الشيخوخة
يقال إن هناك قوتين مسيطرتين ستشكلان الحياة الاجتماعية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين؛ الأولى، تزايد أعداد المسنين في العالم، والثانية، ارتفاع عدد قاطني المناطق الحضرية.
فوفقاً
لبيانات صادرة عن الأمم المتحدة؛ ستزيد نسبة من هم في عمر الستين فأكثر، لتصل إلى 32
في المئة من سكان شمال الكرة الأرضية، و19
في المئة بجنوبها مع حلول 2050،
مقارنة بـ 12
و6
في المئة في عام 1950.
أشار
تقرير أصدرته الجامعة الأمريكية في بيروت قبل بضعة أعوام إلى أن معظم الدول
العربية ستصل إلى الذروة في أعداد المسنين قبل 2030؛
وسيكون لهذا آثار على سوق العمل ومتطلبات معاشات التقاعد، ونظم التضامن الاجتماعي،
وتكاليف الرعاية الصحية والاجتماعية.
من
جانب آخر، سترتفع نسبة قاطني المناطق الحضرية في العالم إلى الثلثين، أي ما يزيد
على 66
في المئة في 2050،
مقارنة بـ 54
في المئة حالياً.
ولهذا
ظهرت حركات ومبادرات للمدن والمجتمعات الصديقة للمسنين، وركزت البلدان المختلفة
جهودها لمناقشة قضايا الشيخوخة. ولعل من أشهر المبادرات والبرامج ما قدمته منظمة
الصحة العالمية؛ من منطلق تشجيع الشيخوخة الصحية النشيطة وتعظيم فرص المشاركة
والأمن لتعزيز جودة حياة المسنين.
شبكة عالمية
بدأ
العمل على برنامج المدن الصديقة للمسنين للمرة الأولى في 2005،
أثناء انعقاد مؤتمر عالمي للجمعية الدولية لعلم وطب الشيخوخة في العاصمة
البرازيلية ريو دي جانيرو.
وتبلورت
الفكرة بعد ذلك مع إطلاق منظمة الصحة العالمية مشروع مدن العالم الصديقة للمسنين
في 2006
الذي نفّذ في 33
مدينة بشمال العالم وجنوبه، وشارك ما يقرب من 1500
شخص فوق الستين من العمر ومئات من مقدمي الرعاية والخدمات بالقطاعين الخاص والعام
في مختلف أنحاء العالم. وتم الاتفاق على مخاطبة موضوعات أساسية مثل الإسكان،
والمواصلات، والاحترام والدمج الاجتماعي، والمشاركة الاجتماعية، والمشاركة المدنية
والتوظيف، والأماكن المفتوحة والمباني، والدعم المجتمعي والخدمات الصحية والتواصل
والمعلومات، ومجالات أخرى، مثل التعلّم مدى الحياة والمساهمة الثقافية.
وفي
2007 صدر تقرير كان
بمنزلة دليل لكيفية جعل المجتمعات والمدن صديقة للمسنين وأداة لتقييم مستوى التقدم
في تحقيق ذلك.
ولتشجع
التنفيذ، أسست المنظمة في عام 2010
شبكة عالمية للمدن والمجتمعات الصديقة للمسنين (GNAFCC) وراح عدد أعضائها يتزايد حتى تخطى الـ 500
مدينة ومجتمع في 37 دولة بمختلف أنحاء العالم في 2017.
وتعد
الشارقة أول مدينة عربية تنضم للشبكة وتضع خطة استراتيجية رباعية 2017
- 2020،
لتصبح مدينة صديقة للمسنين.
وفي
طريقها لتحقيق الهدف أطلقت عدداً من المبادرات في مختلف المجالات لمقابلة المعايير
والمؤشرات المطلوبة، مثل بناء بيوت للمسنين وفقاً لمعايير هندسية معيّنة مع حلول 2018،
وتوفير أماكن عامة ملائمة لهم؛ كما أطلقت مبادرة لتوفير مميزات وتخفيضات خاصة لمن
هم فوق الستين؛ ومبادرات لرفع الوعي بضرورة احترام الكبار، وقياس رضاهم عن خدمات
المواصلات؛ وذلك في إطار الاستعداد لمواجهة مستقبل مختلف الملامح يرتفع فيه عدد
المسنين.
ومما
يذكر أن منظمة الصحة العالمية أصدرت في 2015
دليلاً لقياس مستوى صداقة المدن للمسنين، من خلال تقديم عدد من المؤشرات الأساسية
والثانوية التي يمكن للمدن تبنيها وتوفيقها حسب السياقات المحلية.
ممارسات ناجحة
وعادة
ما يتم الجمع بين مدخلين من أعلى لأسفل ومن أسفل لأعلى، لتحويل المدن والمجتمعات
إلى صديقة للمسنين. وتبدأ الخطوة الأولى بالانضمام للشبكة ووضع آليات إشراك
الكبار، وتحديد المشكلة من جانب الحكومة والقاعدة الشعبية في ضوء إحصاءات وأدلة
موضوعية وخبرات ومناقشات من أجل حصر الاحتياجات، ووضع خطة استراتيجية وأخرى
تشاركية؛ ثم يأتي دور تنفيذ الخطة ومراقبة المؤشرات وكتابة تقارير التقدم؛ ثم يقاس
التقدم ويحدد مدى النجاح ووضع خطة جديدة لمزيد من التطوير.
وقد
اتضح وجود عوامل ساعدت على نجاح تطبيق نموذج الصحة العالمية للمدن والمجتمعات
الصديقة للمسنين، كوجود شبكة قوية تجمع المنظمات الاجتماعية والمدنية، وتوافر
الخدمات الصحية والاجتماعية، وتنوع الخيارات المتاحة في الإسكان، هذا إلى جانب
قدرة المدن والمجتمعات على حشد أكبر عدد من المهتمين بالمسنين ورعايتهم، وبناء
شراكات بين القطاعين الخاص والعام وقطاع المنظمات غير الحكومية. وتحاول الممارسات
الصديقة للمسنين توفير بيئات خالية من العوائق المادية والاجتماعية ومدعومة
بسياسات ونظم وخدمات ومنتجات وتكنولوجيا تحسّن الصحة وتبني قدرات جسدية وذهنية،
وتحافظ عليها مدى الحياة؛ وتمكن، حتى مع تدهور القدرات، من الاستمرار في القيام
بأعمال ذات قيمة.
كما
تساعد تلك الممارسات على بناء قدرات لمقابلة حاجاتهم الأساسية؛ والتعلم والنمو
واتخاذ القرار؛ والانتقال من مكان إلى آخر؛ وبناء علاقات جديدة والمحافظة على
القديمة؛ برغم مخاوف من عدم استمرار حركة المدن والمجتمعات الصديقة للمسنين، بسبب
سياسات التقشف وانكماش الميزانية.
مشاركة المسنين في مدينة مانشستر
في
مشروع بحثي مشترك جمع بين معهد مانشستر للبحوث التعاونية المتعلق بالشيخوخة (MICRA) ومجلس المدينة ومكتب المسؤولية الاجتماعية بجامعة مانشستر؛ شارك
عدد من المواطنين المسنين، استعداداً لوضع خطة لجعل المدينة صديقة للمسنين.
وقد
تضمنت أنشطة البحث جمع الملاحظات - في مختلف المناطق، كالحدائق العامة، ومحطات
الحافلات، والمحال، والاجتماعات والفعاليات المهمة - وإجراء المقابلات للتعرف على
أفضل المداخل لصداقة المسنين في المدينة، والتخطيط للأنشطة ودراسة الفرص
والتحديات.
وعقد
الفريق البحثي المكون من 14
مجموعة عمل تضم 123
ممثلاً لمنظمات المجتمع وكبار السن عدداً من جلسات التدريب وورشات العمل واجتماعات
المراجعة للمشاركين من المسنين.
وتناول
البحث موضوعات مثل مدى وجود روابط قوية في الجوار، وأهميتها بالنسبة إلى المسنين،
ولاسيما الذين تصعب حركتهم؛ ورغبة المسنين في البقاء، حيث يسكنون لأطول فترة
ممكنة؛ وأهمية العلاقات الأسرية بالنسبة إليهم، وتراجع المميزات والتسهيلات
والأنشطة الترفيهية، وأثر ذلك على زيادة خطر العزلة، ومدى ملاءمة منظومة النقل،
وأثر عدم توافر المواصلات على جودة الحياة، إضافة إلى أهمية الاجتماعات المحلية
والحفاظ على شبكة العلاقات، وأهمية توافر الفرص المحلية لمشاركة الكبار المعزولين
اجتماعياً، والخوف من الجريمة الذي يحد من تواصل المسنين ومشاركاتهم العامة،
وأهمية وجود أماكن عامة خارجية وحمامات ملائمة وأرصفة جيدة وأماكن للجلوس ومرور
منظم.
ومن
الموضوعات الأخرى، الهموم المالية والخوف من عدم القدرة على مقابلة الحاجات
الأساسية؛ ومشكلات الصحة ومساعدة الجيران، وأهمية الوصول السهل إلى الخدمات الصحية
والدعم المجتمعي الجيد، والحاجة إلى المعلومات الخاصة بالخدمات والأنشطة الموجهة
لهذه الفئة العمرية.
وفي
نهاية الدراسة، اقترح المسنون المشاركون توفير دعم مجتمعي لتمكين من لا يستطيعون
استخدام المواصلات العامة، أو من يسكنون بعيداً عن محطات الحافلات من الوصول إلى الخدمات
الصحية أو مراكز التسوق أو المراكز الاجتماعية.
وطالبوا
بإشراك جميع الأطراف في المجتمع المحلي - محالّ ومقاه وصيدليات ومنظمات تطوعية -
ودعوتهم إلى التوقيع على ميثاق صداقة المسنين. والاستخدام الأمثل للأماكن العامة
المتاحة كالمدارس ودور العبادة لزيادة فرص الكبار في عيش حياة اجتماعية
صحية.
وأكدوا
أهمية وجود مراكز اجتماعية ومجموعات تطوعية في المنطقة لتقديم المساعدات والرعاية
للمسنين، وضرورة تشجيع المحال والمحطات على الترحيب بالكبار، والسماح لهم باستخدام
دورات المياه، وتزويدهم بمقاعد ليرتاحوا.
واعتبروا
تقدير مهارات الكبار من الأمور التي ينبغي وضعها في الاعتبار، وتعزيزها عبر تعليم
مستمر، وكذلك الحال بالنسبة إلى دعوة الكبار للمشاركة في تصميم الخدمات التي تؤثر
فيهم والمبادرات الموضوعة لهم. وخلصت الدراسة إلى ضرورة وضع آليات لتمكين الكبار
وضمان مشاركتهم الاجتماعية بالمعنى الواسع.
وظائف شاغرة
ونتيجة
للزيادة المتوقعة في أعداد المسنين بالعالم، من المنطقي أن تظهر حاجات متزايدة إلى
مهنيين وعمالة وصناعات وخدمات جديدة في قطاع الشيخوخة.
وفي
هذا الإطار، استحدثت أقسام لدراسة جوانب التقدم في العمر في عدد من المؤسسات
الأكاديمية والاجتماعية؛ إما كعلم مستقل أو كجزء من علوم بينية متعددة.
كما
كشفت جوان غرابينسكي في كتابها «أكثر من 101
مهنة في علم الشيخوخة» عن فرص عمل واعدة ظهرت وستستمر بالازدهار في
المستقبل.
فإضافة
إلى التخصصات التقليدية في مجالات الطب والتمريض وعلم النفس العيادي والعمل
الاجتماعي، ستظهر تخصصات دقيقة تخاطب الشيخوخة في مجالات التأمين والقانون
والعمارة، والفنون، وريادة الأعمال، والإدارة الصحية، والتكنولوجيا، والهندسة،
والصيدلة، والبحوث والتعليم، وعلم شيخوخة العائلة، وغير ذلك.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
رهاب العناكب... كيف
تتغلب عليه
كيف تساعدين أطفالك
على الاهتمام باللغة العربية
كيف تقول
"لا" وتعزز احترامك لذاتك وصحتك العقلية
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق