المراهقة
هي مرحلة البحث عن الذات، والشعور بالذاتية. هذا الشعور، الذي يستيقظ حين يستطيع
الفرد الربط الشعوري بين المحتويات النفسية المختلفة، أي بين تكوين الأنا وبين
الأبوين، وهي العملية، التي يسميها (يونج) الميلاد النفسي.
إن
تقبّل الذات مرتبط بالعائلة، وطرق تنشئتها لأبنائها، والمراهقة هي المرحلة التي
تتطلب خلفية بيتية ثابتة، تكون فيها القيم الأخلاقية سامية، وتكون العلاقات مع
الأبوين طيبة متسامحة، الأمر الذي يوفر للمراهق ملجأ أمينًا وشعورًا بالثقة
والاستقرار. فإذا لم تتوافر هذه الأمور، أعيق المراهق في تنمية الشعور بالاطمئنان
في حياته النفسية والاجتماعية، لأن المراهق عندما يحاول تثبيت شخصيته، يستشعر
الحاجة للتساؤل عن طبيعة وجود الإنسان ومعناه، بل وعن معنى وجود العالم ذاته، ومثل
هذا الموقف، يمثل حاجة المراهق إلى الانتماء، حاجته إلى أشخاص يهتمون به ويقودونه
إلى طريق واضح وهدف محدد. حاجته إلى الشعور بالحب والتقبّل، لكي يتمكن من تكوين
شعور إيجابي نحو الذات، ونحو الآخرين. لذلك فإن على الوالدين الاستفادة من مناقشات
الأسرة لتوضيح قيم الجودة، والطيبة والخير والحب، وأنه يمكن لنا العيش بسعادة مع
أهداف محددة وذات مغزى. كما يستحب امتداح الأفكار الجيدة، والسلوك الصحيح، مع تجنب
النقد اللاذع، والسخرية والعقوبة القاسية، لأن المراهق يشعر بالتقبّل عندما لا
نشير بقسوة إلى أخطائه، وعندما يلمس الحب والأمن، سينجح بالثقة والتشجيع،
وبالتركيز المعتدل على الإيجابيات، فذلك يقود إلى الشعور بالرضا والارتياح، ويستمر
شعوره بالجدارة والاحترام، حتى ولو تعرض إلى ضغوط كبيرة خارج المنزل.
أما
المراهق، الذي لا يشعر بتقبّل والديه، فمن الأرجح أن يكون أكثر عرضة للتأثر بوسائل
الآخرين السلبية، أو التي تثير القلق. كما أن الإهمال والعقاب والافتقار للتفاؤل
الإيجابي والاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة يشعر المراهق بأنه لا يستحق
الاحترام، مما يؤدي إلى الشعور بقلة القيمة، ويساهم في تدني مفهوم الذات.
وبالمقابل، فإن الحماية الزائدة والتقبل المبالغ فيه، يشعر المراهق بأنه عاجز عن
الاهتمام بنفسه، وبالتالي فهو لن يتعلم التكيّف مع ذاته، ولن يتوصل إلى مرحلة
الشعور بالاستقلال، التي هي من أهم حاجات المراهق، إنه يخاف بشكل دائم من الوقوع
في الأخطاء، وبالتالي فهو غير واثق من نفسه، ومن قدراته.
وبصورة
عامة يمكن القول: إن للبيئة الأسرية آثارًا حاسمة في مجمل شخصية المراهق ونواحي
حياته، فعندما تلبي البيئة متطلبات النمو لدى المراهق، وتحيطه بالتقبل والعناية
والاحترام، وتلاقي توجيه النقد الجارح لأخطائه، يدرك نفسه كشخص موثوق به، لأنه يشعر
بأنه جدير بالمحبة لذاته، وأن الوالدين يفهمان طبعه، ويعملان على مساعدته للتغلب على
الصعوبات التي تواجهه.
أما
عندما تعجز هذه البيئة عن تلبية احتياجاته، وتواجهه بالقمع والنقد والسخرية، فإن
تكيّفه يكون فقيرًا، ويؤثر هذا في مفهومه عن ذاته، وموقفه من المجتمع والأقران،
ذلك الموقف الذي غالبًا ما يتأثر بموقف البيت والأهل من المراهق.
دور الرفاق في بحث المراهق عن ذاته
واحدة
من صفات المراهق المميزة، هي رغبته في أن يكون له صديق حميم، تكون له معه علاقات
حميمة وشخصية، يستطيع أن يقاسمه مشاكله وأفكاره، أفراحه وأتراحه، آماله ومخاوفه
واهتماماته، إن حاجة المراهق إلى صديق يكون موضع سرّه، ويستطيع أن يتحدث إليه عن
نفسه مطمئنًا إلى إخلاصه حاجة كبيرة جدًا. ولا شيء يؤلم المراهق أكثر من الشعور
بأن صديقه يفشي أسراره إلى إنسان آخر.
إن
رغبة المراهق في الحفاظ على سرية الأمور، التي تخص ذاته المكتشفة حديثًا، تدفعه
إلى الخجل من الحديث عنها، بالرغم من حاجته الملحّة إلى ذلك. ولذا فهو يحجم عن الحديث
عن مشاعره الخاصة إلى الراشدين الموجودين في محيطه العائلي أو المدرسي، بينما يبوح
بها للصديق الحميم، الذي اختاره. وتبدو الأشياء التي يتحدثان بها وكأنها غير ذات
نهاية.
إنهما
يريدان البقاء معا، ويرفضان أي تدخل بينهما، وأي تعليق على علاقتهما، ولذا يبدو المراهق
شديد الحساسية بالنسبة لموقف العائلة من أصدقائه.
يريد
المراهق أن يكون قادرًا على الانتماء، وأن يقبله الآخرون، ويرحّبوا به في أي وقت،
لا يحب أن ينفرد بنفسه، وهذا هو السبب في ميل المراهقين إلى الانتماء إلى الجمعيات
والمنظمات، التي تكون مكوّنة ممن هم من جيلهم ولا يشرف عليها الكبار.
يحتاج
المراهق إلى إيجاد صداقات تشعره بأهميته، وتساعده على أن يكتشف نفسه من خلال
ممارسة الأدوار الجديدة، التي يجب أن يتعلمها في أثناء تعامله مع غيره. فهو يبحث
عن مجموعة الأتراب التي تهيئ الفرصة المناسبة للهروب من مطالب الكبار في الأسرة
والمدرسة.
وحين
يبدأ المراهق في الابتعاد عن أسرته في أوائل سني المراهقة، يصبح في مقدمة رغباته
أن يكون كأولئك الذين من جنسه وسنّه، فنراه يميل إلى أن يلبس مثلهم ويتحدث مثلهم.
كما
يميل إلى مقارنة نفسه بهم من ناحية القدرات والإمكانات، والطول والقصر...إلخ.
هذه
الرغبة في التجانس مع الجماعة تعود إلى شعور المراهق بعدم الطمأنينة، ذلك الشعور،
الذي يكاد يكون عامًا عند المراهقين جميعًا في هذه المرحلة، ولدى محاولة المراهق
التجانس مع الجماعة، فإنه ينصاع لقوانينها وتقاليدها، ويحاول أن يبدو، وأن يسلك،
وأن يتفق بكل طريقة ممكنة مع النمط، الذي وضعته الجماعة، التي يدمج نفسه فيها. إنه
يستمد مفهومه عن أهمية ذاته من اتجاهات رفاقه نحوه وردود أفعالهم تجاهه. فإذا تلقى
ما يشعره بالحب والاحترام والقبول، زاد تقبله لذاته، وساهم ذلك في تكوين مفهوم
موجب للذات عنده.
أما
إذا تلقى ردود أفعال سلبية تنم عن عدم التقدير والقبول، فإن ذلك ينعكس على مفهومه
عن ذاته وتقبّله لها.
دور المجتمع في بحث المراهق عن ذاته
يسعى
المراهق للحصول على القبول الاجتماعي والمكانة الاجتماعية، ويتحدد مفهومه عن ذاته
من موقعه في دائرته الاجتماعية، ومدى شعوره بالقبول والمحبة، إذ يعد هذا القبول
مقياسًا يقدر به ذاته.
فالمراهق
الذي يشعر أن الراشدين يفهمون طبعه، ويعطفون على مصاعبه الشخصية، يجد من الأسهل
عليه أن يتكيف مع نفسه ومع عالمه الخارجي.
وكثيرًا
ما نجد أن أهم شكايات المراهقين الأكثر شيوعًا هي شكايتهم، من أنهم يساء فهمهم من
قبل الكبار، وبما أنهم يجدون هم أنفسهم صعوبة في الفهم، فإنهم يشعرون بالحيرة
والتثبيط، خاصة أن معظم المراهقين يصعب عليهم التكيّف مع شخصيات الآخرين، وذلك
بسبب قلة خبرتهم من جهة، وبسبب كون المراهقة هي سن عدم المساومة من جهة أخرى. وإذا
ما شعر المراهق بوطأة الضغوط عليه، وكثرة النقد لتصرفاته وسلوكه، فإنه يميل إلى
اتخاذ نظرية همودية لامبالية، أو اللجوء إلى موقف هجومي متمرّد.
ولذلك
كان من الضروري أن يفهم الكبار، الذين يتعايشون مع المراهق سمات هذه المرحلة،
وخصائص المراهق بشكل عام، حتى يساعدوه في تنمية مهارات الاتصال بالآخرين والوفاق
معهم، لأن التفاعل الاجتماعي السليم، والعلاقات الاجتماعية الناجحة تعزز الفكرة
السليمة عن الذات، ولأن المراهق يركز على كل مظهر من ذاته، إذا كان في موضع
اجتماعي خاص.
فالمقارنة
الاجتماعية مصدر قوي لمعرفة الذات بالنسبة للمراهق. ويقدم التعامل مع الآخرين
معلومات عن الذات، ومدى اتفاقها أو اختلافها مع القيم والمعايير الاجتماعية، ولذا
نجد ميل بعض المراهقين إلى الأخذ بمقاييس وقيم الكبار، بالرغم من أنها لا تكون
مقنعة تمامًا بالنسبة لهم. ولكن الدافع هو عملية الإبقاء على المكانة الشخصية
للمراهق ضمن المجموعة، وتجنب الشعور بعدم القبول، ولذلك فهو بحاجة إلى الشعور
بالإنصاف والعدالة والحب، حتى حين يبدي نوعًا من المقاومة للسلطة والرفض لبعض
القيم، لأن المراهق، الذي يشعر بأنه مقبول ومستحق لحب واحترام الآخرين، لا يقف
موقف الدفاع عن نفسه، فهو مطمئن إلى أنه غير عرضة للاتهام.
وختامًا
فإنه يمكن القول: إنه لا يوجد بديل أفضل من إبداء الحب والتقبّل للمراهق وبالطريقة
التي يفضلها.
إن
من واجب الأبوين تزويد الأبناء بنظرة واقعية عن الحياة والأصدقاء والمجتمع،
فالأسرة هي النافذة، التي ينظر المراهق إلى الحياة من خلالها.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق