أنت تنجذب إلى قطعة شيكولاته لأنك تحبها.. والقطط تثيرها رائحة السمك.. والكلاب تفضل العظم الذي به القليل من اللحم، لكي تلعب به بعد ذلك، والزرافة تفضل أكل الأشواك متحدية الجميع لأن الأشواك لا تؤذيها.. أما الفراشة فتحب الورود والأزهار ويبهرها الضوء فتنجذب إليه بشدة وهي لا تعرف أنها تقترب من نهايتها.
ذات يوم.. كانت الفراشة الصغيرة تنتقل بين
الأزهار وهي تستمتع إلى زميلاتها يتحدثن عن جمال ألوانها التي تشبه
ألوان قوس قزح.. الذي لا تعرفه.. فتساءلت همسًا بينها وبين نفسها: «ربما هو نوع
من الحلوى الجميلة؟».. أو ربما هو فتاة صغيرة ترتدي فستانًا ملونًا ويتدلى من
رأسها ضفيرة معلق بها ياسمينة ضاحكة..! وهنا ضحكت زهرة القرنفل وهي تهز رأسها علامة
النفي، بينما حرّكت الفراشة جناحها الأيمن في رقة وهي تؤكد: «آه.. لقد عرفت أن
«قوس قزح» هو ابتسامة ملوّنة على شفاه فتاة صغيرة تغني بفرح عندما ترى أباها الغائب
بعد رحلة غياب». وحاولت زهرة القرنفل تنبيه الفراشة بخطأ استنتاجها، فقالت في لهجة
جدية: «إن قوس قزح ظاهرة طبيعية.. يظهر في السماء بعد أن تصبح صافية بعد نزول المطر».
صفقت الفراشة بجناحيها وهي تنتقل في حركات
راقصة فوق زهرة القرنفل وقالت: هل يمكنك أن تفرجيني على «قوس قزح»!
فنصحتها أنها تحتاج إلى عصفور لينفذ لها هذه الرغبة، فلما استفسرت منها أجابتها: لأن
العصفور يستطيع الطيران، أما أنا، فلا يمكنني ترك مكاني فى الحديقة، وإذا حدث وتحركت..
سيكون عن طريق الإنسان!.. ثم أكملت في حزن ظاهر: «لأنه يهتم بي.
قاطعتها الفراشة ضاحكة: وهل يحزنك اهتمام
الإنسان بك! أجابت زهرة القرنفل: إنه يهتم بي لتحقيق مصلحة له، فهو
عندما يقطفني من على غصني، يذهب إلى المدينة ليبيعني أنا وأخواتي لدكان الزهور
فيشتريني إنسان آخر يفرح بي ويهديني لمن يحب أو يضعني في زهرية بها ماء ليستمتع برائحة
عطري وجمال لوني.. أو يقدمني في مناسبة سعيدة.
فتساءلت الفراشة وهي لاتزال في دهشتها: وماذا
بعد ذلك؟!
بكت زهرة القرنفل وهي تقول: تذبل وتجف أوراقي
بعد مدة فلا يهتم بي أحد وتنتهي حياتي بإلقائي في سلة المهملات! ولهذا
أنا لن أفيدك.. فطارت الفراشة بعد أن شكرت زهرة القرنفل الغارقة في حزنها وبدأت رحلة
البحث عن عصفور يساعدها في رؤية قوس قزح.. قابلت العديد من العصافير.. الكبير
والصغير.. الرمادي والملون ولكن.. لم يهتموا بمساعدتها في تحقيق رغبتها فكادت تيأس
وفي اليوم الرابع، وفجأة أصبح لون السحاب داكنًا وسمعت أصوات فرقعة الرعد فارتجفت
ثم بدأت السماء تمطر بغزارة، فاحتمت بين أوراق أقرب شجرة ولمحت عصفورًا صغيرًا يبكي..
فسألته عن السبب، فأخبرها أن الإنسان كبير الحجم اصطاد والديه.. اندهشت
الفراشة وقبل أن تفيق قال العصفور وهو يمسح دموعه بجناحيه: الإنسان الكبير يملك
الأدوات الرهيبة في القبض علينا.. وهنا أحست الفراشة بالعجز عن الفهم فسألت في حيرة:
عجيب أمر هذا الإنسان الكبير، ولكن بماذا يستفيد من إلحاق الأذى بكم!
رد العصفور: إما أن يأكلنا بتلذذ وهو يتسلى
بمشاهدة التلفزيون.. أو يبيع الأنواع الملونة لمحلات طيور الزينة التي
تضعنا في أقفاص لبيعنا لبعض من تسعدهم رؤيتنا في هذا الوضع!
أحست الفراشة بحزن مفاجئ، جعل قلبها يدق بسرعة
وهي تهمس للعصفور: آسفة لأنه لا يمكنني عمل أي شيء لك.. ولكن أنت يمكنك
أن تفرجيني على «قوس قزح».
وأحس العصفور أنه يعرفها وهي لم تكذب عليه ولم
تعده بشيء فأخبرها أنه سيحقق رغبتها ولكن عليها أن تحذر فالهواء في
الأعالي قد يفلتها منه!
وكان المطر قد توقف فحملها العصفور على ظهره
وطار فى اتجاه النهر، حيث المراكب الصغيرة تتمايل على صفحته والأسماك
تتقافز كأنها تحتفل بصفاء الجو، وبداية ظهور «قوس قزح».. وبدأت الفراشة تحس بلسعة
الهواء البارد.. وأنها معلقة في الفضاء، ولا تعرف كم من الوقت ظلت على هذه الحال، لأنه
كان قد أغمي عليها وعندما أفاقت وجدت نفسها فوق شراع مركب.. يقوده أحد أبناء
الصيادين وهو يبتسم لها في ود، فطارت ووقفت فوق طاقيته الملونة وتبعها العصفور.. وبعد
لحظات كأنها الحلم، وقف العصفور على حافة المركب وهو يصفر لحنًا بينما كان «قوس قزح» في
السماء مثل لوحة كبيرة جدًا، رسمتها الطبيعة بصفاء وأحست الفراشة بحب شديد للحياة،
فهي تستحق أن نحبها.. وأن نحب حتى ذلك الإنسان الكبير.. الذي حكى عنه العصفور
الصغير وكان سببًا في بكائه.
التفتت الفراشة إلى العصفور الذي كان قد غير
نغمة غنائه، كأنه يطلب الصفح لمن آذوه، ليبدأ صفحة جديدة في الحياة.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق