قصة وعبرة

الاثنين، 20 مايو 2019

• ابني خارق الذكاء.. ماذا أفعل؟


لا يتساوى ذكاء أبناء الأسرة الواحدة. في أحيان يرزق الأبوان بطفل خارق الذكاء. في أحيان يرزقان بطفل معوق عقليا. وفي أغلب الأحيان يكون الأبناء والبنات على درجات ذكاء متقاربة، وهي حالة لا تحتاج من الأسرة إلى مواجهة ظرف خاص لأن تعاملها مع الأبناء والبنات يصبح متقاربا بلا تمييز أو خصوصية.

ولكن في حالة وجود ابن أو ابنة على درجة عالية من الذكاء أو في حالة إعاقة عقلية تواجه الأسرة بظرف خاص لابد من توجيه عناية خاصة به ومعاملة خاصة له. كيف يكون تصرف الأسرة، ثم كيف يكون تصرف المدرسة؟
يشكل أحيانا الطفل خارق الذكاء الذي يتمتع بذكاء غير عادي مشكلة لدى الآباء في إطار الأسرة ولدى المعلم في إطار الفصل الدراسي، ذلك لأن ذكاءه يفرض علينا مسئولية تجاهه، ويفرض علينا مسئولية أكبر تجاه الأطفال الآخرين حوله الذين هم أقل ذكاء. فكيف نكتشف هذا الطفل خارق الذكاء؟ وما هي ملامح ذكائه غير العادي؟ كيف نعامله ونعامل الأطفال الآخرين حوله؟ ماذا يحدث إذا أهملنا ذكاءه؟
الطفل خارق الذكاء.. شاذ
الطفل خارق الذكاء طفل غير عادي، وقد يعتبر طفلا شاذًا، لأن الشذوذ بمعناه العلمي هو الخروج على المألوف والطبيعي، ولهذا فإن احتياجاته مختلفة وسرعة نموه مختلفة، وإدراكه يتسع أكثر من الطفل العادي، وهو يحتاج إلى اهتمام مكثف للتجاوب مع احتياجاته العقلية، وبالتالي فإن هذا الطفل يحتاج من الناحية السيكلوجية إلى من يصادقه ويعطيه الإحساس بذاته وكيانه.
ونرى أن هذا الطفل يتميز بسرعة فهمه للأمور والأشياء، وسرعة التقاطه للمعلومات، ويتمتع بالسلوك الذكي في المواقف الصعبة والجديدة، وإمكان الربط بين الأشياء، والتجاوب أكثر مع من هم أكبر منه سنا، فهو لا ينسجم مع من هم في سنه، والمسألة في النهاية تعتمد على المقارنة بينه وبين زملائه أو أشقائه ومن هم في سنه نفسها.
إن الذكاء يولد مع الإنسان وينمو مع نموه العمري، ولكل مرحلة من العمر مظاهر للذكاء. وقد يؤدي الأسلوب الخطأ في التعامل مع الطفل خارق الذكاء إلى القسوة والعناد وإلى عدم استخدام لغة العقل في التفاهم، ويتمثل الأسلوب الخطأ في تعاملنا معه في عدم الإجابة عن أسئلته الكثيرة التي تستعصي على الكبار، أو في فرض صداقات أو هوايات عليه لا يرغب فيها أو حرمانه من هوايات يحبها.
ويمكننا تنمية ذكاء الطفل بإتاحة كل الفرص العلمية والثقافية وتوفير الكتب وإتاحة الفرصة له لممارسة هواياته والاختلاط بمن هم في مثل ذكائه والإجابة عن كل أسئلته. وتكمن صعوبة جمة في تعاملنا مع الأطفال الآخرين الذين هم أقل ذكاء، إذ يشعر الطفل من هؤلاء بعجزه ويشعر بتفوق الآخرين عليه مما يزعجه ويؤثر عليه نفسيا، وقد تظهر عليه بعض الأعراض، لذا يجب أن نكون حذرين في التعامل معه وعدم إشعاره بتواضع إمكاناته، إذ يمكننا الارتفاع بمستوى ذكاء هذا الطفل، ولكن في حدود عشر درجات من 120 درجة أي أقل من العشر، ذلك لأن الجزء الأساسي من الذكاء وراثي، والجزء الثانوي منه مكتسب.
المقارنة تصيب الآخرين بالإحباط
إن الذكاء الإنساني من طبيعة الإنسان، لأن الجهاز العصبي ومركزه الدماغ يتميز في تنظيمه وبنائيته على الحيوان من حيث إن الدماغ الإنساني ينتظم بنائيا من مواضع أو مراكز تتفاعل مع بعضها البعض في نشاط كلي، وهو نشاط الدماغ، كما يتمايز هذا النشاط في نشاط نوعي، أي في نشاط كل مركز من مراكز الدماغ مثل مراكز الإحساس والتفكير والذاكرة واللغة وغيرها.
وما دام من طبيعة الطفل الاستعداد الفطري للذكاء والإبداع الذي يكمن في صميم بناء الدماغ الإنساني، فعلينا إذن البحث في كشف هذه الطاقات الكامنة في الطفل، وحسن استثمارها سعيا إلى الوصول إلى المستوى الأمثل في تنمية طاقات الذكاء والإبداع لدى الأطفال. فالطفولة مرحلة حساسة ومواتية لتنمية الذكاء لدى الطفل، وهي الفترة المثلى لتنشيط نمو الذكاء الإنساني، ومن ناحية أخرى فإن النقص في توفير المثيرات والخبرات الملائمة لتنمية الذكاء لدى الأطفال قد يترتب عليه الفقد في الذكاء والفقد في نمو الإبداع، لأن هذه الطاقات في الطفولة تعطى مرة لا تتكرر.
ومن أبرز سمات الطفل خارق الذكاء أنه يتميز بأنه طفل سريع التعلم، أي أن إيقاع التعلم عند هذا الطفل أسرع من غيره من الأطفال العاديين سواء في الأسرة بين إخوته أو بين زملائه في الفصل الدراسي، وتلك مشكلة ينبغي أن توضع في الاعتبار من ناحيتين، أولا: من ناحية مراعاة الوالدين والمعلمين، فلا ينبغي أن نطفئ جذوة هذا المصدر الفعال لنمو الطفل، فلابد أن نوفر له فرص التعلم والتثقف الذاتيين مما يثري حياة الطفل العقلية والانفعالية والاجتماعية. وثانيا: من ناحية مراعاة ألا يكون هذا الطفل الذكي السريع التعلم، مصدر إحباط لغيره من أقرانه العاديي الذكاء في الفصل، أو لأخوته في المنزل، بل يراعى التوازن في توزيع الخبرات المدرسية كخبرة عامة تتناسب إلى حد كبير مع مجموع الأطفال في الفصل، مع تقديم الرعاية الفردية التعليمية لهذا الطفل السريع التعلم.
أيضا من السمات التي تحدد ملامح الطفل الذكي قدرته على إدراك العلاقة بين الأشياء، وقدرته على تشكيل علاقات جديدة، تحليل الموضوعات والقضايا إلى عناصرها، ثم إعادة التشكيل لهذه العناصر في أبنية جديدة، وقدرته على التفكير التجريدي والتعامل مع المجردات والمفاهيم المجردة.
والطفل الذكي أيضا لديه القدرة على حل المشكلات. والقضية ليست في مستوى الذكاء، وليست في قضية البحث في تصنيف أو فرز الأطفال العاديين إلى مستويات متباينة للذكاء، لأن المعايير والأدوات التي نحكم بها على الذكاء من خلال الاختبارات والمقاييس النفسية رغم أهميتها، ينطوي سوء استخدامها على مشكلات خطيرة، فالذكاء مصدر من مصادر فطرة الطفل وطبيعته، وعلينا أن نكشف عن هذه المصادر، وأن نوفر الظروف والمثيرات والخبرات الثقافية والتعليمية والتربوية الملائمة لحسن استثمار وتوظيف هذه الطاقات الكامنة في الطفل، كل طفل.
تفكيره أكبر من سنه...
إن الأطفال الأذكياء والمبتكرين والمبدعين ما زالوا في المجتمعات النامية مفتقرين إلى الرعاية والعناية اللازمتين، فمعظم هؤلاء الأطفال في المدارس أو الفصول من الأطفال المشكلين (يسببون مشاكل للمدرس) لأن الطفل خارق الذكاء يلتقط المعلومة أسرع من زملائه، وفي هذه الحالة لا يحتاج إلى تكرارها، فإذا ما تكررت يكون عازفا عن الدرس منشغلا عنه، والنتيجة فكرة سيئة من المدرس عن الطفل.
ولابد لنا من أن نهتم كل الاهتمام بالطفل الذكي، فنحن في حاجة إلى آباء ومدرسين على وعي بالتقاط الجوانب الإبداعية والابتكارية، والتعرف على هذه النوعية من الأطفال شديدي الذكاء في وقت مبكر حتى تتم رعايتهم والعناية بهم.
ولاشك أن تدعيم وتنمية مثل هذه المهارات في الطفولة يخلق لنا عالما مخترعا، أما إهمالها فقد يؤدي إلى طفل متمرد على المجتمع.
وعلى المنوال نفسه في محيط الأسرة، نحن في حاجة إلى أب وأم يستطيعان تنمية خبرات ومهارات أبنائهما من خلال اختيار الأداة أو اللعبة التي تتناسب وميول وقدرات الطفل، والتعامل مع هذا الطفل في إطار هذه القدرات مثلا: إذا وجدت لدى طفلي ميولا موسيقية، فلماذا لا أنميها من خلال توفير فرصة العزف. ولا شك أن الدول المتقدمة تدعم هذه الجوانب الابتكارية بعيدا عن التلقين والحفظ اللذين يدمران بقية الملكات لدى الطفل.
تنمية القدرات تتم من خلال عمليات التعليم والتدريب، من خلال الاستثمار الأمثل في ضوء التعرف على خصائص النمو، وهذا مع الأسف ما ينقص غالبية أفراد المجتمعات النامية سواء على نطاق الأسرة أو المدرسة.
إن ذكاء الشخص يستمر في النمو وفقا لغالبية الآراء حتى سن 21 سنة، ويستقر بعد ذلك في سن 25 سنة، ثم يبدأ في التدهور بعد هذه السن، وتنمية قدرات الطفل ينبغي أن نركز عليها في السن الصغيرة لأن سرعتها تكون كبيرة. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن المعاملة الخاطئة للطفل الذكي قد تجعل منه طفلا جامحا فيستثمر هذا الذكاء فيما يضر المجتمع.
وتتلخص ملامح الطفل غير عادي الذكاء ببساطة شديدة في قدرته على حل المشكلات بصورة تتشابه مع من هم أكبر منه سنا، فهو وفقا للمثل الشائع من يشاهده يقول: "تفكيره أكبر من سنه".
لا يوجد طفل غبي
إن الذكاء بالنسبة للطفل فطري، فكل طفل يولد ولديه نسبة ذكاء، وهناك عوامل مثل البيئة والظروف الأسرية والمناخ المدرسي قد ترتفع بمستوى ذكاء الطفل، وقد تنخفض به.
لا يوجد طفل غبي بطبيعته، بل قد يوجد قصور لديه. ففي فترة السنوات الخمس الأولى ينمو ذكاء الطفل بشكل سريع، وهنا نطلب من الأسرة أن توفر الوسائل والإمكانات لاستثمار ذكاء الطفل في هذه الفترة التي تعتبر أخطر مرحلة في تربية وتكوين الطفل، وهى مرحلة ما قبل المدرسة.
وتظهر ملامح الطفل الخارق الذكاء في أكثر من ناحية:
1)   من الناحية الاجتماعية في تعامله مع الأطفال حوله.
2)   من الناحية العقلية، فهو طفل سريع البديهة، سريع الاستجابة، كثير الأسئلة، قوي الملاحظة.
هذا الطفل من الناحية الشخصية يعتز بشخصيته، لديه نوع من الاستقرار الانفعالي، ذكاؤه يعطيه ثقة بالنفس.
ولكن لا تستطيع كل أسرة أن تدرك أن طفلها خارق الذكاء، وهذا يعود إلى وعي الأسرة، وحين ندرك أن هذا الطفل ذكي لا يصح أن نحل له جميع مشكلاته، بل نسير معه بطريقة متسلسلة بحيث يصل لحلها بنفسه من أجل استثمار قدراته، ولكن في أثناء اهتمامنا بهذا الطفل الذكي لا ينبغي أن نغفل مراعاة الطفل الأقل ذكاء، فلابد أن نشعر هذا الطفل بأنه عادي جدا، وأنه ليس أقل من أقرانه ونحاول أن نعلمه كيفية الاعتماد على نفسه مما يزيد من ثقته بنفسه، ولا نحاول دائما أن نشعره بالنقص لديه، بل نحاول الاستفادة من قدراته في جانب معين. وأحدث النظريات في تربية المعوقين تنصح بأن تكون تربية الطفل المعوق داخل المجتمع أو مع الأسوياء حتى لا يشعر بأي نقص، فحين يميز الطفل خارق الذكاء قد يشعر الطفل الأقل ذكاء بالإحباط فيتقهقر بدلا من التقدم، فمن الأخطاء الشائعة التي يرتكبها بعض المدرسين تركيزهم على الطفل الذكي، حيث ينبغي أن يوجه اهتمامه للطفل المتفرد والطفل الذكي والطفل متوسط الذكاء والطفل ضعيف الذكاء بنسب متساوية.
يبرز نفسه بنفسه
إن الطفل خارق الذكاء نشيط جدا ومتحرك، بل سريع التنويع في تحركاته، كثير الأسئلة، يستفسر دائما عن السبب (لماذا؟ من أين هذا؟.. من هذا؟)، فهو يبدو واضحا جدا بين زملائه أو إخوته فهو ليس غامضا أو مختفيا ليكتشف بل إنه يهز نفسه بنفسه.
ويقال إن قمة ذكاء الإنسان عموما تكون في السنوات الثلاث الأولى من حياته، حيث إنها مصحوبة بصفاء ذهني كامل. ولكن لا ينبغي أن نهمل ذكاء الطفل لأن ذلك قد يجره إلى استغلال ذكائه في أمور سيئة، فيستبدل بكل ما هو طيب شرا ويصبح شخصا هجوميا يؤذي الآخرين، بل ويؤذي نفسه.
وهذا الطفل خارق الذكاء واجبنا نحوه يقتضي أن نميزه، ولكن بطرق مستترة غير واضحة لأخوته، فنوكل إليه مسئوليات ونستغل طاقة الذكاء لديه كأن يساعد أخاه أو أخته الأصغر أو يساعد أمه في المنزل وما إلى ذلك.
كذلك في المدرسة فحاول تقييمه وتشجيعه بشكل مستتر، ونعهد إليه بمساعدة الضعفاء في فصله ومساعدة المدرس في تصحيح أخطاء الآخرين.. وبإمكاننا تنمية ذكاء الطفل من خلال الألعاب الخاصة، ولكن في حدود، فالطفل ضعيف الذكاء لا يصل أبدا في مستوى الطفل خارق الذكاء.
وفي النهاية نود أن نوجه كلمتنا إلى كل مدرس عربي في مدرسته، وإلى كل الآباء في منازلهم: نرجوكم ألا تغفلوا حق الطفل خارق الذكاء في استغلال ذكائه، ولا تغفلوا أيضا حق الأطفال من حوله في المنزل أو المدرسة ممن هم دون مستواه العقلي في مراعاتهم، فقد يؤدي عدم مراعاتهم إلى إصابتهم بالعجز أو الإحباط أو إلى إزعاجهم نفسيا أو إلى التقهقر، كما رأينا من خلال آراء أهل العلم والخبرة في مجال علم النفس والتربية.
هالة حلمي / مجلة العربي

تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال

إقرأ أيضًا                                 

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق