قصة وعبرة

الجمعة، 16 نوفمبر 2012

قصص الأطفال: العصفورة مناهل


           قال الفلاحُ أبو صالح لزوجتِهِ:
          غدًا سوف أقطعُ شجرةَ التوتِ الهرمةِ، لقد شاخت وانقطع عطاؤها، وأخذ بعضُ أغصانها يجف، ولم تعد تصلحُ إلا للتنورِ والموقدِ.
          التفتت إليه زوجتُه، وكانت واقفةً قربَ التنورِ تخرجُ أرغفةَ الخبزِ منه وقالت:

          التنورُ في انتظارِها يا أبا صالح، نحن بحاجةٍ إلى حطبِ.
          وفي أعلى الشجرةِ، وبالقربِ من كوخِ الفلاحِ، كانت العصفورةُ مناهل واقفةً، سمعت ما قاله الفلاحُ لزوجتِهِ، وفي الحالِ، طارت إلى شجرةِ التوتِ، وأخبرت أصدقاءَها العصافير بما سمعت من الفلاحِ.
          العصافيرُ حزنت لقرارِ الفلاحِ، إذ إنّ فراخَها مازالت في أعشاشِها صغيرة لا تستطيع الطيران، إذا ما قطعت الشجرةُ فستسقط الفراخُ وتصبح طعامًا للقططِ البريّةِ والثعالبِ وبنات آوى.
          قال عصفورٌ: ما العملُ يا إخوتي العصافير؟ إن الأمرَ خطيرٌ، والوقتَ قصيرٌ.
          راحت العصافيرُ تفكرُ وتفكرُ في طريقةٍ تنقذُ بها فراخَها، لقد فاجأها الخبرُ، فبقيت ذاهلةً صامتةً تفكر بمصيرِ فراخِها، وقطعت عصفورةٌ الصمتَ وقالت:
          إنها مشكلةٌ تخصنا جميعًا، ويجب أن نفكرُ طويلاً ونتعاون في سبيلِ إيجادِ حلّ لها.
          وخيّم الصمتُ من جديدٍ، لا زقزقةَ عصفور، لا حركة جناح، مئات العصافير واقفةً على أغصانِ شجرةِ التوتِ تفكّر بمصيرِها.
          رفعت العصفورةُ مناهل رأسَها وقالت: يا إخوتي العصافير، عندي فكرةٌ.
          سق... سق... سق... سق
          قال كبيرُ العصافيرِ وهو يتطلعُ في وجوهِ أبنائِهِ وأحفادِهِ:
          تفضّلي يا عزيزتنا مناهل، ما هي الفكرة؟
          - يا جدّنا العزيز، اقترح.. أن نطلبُ من الفلاحِ تأجيلِ قطعِ الشجرةِ مدةِ شهرٍ واحدٍ، شهر واحد فقط، كي تستطيع فراخُنا أن تطيرَ، وبعد ذلك نجد لنا شجرةً أخرى نبني أعشاشَنا بين أغصانِها.
          - آه... إنها فكرةٌ جيدةٌ، فكرةٌ رائعةٌ يا مناهل الذكية، ولكن كيف نبلّغ الفلاح بها؟
          سق... سق... سق... سق
          وصفّقت العصافيرُ كلّها بأجنِحتها...
          قال عصفورٌ: لماذا لا نستعين بصديقنا القنفذ الحكيم في هذا الأمرِ لعلّه يستطيع أن يساعدنا، إنه قنفذٌ ذكيٌ صاحب قلم وحوار مقنع.
          هزّ كبيرُ العصافيرِ رأسَه وقال: طيب.. فكرةٌ جيدةٌ، وللأصدقاءِ مكانتهم وقت الشدة.
          وعندما أخبرت العصافير القنفذَ بالأمرِ، ابتسم ورفع نظارتَه عن عينيه بيدِهِ وقال: الأمرُ بسيطٌ أيتها العصافير، ولكل مشكلة حل، وأخذ يخطّ على قطعةِ قماشٍ بيضاءٍ هذه الكلماتِ بحروفٍ بارزة:
          "نرجو منك أيها الفلاح الطيب تأجيل قطع شجرةِ التوتِ مدة شهرٍ واحدٍ كي تستطيع فراخُنا أن تطيرَ وتساعدَنا في مطاردةِ الحشراتِ الضارةِ التي تعبثُ في الحقلِ".
          التوقيع عصافير الحقل
          حملت العصافيرُ هذه اللافتة وعلّقتها بأغصانِ شجرةِ التوتِ بصورةٍ واضحةٍ.
          وفي الصباحِ وعلى صوتِ الديكةِ، نهض الفلاحُ أبو صالح للعمل فتوجه نحو شجرةِ التوتِ، وعلى كتفِه فأسُه، اقترب من الشجرةِ، توقف، قرأ اللافتةِ، فرك عينيهِ وفتحهما على سعتِهما دهشةً، وراح يتطلعُ إلى شجرةِ التوتِ، فوجد العصافيرَ صامتةً واقفةً على جانبي اللافتة تنظرُ إليه، وإلى فأسِهِ، وتنتظر عمله.
          قهقه الفلاحُ ضاحكًا وقال: حسنًا أيتها العصافير، سنؤجل قطع الشجرةِ.
          وعاد إلى كوخِهِ وهو يبتسمُ.
          عندئذٍ راحت العصافيرُ تزقزقُ فرحةً وهي تتقافزَ هنا وهناك معلنةً فرحتها.
          كان القنفذُ الحكيمُ واقفًا وراءَ جذع شجرةِ التوتِ يراقبُ الموقفَ، ابتسم وسجّل في دفتر مذكراتِه وبقلمِهِ الأحمر هذه الجملة:
          "كان موقفُ الفلاحِ ذكيًا بعيد النظرِ، إذ عرف أنّ العصافير مفيدةٌ لحقلِهِ في القضاءِ على الحشراتِ الضارةِ، إنه تعاونٌ مثمرٌ".


إقرأ أيضًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق