قالَ يَاسِرُ: أَنَا لاَ
أَحْتَاجُ لِمُعَلِّمٍ، يَكْفِي أَنْ أَقْرَأَ الدَّرْسَ لأفْهَمَ كُلَّ شَيْءٍ!
أَجَابَهُ
عَبْدُالرَّحْمَن: أَنْتَ عَلَى حَقٍّ! فَالْمُعَلمُونَ يُثْقِلُونَ كَاهِلَنَا
بِالوَاجِبَاتِ وَالفُرُوضِ.
رَدَّ عَلَيْهِمَا هَيْثَمُ
قَائِلاً: بِالفِعْلِ! يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ؛ مِنْ لُغَاتٍ
وَعُلُومٍ وَرِيَاضِيَاتٍ، دُونَ الْمَجِيءِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ أَوِ اللّجُوءِ
لِلْمُدَرّسِينَ!
سَمِعَتِ الْمُعَلمَةُ
الْحَدِيثَ الّذِي دَارَ بَيْنَ الأَطْفَالِ، وَأَرَادَتْ أَنْ تُشْعِرَهُمْ
بِأَهَمِّيَةِ الْمَدْرَسَةِ وَالْمُدَرِّسِينَ. فَقَرَّرَتْ أَنْ تَحْكِيَ لَهُمْ
حِكَايَةَ الطِّفْلِ سَلْمَانَ، الَّذِي أَرَادَ تَعَلُّمَ اللُّغَةِ
العَرَبِيَّةِ من دُونَ مُعَلِّمٍ: « كَانَ يَا مَا كَان! يَا أَطْفَالِي
الصِّغَارُ! طِفْلٌ اسْمُهُ سَلْمَانُ. أَرَادَ سَلْمَانُ تَعَلُّمَ اللُّغَةِ
العَرَبِيَّةِ دُونَ مُعَلِّمٍ، فَاتَّجَهَ إِلَى قَرْيَةٍ يَتَكَلَّمُ أَهْلُهَا
العَرَبِيَّةَ.
وَفِي الطَّرِيق، صَادَفَ
سَلْمَانُ رَجُلاً يَرْكُضُ خَلْفَ ثَوْرٍ هَارِبٍ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ الإِمْسَاكَ
بِهِ، وَصَدِيقُهُ يُنَادِيهِ قَائِلاً:
عَبَثاً تُحَاوِلُ
يَا صَدِيقِي!
اِبْتَسَمَ سَلْمَانُ
وَقَالَ: هَا هِيَ أَوَّلُ جُمْلَةٍ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ!
وَهَكَذَا تَابَعَ
سَلْمَانُ طَرِيقَهُ مُتَرَنِّماً بِجُمْلَتِهِ الوَحِيدَةِ: «عَبَثاً تُحَاوِلُ
يَا صَدِيقِي!» «عَبَثاً تُحَاوِلُ يَا صَدِيقِي!». حَتَّى لَقِيَ صَيَّاداً
يُحَاوِلُ صَيْدَ الغِزْلاَنِ. اِبْتَسَمَ سَلْمَانُ لِلصَّيَّادِ قَائِلاً:
عَبَثاً تُحَاوِلُ يَا صَدِيقِي!
غَضِبَ الصَّيَّادُ مِنْ
سَلْمَانَ وَقَالَ: أَلاَ تَرَانِي أَصْطَادُ غِزْلاَناً!؟ الأَحْرَى بِكَ أَنْ
تَقُولَ لِي «أَتَمَنَّى لَكَ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً فِي اليَوْمِ»!
اِبْتَسَمَ سَلْمَانُ
قَائِلاً: هَا هِيَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ «أَتَمَنَّى لَكَ سِتَّةً أَوْ
سَبْعَةً فِي اليَوْمِ!»
تَابَعَ سَلْمَانُ
طَرِيقَهُ مُرَدِّداً جُمْلَتَهُ الْجَدِيدَةَ، إِلَى أَنْ تَوَقَّفَ أَمَامَ
جَنَازَةٍ. كَانَ عَدَدٌ مِنَ الرِّجَالِ يَتْبَعُونَ الْجَنَازَةَ، وَالْحُزْنُ
بَادٍ عَلَى وُجُوهِهِمْ. حَيَّاهُمْ سَلْمَانُ قَائِلاً: أَتَمَنَّى لَكُمْ
سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً فِي اليَوْمِ!
ثَارَتْ ثَائِرَةُ
الرِّجَالِ، وَاحْمَرَّتْ وُجُوهُهُمْ غَضَباً، فَكَيْفَ يَتَمَنَّى لَهُمْ سِتَّ
أَوْ سَبْعَ جَنَازَاتٍ فِي اليَوْمِ؟ لَكِنَّ أَحَدَ الرِّجَالِ فَطِنَ إِلَى
أَنَّ سَلْمَانَ رُبَّمَا لاَ يَعْرِفُ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ، فَقَالَ لَهُ:
لاَ تَقُلْ ذَلِكَ! بَلْ قُلْ «يَرْحَمْهُ الله»!
وَكَالْمَرَّاتِ
السَّابِقَةِ، اسْتَمَرَّ سَلْمَانُ فِي تَرْدِيدِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ. دَخَلَ
سَلْمَانُ خَيْمَةً أُقِيمَتْ بِسَاحَةِ القَرْيَةِ، فَوَجَدَ نَفْسَهُ أَمَامَ
طَبِيبٍ يَتَفَحَّصُ مَرِيضاً طَفَحَتْ عَلَى جِلْدِهِ بُقَعٌ حَمْرَاءُ
كَبِيرَةٌ. اِبْتَسَمَ سَلْمَانُ بِبَلاَهَةٍ وَقَالَ لِلطَّبِيبِ: يَرْحَمْهُ
الله!
ظَنَّ الرَّجُلُ الْمَرِيضُ
أَنَّ سَلْمَانَ يَدْعُو عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى
تِلْكَ البُقَعِ الْحَمْرَاءِ الكَبِيرَةِ:
أَوْلَى بِكَ أَنْ تَقُولَ
«تَصْغُرُ، تَصْغُرُ، حَتَّى تَخْتَفِيَ بِإِذْنِ الله»!
بَدَأَ سَلْمَانُ
يَتَهَجَّى هَذِهِ الْجُمْلَةَ، وَيُعِيدُهَا حَتَّى حَفِظَهَا. وَبَيْنَمَا هُوَ
عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، مَرَّ بِفَلاَّحٍ يَتَفَقَّدُ الطَّمَاطِمَ الَّتِي
زَرَعَهَا بِهِمَّةٍ وَنَشَاطٍ. قَالَ لَهُ سَلْمَانُ مُجَامِلاً: تَصْغُرُ،
تَصْغُرُ، حَتَّى تَخْتَفِيَ بِإِذْنِ الله!
تَعَجَّبَ الفَلاَّحُ مِنْ
سَلْمَانَ الَّذِي يَدْعُو عَلَى مَحْصُولِهِ بِأَنْ يَخْتَفِيَ: مَاذَا قُلْتَ؟!
بَلْ قُلْ «تَحْمَرُّ، وَتَنْتَفِخُ، وَتَكْبُرُ، حَتىَّ تَصِيرَ فِي حَجْمِ
البَطِّيخِ إِنْ شَاءَ الله».
تَابَعَ سَلْمَانُ
طَرِيقَهُ وَهُوَ يُرَدِّدُ جُمْلَتَهُ الْجَدِيدَةَ، وَقَدْ تَمَلَّكَتْهُ
الْحِيرَةُ. فَصَادَفَ شَيْخاً يَتَّكِئُ عَلَى جِذْعِ شَجَرَةٍ، وَيَفْرُكُ
عَيْنَيْهِ وَقَدِ احْمَرَّتَا بِسَبَبِ الْمَرَضِ. قَالَ لَهُ سَلْمَانُ:
تَحْمَرُّ، وَتَنْتَفِخُ، وَتَكْبُرُ، حَتَّى تَصِيرَ فِي حَجْمِ البَطِّيخِ!
غَضِبَ الشَّيْخُ، وَصَرَخَ
فِي وَجْهِ سَلْمَانَ: أَتَدَعُو عَلَيَّ أَيُّهَا الأَبْلَهُ، بِأَنْ تَحْمَرَّ
عَيْنَايَ وَتَنْتَفِخَا، حَتىَّ تَصِيرَا فِي حَجْمِ البَطِّيخِ؟! سَأُلَقِّنُكَ
دَرْساً لَنْ تَنْسَاهُ أَبَداً! ثُمَّ هَوَى بِعُكَّازِهِ عَلَى رَأْسِ
سَلْمَانَ. غَادَرَ سَلْمَانُ القَرْيَةَ مُتَأَلِّماً، وَقَدْ قَرَّرَ أَلاَّ
يَتَعَلَّمَ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ أَبَداً».
شَعَرَ الأَطْفَالُ، بَعْدَ أَنْ أَنْهَتِ
الْمُدَرِّسَةُ هَذِهِ القِصَّةِ، بِأَهَمِّيَةِ الْمُدَرِّسِ، وَبِأَنَّ
سَلْمَانَ كَانَ مُخْطِئًا مِثْلَهُمْ فِي اعْتِقَادِهِ بِأَنَّ مِنَ السَّهْلِ
التَّعَلُّمُ من دُونَ مُعَلِّمٍ.
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع
تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات
معبرة وقصص للأطفال
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق