لمصطلح اللامركزية، فلكل مسؤول رؤيته ومزاجيّته التي تعمل على تغييب الكفاءة ونشر المحسوبية والواسطة.
· ضعف الاهتمام بشخصية الطالب، إذ بات التركيز على أداء الامتحانات، بعيداً عن تعزيز شخصية الطالب.
· غياب الخطط والدراسات العلمية، ومعها غياب مؤهلات وثقافة التخطيط لدى العاملين في الإدارة، أي لا توجد دراسات تعنى بالعملية التربوية أو الخدمات التعليمية، لتبقى المسيرة التربوية جامدة، لا تراوح مكانها رغم إشباعها تنظيرًا، وفق منهجية كلام في كلام.
· غياب استراتيجية تدريب المعلمين وتأهيلهم، فأهدافهم في تلاطم مع الضياع الإداري والمنهجي وبُعد عن متطلبات العصر الجادّة.
· غياب الإشراف التربوي كإطار مرجعي للمادة وللعملية التربوية عامة، ناهيك بالغوص في متطلبات العملية التعليمية داخل الصف وسُبل تعزيزها.
· غياب الشق العملي في العملية التعلمية، وما يرافقه من غياب التوافق مع التطورات التقنية والمعلوماتية، ليغيب بالتالي التعلّم النشط عن الصفوف المدرسية، فتنأى عن تعزيز مهارات التفكير عند الطالب، وتكتفي بالحد الأدنى من المهارات التي تعتمد التلقين والرتابة في التعليم، فحشو دماغه بالمعلومات جاء على حساب العناية بطرق التفكير وحلّ المشكلات ليُفقده القدرة على البناء العقلي وتعزيز حاجاته وميوله، وحلّ مشكلاته، لتتفاقم على الأثر المشاكل السلوكية المدرسية.
· غياب التحليل والتقييم والمساءلة الجدّية في العملية التربوية، والوقوف بالمحاسبة عند صغائر الأمور، فالعملية التربوية أمر لا يستهان به، فهي عملية صنع بشر سيتولّون يومًا ما قيادة الوطن العربي.
· غياب ثقافة الاهتمام بتعليم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يشكّلون نسبة لا يُستهان بها من المجتمع العربي تتراوح بين 10 و15 في المئة، وهذه النسبة إن غفلنا الشق الإنساني منها، بدا لنا الشق الاقتصادي بجدواه الإيجابية التي لا غنى عنها.
· غياب البيئة التعليمية الغنية ببنائها وأدواته، المتوافقة مع الفكر الناشط والإبداع التعليمي، وضعف التنسيق والتكامل الأفقي والعامودي بين الخبرات.
· إهمال التعليم المهني والتقني، وغياب ثقافة مجتمعية تقدّر عاليًا العمل المهني وبالتالي التعليم المهني، فهذا الأخير هو بطل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والداعم الأول للقوة الفتيّة العاملة، ينظر إليه باعتباره وسيلة رئيسية لتحسين المجتمع ورفع مستواه، فخطط التنمية بحاجة إلى رفدها بالقوى العاملة المدرّبة من فئات العمال الفنيين، فكان لزامًا تحميل التعليم المهني مسؤولية الدور التنموي في ظلّ الأزمات المعاصرة التي يمرّ بها الوطن العربي.
إن كلّ هذه التحديّات وغيرها الكثير، جدير بنا الوقوف عندها وعقد المؤتمرات الحكومية والمجتمعية لرسم خطة عمل تتسع لتحديد الرؤية التربوية التي منها تندرج الرسالة والأهداف وتبنى على أساسها المدخلات والمخرجات التعليميّة، وتصاغ المناهج والمقررات والأنشطة المصاحبة وتعتمد طرق التدريس.
إن النظام التعليمي في أي مجتمع هو لولب تطويره، وأيّ كلام عن تنمية مجتمع لا معنى له ما لَم نبدأ من النظام التعليمي فيه، وهذا ما نذكره مع دول كبيرة لم تكُ شيئًا، وباتت من أعظم الدول بفضل اعتمادها أولًا على التعليم فيها.
فدولة مثل ماليزيا أقامت مؤتمرات عام 1985 لتحديد رؤيتها في قضية التعليم، ليكون القرار في جعل ماليزيا دولة صناعية، وعلى أساسه تتغير مناهج التربية والتعليم ونظم البعثات الدراسية ونظم الهجرة والاستثمار، وتتحول البرامج والمقررات الدراسية لخدمة هذه الرؤية. وكانت النتيجة أن أصبحت ماليزيا عام 1995 عاشر دولة صناعية في العالم.
فمتى سينهض وطننا العربي ويعود إلى تصدّر العالم تربويًا واقتصاديًا واجتماعيًا؟
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
رهاب القذارة:
الأعراض، الأسباب والعلاج
ألعاب تساعد على
زيادة تركيز الأطفال
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق