«هل يستطيعُ أحدكم أن
يتذكّر موقفًا قال فيه الصدقَ أو حرصَ على الأمانةِ، مع أن ذلك لم يكنْ سهلاً
عليه؟».
وقفَ كريم وقالَ: كنّا نقفُ
في فناءِ المدرسةِ أثناءَ فترة الراحةِ بين الحصصِ، وكان عددٌ من الأولاد الأصغر
منا سنًا يلعبون لعبة «صيدِ الحمامِ» وكلُّ واحدٍ منهم يجري خلفَ الآخر.
وعندما كانَ أحدُ هؤلاء
الصغار يمرُّ بسرعةٍ أمامنا أنا وزميلاي شوقي وهلال، مدَّ شوقي قدمه فجأة في طريق
الصغير، فتعثّر وسقطَ على وجههِ فوقَ الأرضِ سقطة شديدةً.
وتوقَّعنا أن يعاودَ الصغير
الوقوف والجري، لكنه ظلَّ ساكتًا، وظهرتْ على الأرض بقعة دم حول وجههِ.
واكتشفنا أن رأسهُ اصطدم
بالأرض بقوة جعلتهُ يفقدُ الوعي، بينما اندفعَ نزيف دم من رأسهِ.
وأسرعْنا نبتعدُ عن مكانِ
الحادث.
وحملوا الصغيرَ إلى عيادة
الطبيبِ، ومنها إلى المستشفى.
وفي اليوم التالي قال لي
شوقي: «عندما أفاق الصغيرُ المصابُ، قال إن «هلال» هو الذي عرقلهُ أثناءَ سيرهِ،
وهم الآن يحققون مع هلال ووالدِهِ في مركز الشرطة، ومعهم مديرُ المدرسة».
وتذكرت أن «هلال» كان يقفُ
فعلاً عندما حدثتِ الواقعةُ، لكنه لم يرَ منِ الذي عرقل الصغير وتسببَ في سقوطه
وإصابته البالغة.
قلتُ لصديقي شوقي: «سيتسبب
هذا في أذى شديد لهلال وأسرته».
وفي حدة قال لي شوقي:
«سيعاقبني والدي أقسى عقاب إذا عرفَ أنني الذي فعلتها. يجبُ أن تنسى كل ما تعرف عن
هذه الحادثة».
لكنْ عندما وجدتُ مديرَ المدرسةِ
يعلنُ في إذاعةِ صباحِ اليوم التالي، قرارَ فصلِ زميلنا هلال من المدرسة لمدة
أسبوع لأنه كاد يتسبب في قتل زميلٍ لنا، ذهبتُ إلى المديرِ في مكتبهِ وقلتُ له:
«لقد كنتُ أقفُ بجوار هلال عندما وقعَ الصغير على الأرض، وأنا على استعداد أن
أقسمَ أن «هلال» لم يقُمْ بأي حركة تسبّبت في وقوع الحادث».
سألني المدير: «إذنْ من
الذي أوقعه؟».
قلت: أنا متأكدٌ أنه ليسَ
«هلال». ورفضتُ أن أقولَ شيئًا آخرَ.
وقد عرفَ المديرُ من زملاء
آخرينَ أننا كُنّا ثلاثة نقف عند مكان وقوع الحادث، أنا وهلال وثالثنا شوقي،
فاستدعاني وسألني:
«لم يبق إلا أنت وشوقي».
فسكتُّ.
قال مديرُ المدرسةِ: «إذن
فأنت يا كريم الذي ارتكبْتَ الحادثَ!».
وفوجئتُ بالاتهامِ، فقلت
بغير تفكيرٍ: «لسْتُ أنا».
وبسرعة قال المديرُ: «إذن
شوقي هو الذي فعلها!».
فسكَتُّ، لأنني لم أستطع
الإنكارَ، وفي الوقت نفسه لم أستطع الإجابة بالإيجاب، لكنَّ المديرَ فَهِمَ أن
«شوقي» هو المتسبب في الحادث.
لقد خاصمني شوقي منذ ذلك
اليوم، لكنني لم أكن أستطيع أن أترك مظلومًا يتحمَّل عقابًا قاسيًا لا يستحقه.
ومن بين مجموعة الشباب
الذين كنتُ أتحاورُ معهم، وقفَ شاب صغير اسمه أشرف، وقال لكريم: «ما دمْتَ بهذه
الشهامة فلماذا لم تتحمَّلْ أنتَ العقاب بدلاً من أن تُعرِّض صديقك شوقي للأذى؟!».
وقبل أن يجيب كريم، وقف
زميل ثالث اسمه صلاح، وقال موجهًا حديثهُ لأشرف: «لنفترض أن الحادثَ قد أدّى إلى
الوفاة، هل كنتَ تنتظر من كريم أن يتحمّل مع أسرتِهِ نتائجَ تصرّف شديد الخطورة
ارتكبه صديقه شوقي بغير أن يفكر في نتائج تصرفه؟! إن الأسرة قد تتعرض لدفع مبالغ
كبيرة جدًا في مثل هذه الحالة كتعويضات عن تصرف ابنها المخطئ».
هنا وجدت زميلهم «حسام» يقف
ويقول في حماس: «ولماذا لم يعترف شوقي منذ البداية أنه الذي تسبّب في الحادث؟!
الجبان لا يستحق حماية!».
إقرأ أيضًا
كيف تربون أولادكم في دقيقة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق