الأطفال والإنترنت
يعدّ الإعلام من أكثر الوسائل استخدامًا من طرف الطفل، فقد أصبح يستحوذ على اهتمامه كثيرًا، مما يضع حياة الطفل بين مؤثرات متعددة، مصدرها التلفزيون والشبكة العنكبوتية. وإذا كانت هناك تأثيرات سلوكية ونفسية تلقي بظلالها منذ مدة على حياة الطفل، فقد أضحى الطفل يتعرّض لتهديد في نموه. والخوف ينتابنا أكثر ونحن نراه يكتسب لغة تزعزع هويته، بعدما انحرفت بعض سلوكياته من جراء مشاهدته التلفزيون والإنترنت.
وازدادت
الحال خطورة مع تراجع دور البيت والمدرسة في بناء جيل نافع مثمر، ينفع محيطه
القريب قبل البعيد. ولعل ما يقع للطفل في مراحل عمره الأولى، ينبغي التدبّر فيه،
وعدم الاستسلام للأمر الواقع، رغم الصعوبات، في ظل استحواذ وسائل الإعلام على مصير
الطفولة.
تشكّل
وسائل الإعلام مؤسسة تربوية جديدة بدأت تنافس بقوة المؤسسات التقليدية (الأسرة
والمدرسة) في تحقيق التنشئة الاجتماعية للأطفال، عبر نماذج القيم والأفكار
والتصورات، التي تعبّر عنها وتبلّغها إلى المتلقي، ويقودنا هذا إلى طرح تساؤلات عن
التنشئة الاجتماعية الخاصة للأطفال في عالمنا العربي أمام وسيلتين إلكترونيتين، لا
غنى عنهما.
يظهر
الواقع أن التلفزة تمثّل واحدة من أكبر وسائل الاتصال تأثيرًا وحضورًا في مختلف
المجتمعات، بفعل تصدّر الاختيارات المتاحة للأطفال خارج مجال البيت من نوادٍ وحدائق
ووسائل ترفيه ومجالات تعليم.
وإذا
نظرنا إلى آثارها السلبية، فإننا نجد أنها في سنوات من عمر الطفل لا تبتعد عن
المخدّر، إذ فور أن يندمج الشخص ضمن نسقها، يصبح من الصعب التخلص من فعلها في ظل
تصديق المنظور المشخّص كشيء لا جدال فيه، فيصير عاجزًا عن التمييز بين الخبر
والرأي وبين الزيف والحقيقة، سواء على مستوى الأفكار أو واقع الحياة المُعاشة،
ونستحضر هنا حالة اليأس التي تخالج المشهد في عدد من المشاهد الحربية المؤثرة،
التي تخلق أجواء مشحونة بالعواطف والانفعالات والأهواء.
في
كثير من الأحيان يقع الأطفال في وضعية خطيرة عندما يفتتنون بالإشهار المتعلّق
باللعب، إذ تبدو كأنها كائنات حية مستقلة وقادرة حتى على إبداء المبادرة، حيث
يتلهف الطفل على اقتنائها كوسيلة للحصول على الامتياز والقدرة والاعتبار. هو واقع
أصبح يُقلق الأسر، وقد يزداد الوضع قتامة حينما يسقط الأطفال في سنّ مبكرة في
مشاهدة برامج تلفزية باستمرار، مما يجعل الطفل في حالة من الاسترخاء والسلبية.
تأثيرات
خطيرة
من
التأثيرات الخطيرة التي يسقط فيها الطفل، ما قد يتابعه من مشاهد تعجّ بلقطات العنف
بشتى أنواعه اللفظية والجسدية، فضلًا عن أن الطفل في مثل هذه الحالة يتعود عضّ
الأظافر أو قطعها بالأسنان، وهو سلوك يدلّ على أنه يعاني اضطرابًا نفسيًا، يُضاف
إلى ذلك أن مشاهدة الأطفال للمسلسلات المدبلجة تعرّضهم لحالة من التناقض بين القيم
المطروحة من خلال مواقف الممثلين وبين القيم السائدة من لدُن الأسر، وقد
تتعمّق الجراح مع طول المدة التي يقضيها الطفل أمام جهاز التلفزيون، في وقت تنعدم
المراقبة الأسرية التي من شأنها أن تحدد على الأقل مدة المشاهدة، فيهوى الطفل
التلذذ بالراحة والكسل، وهذا يصاحبه ضعف نحو العمل والحركة لحساب التسمُّر أمام
الجهاز العجيب، مما يولّد لديه مشاعر النفور من الدراسة.
تجدر الإشارة إلى أن نسبة المشاهدة ترتفع مع أيام العطل، التي يستحوذ خلالها التلفزيون على أوقات الأطفال، لاسيما في ظل الانتشار الواسع للقنوات الفضائية، التي نجحت في استمالة عدد كبير من هذه الشريحة العمرية.
وأمام هذه الوضعية يتم الحديث عن «التحرير بالإعلام»، الذي يحتاج إلى صياغة تمتاز
بالجودة في التأليف، وإلى قدرة كبيرة ودراية علمية في موضوع من المواضيع، وأصبح
على الإعلامي أن يختار الألفاظ المناسبة، ويربط فيها بينها ليكون التأليف مناسبًا
وتطبيقًا مع مقتضيات اللغة في صياغة تشكّل كلامًا متكاملًا منسق الأجزاء مترابط
الوحدات الداخلية، خاليًا من الشذوذ والنشاز، وهذه الصياغة - السليمة لغويًا -
المراعية لقواعد اللغة العربية، لا يمكن أن تكون كذلك إلّا بالتشبّث بقواعد النحو،
محافظةً على ترتيب الكلمات.
أثر
الشبكة العنكبوتية على الطفل
إن
التوظيف غير المدروس للشبكة العنكبوتية من طرف الأطفال، هو الآخر لا تقلّ خطورته
عن المتابعة المستمرة للأطفال للتلفزيون، فلقد أدت ثورة الإنترنت، والانتشار
الواسع لتكنولوجيا رقمية لا حصر لها، لإلهاء الطفل والاستحواذ على حياته من خلال
الرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، و«إنستجرام»، و«واتساب»، وتغريدات الأصدقاء،
وتشغيل ملفات الموسيقى والفيديو والأخبار، والمزيد من الأخبار إلى السقوط فيما
أطلق عليه بـ«عصر التشتيت» أو عصر «الإلهاء»، وقد اعتبر عالم الأعصاب دانييل
ليفتين، أن هذه الملهيات في العالم الحديث يمكن أن تخرّب الأدمغة، ولنا أن نتساءل
عن مدى خطورة ذلك على صحة الطفل؟
وإذا
كان الحديث عن تقديم الإنترنت لخدمات متنوعة، خاصة في جانب المعرفة، فإنّ الوجه
السيئ لهذا التوظيف، هو ما يلاحظ لانتشار لمحادثات يستعمل فيها الأطفال لغة، يطلق
عليها بـ «العربيزة» أو الـ «فرانكو آراب»، واستبدال بعض الحروف ببعض الأرقام من
قبيل (أ/2) (ع/3) (ط/6)، هي لغة أخذت مكانًا لدى مستعملي الإنترنت، وبالخصوص فئة
الأطفال، والسؤال المطروح، كيف سقط جيل المستقبل في هذا الانزلاق اللغوي؟
صحيح
أن بعض علماء النحو واللغة يقفون على أن من خصائص المراهقين محاولة الوصول إلى لغة
خاصة بهم للتواصل، وهذا ممكن، لكن أن تشهد اللغة العربية هذا النوع من التحريف،
وهي أشرف اللغات، التي اختارها رب البشرية وخالق الكون لتكون لغة كلامه العظيم
والمفضل على سائر لغات البشرية.
رسائل
فارغة
إن
ما يُنشر داخل وسائل التواصل الاجتماعي من رسائل نراها في أحيان كثيرة فارغة
المحتوى من حيث اللغة على الرغم من أنه لإحداث حوار من طرف ما لا بدّ من وجود لغة
مشتركة، كأداة حماية وتقنين لذلك الخطاب.
وإذا كانت هذه الوسائل أداة فعالة لتوصيل الخطاب المطلوب باعتبارها فضاءات
للرأي والرأي الآخر والشد، وأنها مساحة للحريّة والكتابة، إلّا أن ذلك مرتبط
بالمسؤولية، وأن الحرية ليست مفتوحة على عواهنها، ولعلّ هذا ما أشار إليه يحيى
الرخاوي من أن هذا الامتداد الإلكتروني هو بمنزلة احتلال، وصل إليه من يبحث عن
تبخيس اللغة العربية، فكان الاتجاه إلى العقول بعد أن صعب احتلال الأرض أو سوق
الحاجات.
ومن
بعض المظاهر السلبية الأخرى التي يقع فيها الطفل، أنه يسقط في العزلة الاجتماعية
بابتعاده عن بقية أفراد أسرته، وأقاربه، وزملائه وجيرانه، في وقت يغفل الآباء لسبب
أو لآخر عمّا يجري لأولادهم، وهم يمضون الساعات الطوال أمام شاشات الهاتف أو
الكمبيوتر، فالإفراط في الجلوس أمام هذه التكنولوجيا سيؤثر سلبًا على دراسة الطفل،
فتتأثر لغته بالدرجة الأولى، إضافة إلى نموه الاجتماعي، هذا إذا نجا من الوقوع في
دائرة الإدمان، وهو محاصر بتطبيقات تبدو في ظاهرها مسلية له، وتجلب له السعادة،
لكنّ نتائجها قد تكون وبالًا عليه، وبالأخص على سلامته العقلية، وينتهي الأمر
بحالة الانتحار.
ولعل
من نافلة القول، أنه سواء أبينا أم كرهنا، فإنّ طفولتنا تواجه تحديات كبيرة أمام
هذه الثورة التكنولوجية، وهي غير مسؤولة عن ذلك، فالبيت والمدرسة لهما دور كبير في
توجيه الأطفال وحمايتهما من هذه الطفرة الإلكترونية، التي لا يمكن أن نتجاهل
حضورها اليومي في حياة الطفل، وأساسًا على لغته، وما دامت هذه هي الحال، فإنّ
توظيف التلفزيون وشبكة الإنترنت فيما يخدم مصلحة جيل المستقبل سيكون له أكثر من
آثار إيجابية.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
تطبيقات
فلاتر التجميل وآثارها النفسية
التسامح
أفقاً للتفكير والتدبير
المستهلكون
وجاذبية المنتجات الطبيعية
قيادة
الذات والتعلم من المستقبل
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق