قصة وعبرة

الأحد، 1 مايو 2022

• هل يبقى الطلاب المتفوقون على تفوقهم في العمل أيضًا؟


التفوق في المدرسة والعمل

عادة ما يشعر الطلاب بدافع قوي للحصول على علامات عالية، ويعلقون أهمية كبرى عليها إن كان بالنسبة لمتابعة تحصيلهم العلمي العالي، أو بالنسبة لمستقبلهم العملي، ويعتبرونها تذكرة الدخول الأنسب لنخبة الجامعات وعروض العمل المربحة. ومما يزيد من هذا الدافع، الضغط الشديد من المجتمع والأسرة، على حد سواء، لكي يقدم الطلاب أداء أكاديميًا عاليًا يلاقي تقديرًا مبالغًا فيه في العديد من الأحيان.

فكثير من الأهل يشعرون بالفخر بتفوق أبنائهم المدرسي ويتباهون به أمام الجميع، كما أنه غالبًا ما تقوم المدارس في كل عام، بتكريم أبرز الطلاب في كل الصفوف الذين يحصلون على أعلى معدل تراكمي، وكل ذلك يعطي الطلاب انطباعًا خاطئًا عن قدراتهم الفعلية، لكن  الحقيقة هي أن العلامات ليست بهذه الأهمية وليست المقياس النهائي لقدرات الطلاب المتنوعة.

 كل المؤشرات والدلائل تشير إلى أن التميز الأكاديمي ليس، بالضرورة، مؤشرًا قويًا للتميز الوظيفي. عبر الصناعات وعوالم الأعمال المختلفة، تظهر الأبحاث أن العلاقة بين العلامات الأكاديمية والأداء الوظيفي متواضعة في السنة الأولى بعد الكلية وغير موجودة تقريبًا في غضون بضع سنوات أثناء الوظيفة. فعلى سبيل المثال، وجد القيمون على شركة غوغل، أنه فور أن يلتحق الطلاب فيها بعد تخرجهم في الجامعة، وخاصة بعد عامين أو ثلاثة من عملهم فيها، ليس هناك أي تأثير لدرجاتهم الأكاديمية على أدائهم الوظيفي.

قد يفسر ذلك الأمثلة الكثيرة من العالم عن أشخاص تميّزوا في حياتهم العملية من دون حتى أن يقدموا إنجازًا أكاديميًا جيدًا، من أمثال مارك زوكربيرج، مؤسس شركة فيسبوك، الذي انسحب من الجامعة بعد عامين فقط من الدراسة، وستيف جوبز، مؤسس شركة أبل، الذي أنهى المدرسة الثانوية بمعدل وسط، والكاتبة ج. ك. رولينج، مؤلفة سلسلة كتب هاري بوتر الشهيرة، التي تخرجت في جامعة إكسيتر في بريطانيا بمعدل ضعيف جدًا، وبيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، الذي يعتبر من أثرى أثرياء العالم، الذي انسحب من جامعة هارفارد خلال سنته الثانية.

وجميع هـــؤلاء يعتبــرون المثال الأعلى للطلاب متوسطي الأداء الأكاديمي، كما أن هناك قولًا معروفًا نقل عن بيل غيتس أصبح شعارًا للعديد من الطلاب حول العالم عندما قال: «لقد درست كل شيء ولكنني لم أحصل على علامات عالية... لكن اليوم، فإن أفضل الطلاب من أفضل الجامعات في العالم هم موظفون عندي».

العلامات لا تقيس كل شيء

تقيس العلامات ونتائج الاختبارات الموحدة، إلى حد كبير، قدرة الطلاب على الإجابة عن الأسئلة وتجديد المعلومات وليس أي شيء آخر، ونادرًا ما تقيم العلامات الأكاديمية صفات مثل الإبداع، والقدرة على القيادة ومهارات العمل الجماعي، ومهارة إيجاد أرضية مشتركة في المواجهات أو النزاعات، أو الذكاء الاجتماعي والعاطفي والسياسي، ولا تقيس القدرة على التفكير خارج الصندوق وحل المشكلات، كما أنها لا تستطيع تقييم قدرة الشخص على التنبؤ باحتياجات المجتمع أو المستهلكين. وكل هذه المميزات ذات أهمية حيوية لنجاح الفرد في الحياة العملية.

نعم، فالطلاب المتفوقون يجيدون حفظ المعلومات وتحديد الإجابات الصحيحة في الامتحانات، لكن النجاح الوظيفي نادرًا ما يكون حول إيجاد الحل الصحيح للمشكلة، بل يتعلق بإيجاد الحل المناسب للمشكلة الصحيحة. وهنا يمكن التمييز بين نوع الدافع الذي يحفز الطلاب بالإجمال، إن دافعًا خارجيًا أو جوهريًا، لأن الطلاب المتفوقين يعملون من أجل حوافز خارجية، مثل الدرجات الأكاديمية والقبول في أفضل الجامعات وكسب استحسان الآخرين، بينما يعمل الطلاب الأقل تفوقًا على أساس دافع جوهري بالتركيز على المواد التي يهتمون بها حقًا.

عادة ما يستقر الطلاب المتفوقون في النظام بدلاً من زعزعته وبينما يتطلب الحصول على علامات عالية الامتثال إلى أبعد الحدود، تشترط المهنة المؤثرة الإبداع. في دراسة للطلاب الأوائل في فصلهم، وجدت باحثة التعليم كارن أرنولد أنه على الرغم مما يحققه هؤلاء من مهن ناجحة في حياتهم، فإنهم نادرًا ما يصلون الى درجة التألق فيها. ومن ثم أوضحت أنه «من غير المرجح أن يكون الطلاب الذين تخرجوا بأعلى المعدلات الأكاديمية هم أصحاب الرؤى المستقبلية، وعادة ما يستقرون في النظام بدلًا من العمل على زعزعته». وللتأكيد على ذلك هناك دراسة كلاسيكية أجريت عام 1962، قام بها فريق من علماء النفس بملاحقة أكثر المهندسين المعماريين نجاحًا في أمريكا وقارنوهم مع أقرانهم المهرة فنيًا، ولكن الأقل إبداعًا. ووجدوا أن أحد العوامل التي ميزت المهندسين المعماريين المبدعين هو سجل من العلامات الأكاديمية المتفاوتة، وليس المعدلات العالية في كل المواد وفي كل المرحلة التعليمية.

الذكاء ليس مقياساً

وقال دونالد ماكينون، البروفيسور في علم النفس الأمريكي، الذي قام بأبحاث عديدة متعلقة بالإبداع والذي كان أحد القيمين على هذه الدراسة، إن «المهندسين المعماريين المبدعين حصلوا على معدلات وسط خلال دراستهم الجامعية، ولكنهم في المقررات والمواد التي أثارت اهتمامهم تحول أداؤهم إلى درجة جيد جدًا، في الوقت الذي لم يحصلوا على علامات جيدة في المقررات التي فشلت في تحفيز مخيلاتهم وجذب انتباههم». فكان تجاوبهم يعتمد في الأساس على فضولهم وشغفهم الحقيقي، بحيث أعطوا الأولوية للمشاريع والمواد الدراسية التي وجدوا فيها ما يحفزهم على معرفة المزيد والقيام بمزيد من البحث، مما ساعدهم في نهاية المطاف بشكل جيد في حياتهم المهنية.

أما عالم النفس مايكل طومسون، الأستاذ في جامعة شيكاغو ومؤلف الكتاب الشهير «تربية قايين... حماية الحياة العاطفية للبنين»، فيذكر أن «الحقيقة هي أن العديد من الطلاب الذين لا يحصلون على درجات عالية قد يبرعون في مجال الأعمال لأن مجموعة المهارات المطلوبة لتكون طالبا جيدًا لا تتطابق مع مجموعة المهارات التي تحقق النجاح في العالم».

إن مقياس معدل الذكاء أو العلامات الأكاديمية، لا يمثل سوى 20 في المئة من النجاح في عالم الأعمال، وذلك وفقًا لعالم النفس والمؤلف دانييل جولمان، الذي يقول في كتابه «الذكاء العاطفي»: إن الذكاء لا يشكل المعيار الأساسي الذي يمكن على أساسه التنبؤ بالأقدار المختلفة للأشخاص الذين يتشابهون في مستويات التعليم والفرص الحياتية نفسها»، ويضيف أنه: «عندما تمت متابعة 95 طالبًا من طلاب جامعة هارفارد الذين تخرجوا فيها في الأربعينيات من القرن الماضي حتى بلوغهم منتصف العمر، تم الوصول إلى أن الذين حصلوا على أعلى العلامات الأكاديمية لم يحققوا نجاحًا عمليًا متميزًا مقارنة بأقرانهم الأقل تميزًا أكاديميًا إن كان من حيث الراتب أو الإنتاجية أو المركز المرموق في مجالهم، كما لم يكن لديهم أكبر قدر من الرضا عن الحياة، ولم يكونوا أكثر سعادة فيما يتعلق بالصداقات والأسرة والعلاقات الاجتماعية».

الذكاء العاطفي

أما نسبة 80 في المئة الأخرى من النجاح، وهي النسبة الأكبر منه، فيمكنها أن تعتمد على عوامل عدة، مثل الثروة العائلية والتعليم والمزاج والحظ والذكاء العاطفي. ويمكن القول إن آخرها، أي الذكاء العاطفي، هو الأهم كما يصفه جولمان. فالذكاء العاطفي يشمل مجموعة كبيرة من القدرات المعتمدة على الوعي الذاتي، الذي يتضمن الشعور بقيمة الذات والقدرة على قراءة المشاعر الخاصة، وعلى الإدارة الذاتية، التي تشمل المبادرة والتفاؤل والسيطرة على العواطف المدمرة؛ وكذلك على الوعي الاجتماعي، الذي يشمل القدرة على قراءة مشاعر الآخرين والقدرة على إدارة العلاقات من خلال التأثير وبناء شبكة من العلاقات والعمل في مجموعات والقيادة من خلال طرح وجهات النظر المقنعة. وقد أكّد ريك لاش، المستشار في مجموعة هاي Hay Group التي تقدم الاستشارات العالمية في مجال الموارد البشرية، أهمية هذا النوع من الذكاء من خلال بيانات لآلاف المنظمات على مدى ثلاثين عامًا.

وفي المحصلة يمكننا التأكيد أنه لايوجد أحد يمكنه أن يقول إن التعلم ليس مهمًا، وإن المتميزين أكاديميًا لا يستحقون التقدير والاهتمام، وإن الطموح في تحقيق الكمال ليس جديرًا بالثناء. ولكن السعي وراء الكمال لمجرد الكمال هدف محدود للغاية ولا يمكن البناء عليه. كما أن إمكانات الطلاب الحالية والمستقبلية ليست مغلفة في رقم يشير الى معدل مثالي للعلامات الأكاديمية. إلا أن النجاح الحقيقي يكمن في بناء وتطوير الشخصية وإتقان تحقيق لبعض التوازنات الفعلية في الحياة بين الإنجاز الأكاديمي واكتساب مجموعة من المهارات الحياتية الأخرى.

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

الحسد... المارد الذي يخشاه الجميع

استخدامات الزئبق في الحياة اليومية، الخطورة والوقاية

42 قاعدة من أجل حياة أفضل

كيف يساعدنا حس الدعابة من أجل حياة أفضل

ثقافة النجاح

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق