هل من طريق إلى لعبة عربية في الذوق
والانتماء؟
سئل طفل عربي يقيم بمدينة عربية كان يجلس
وأمامه لعبة بلاستيكية تشكل عند تجميعها وتركيبها مدينة عصرية، عن نهاية الشارع
الرئيسي الذي يسير به خط الترام بتلك المدينة، فكانت إجابته أنه سوف يصل إلى قسم
البوليس بمدينة "لندن" وعندما سئل عن أهم معالم عاصمة عربية كبيرة لعلها
عاصمة بلاده كانت الإجابة متلعثمة ومبهمة.
هذا
باختصار ما فعلته لعبة الأطفال المستوردة بأبنائنا.!!
اللعبة هي إحدى المفـردات الرئيسية في
عالم الطفل وهي إحدى أدوات التعلم واكتساب الخبرة. ورغم اختلاف بيئة الطفل ومجتمعه
والمستـوى الاجتماعي والثقـافي لأسرته إلا أنها تمثل ضرورة لصياغة وجدان وعقل
الطفل على مدى سنوات طويلة من عمره.
ولعبة الطفل هذه يراها خبراء التربية
وعلما النفس والاجتماع ورقة غاية في الحساسية في ملف الطفولة العربية كافة صنعت في
الغرب وفقا لمفاهيمه وأفكاره مستهدفه بث أنماط حياتية معينة في عقول وقلوب
أطفالنا. و بالتالي فإنها تشكل خطورة على قيم ومفاهيم الطفل العربي، ومن ثم فإن
الحاجة إلى أنشاء صناعة عربية للعب الأطفال تستلهـم قيمنا التربوية ونماذجنا
الحياتية وتراثنا التاريخي تصبح هدفا استراتيجيا لا بديل عنه. فهل يمكن تحقيق ذلك؟
وما هي العوائق التي تحول دون هذا الحلم؟ وما هي ملامح لعبة الطفل العربي؟
إنفصام
تشير إحصائية مهمة إلى أن البلاد العربية
تستورد كل عام لعب أطفال بما يوازي 850 مليون دولار. وتأتي الولايات المتحدة
الأميركيـة واليابـان وهولنـدا والدانمرك على رأس قائمة الدول المصدرة للبلاد
العربية تليها هونج كونج وتايوان وكوريا الشمالية. كما تشير الاحصائية - الـتي
أعدتها إحدى الشركات المتعددة الجنسية العاملة في هذا المجال بناء على دراسات
مستوفاة - إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي الست تمثل 70% من السوق الاستهلاكية
لهذه اللعب المستوردة تليها مصر ثم سوريا ولبنان ثم بلاد المغرب العربي.
وقد تنهبه معهد دراسات الطفولة بجامعة عين
شمس، كما تنبه المجلس العربي للطفولة والتنمية إلى خطورة الظاهرة وأجريا دراسة
ميدانية شملت آلاف الأطفال في أربع دول عربية ينتمون إلى مستويات اجتماعية وثقافية
متباينة، وجاءت نتائج الدراسة لتكشف بشاعة ما فعلته اللعبة المستوردة في عقل وخيال
ووجدان وضمير أطفالنا.
تقول نتائج الدراسة إن 87% من الأطفال
الذين شملتهم الدراسة يستعملون لعب أطفال مستوردة وإن هـذه اللعب عبارة عن مبـان
ومنازل مصممة على الطراز الأوربي ونماذج بطولة تؤكـد تفوق العنصر الغربي الأميركي
غالبا، وأن هذه اللعب تكسب الطفل معلومات تاريخية مغلوطة وتدعم سلوك العنف لديه.
وخلصت الدراسة إلى أن هذه الألعاب تدعم قيمة الفرد لدى الطفل وتجمـد قدرته على
الابتكار الذهني وتحد من خيالاته وأنها لا تمثل قيمة تعليمية ذات فائدة تذكر وأنها
تضعف قدرة الأطفال على استعمال أيديهم في فك وتركيب اللعبة وبالتالي تطمر قدرة
الطفل في الاعتماد على ذاته وتنمية مهاراته الجسمانية وهو الهدف الرئيسي من لعبة
الطفل في معظم الأحول. كما أشارت النتائج إلى أن استخدام الأطفال لهذه اللعب أحدث
لديهم ما يسمى بالانفصام المعرفي حيث إن هذه اللعب تدور في بيئات مغايرة عن بيئة
الطفل العربي الـذي لا يعرف الغاية أو الغرض في عمق المحيطات وبالتـالي فإن مفردات
لعبته لا تمت بصلة لواقعه. كما أن الطفل يفقـد بمرور الأيام تلك العلاقة الحميمة
التي تربط عالمه النفسي بلعبته لشعوره بالاغتراب نحو اللعبة. وحذرت الدراسة أيضا
من وجود بعض الأضرار الصحية الناجمة عن الاستخدام المستمر لتلك اللعب حيث ثبت أن
معظمها صنع من مواد تمت معالجتها كيماويا.
معوقات
وعبر رحلة بحثنا عن صعوبات إنشاء صناعة
عربية للعب الأطفال التقيت بالمهندس محمـد حسن الذي يملك شركة لاستيراد لعب
الأطفال وأحد المهتمين بخطورة تأثير ذلك على أطفالنا.
في البدايـة يؤكـد أن الميثاق العالمي
لحماية حقوق الطفل حدد اللعبة كمطلب وحق أساسي لا بد من وجوده في حياته ومع ثورة
التكنولوجيا العلمية التي شملت مختلف نواحي الحياة فإنه لم يعد عن المقبول أن تبقى
اللعبة مجرد أداة للتسلية فقط ولا يمارس من خلالها الطفل أي دور إيجابي. ويقـول
الواقع العربي إن هناك سيطرة أجنبية على هذا المجال، وفرض أصحـابها أفكارهـم
وقيمهم بل وأسعارهم علينا. ويقول الواقع أيضا إن هناك مـؤامرة مخططة تستهدف إفساد
قيم الطفل العربي وتحول بينه وبين شخصيته الوطنية الأصيلة وغرس القيم الفردية داخل
نفوس أطفالنا.
ويضيف أنه يوجد بالمنطقة العربية عن ليس
لهم مصلحة في تصنيع لعب أطفالنا محليا. فقد تبرعت الحكـومة الليبية بأحد القصور
بالعاصمة طرابلس لتكون نواة لإنشاء مؤسسة عربية قومية تتولى إنجاز هذا الهدف، ومع
هذا لم يسفر ذلك عن نتيجة ملموسة ولم تتعد تلك المؤسسة كونها حلما سجينا داخل
الأوراق.
ويلخص المهندس محمـد أهم معوقات إنشاء
صناعة عربية للعب الأطفال في النقاط التالية:
المشكلة التسويقية حيث تنحاز وسائل
الإعلام العربية إلى دعم كل ما هو مستورد، بالإضافة إلى أن الأسواق العربية تفضل
المنتج الأجنبي، وبالتـالي فإن هـذه الصناعة سوف تتعرض لخسائر مالية ضخمة في
بدايتها.
أن هذه الصناعة لا بد أن تنشأ على أساس
قومي وليس قطريا لأنها تحقق هدفا عربيا واحدا، ولذلك فإن مشكلة عدم التنسيق بين
المنظمات العربية المهتمة بشئون الطفل تمثل عائقا جديدا.
توفير التمويل اللازم، لأن هذه الصنـاعـة
تحتـاج إلى استثمارات ضخمة ولا يمكن لأفـراد أن يقوموا بتمويلها مع عدم وضع حافز
الربح هدفا رئيسيا لهذا الاستثمار.
توعيـة المؤسسات التربوية العـربية بضرورة
دعم النماذج العربية للعب الأطفال وكذلك وسائل الإعلام بتشجيع الأفكار الابتكارية
في هذا المجال وتطبيقها بدلا من البحث عن كتالوجـات المصانع الغربية.
أمل
ومن بين العـالم الخفي للعب الأطفال لمحنا
أملا مازال جنينا على يد صاحبه. هذا الأمل يتمثل في إمكـان منح عالم لعب الأطفال
وجها عربيا يستمد نماذجه عن تراثنا الحضاري ويتماشى مع قيمنا ويحقق تـواصـلا بين
أجيـالنـا المستقبلية وتاريخنا.
هذا الحلم ظل يراود المهندس المعماري
المصري يوسف المرصفي سنـوات طويلة حتى تشكلت ملامحه، وهو باختصار تكـوين وتصميم
نماذج أثـريـة عـربيـة وإسلامية باستخدام مكعبات " اللوجو " الملونة.
وقد نجح المهندس المرصفي في تصميم نماذج
لمعظم مساجد القاهرة الإسلامية وقلعة محمد علي والكعبة المشرفة والمسجد النبوى
ومسجد تاج محل بالهند والمسجد الأموي بدمشق والمسجد الأقصى بفلسطين المحتلة بكل
تفاصيلها المعمارية والفنية باستخدام هذه المكعبات.
كما نجح في تعـريب لعبة الكارتون المقطع
في تجميع صـور تأخذ شكل أهم المعالم بالبلاد العربية مثل نماذج قناة السويس ومعابد
أسوان.
وتقدم المهندس المرصفي إلى المجلس العربي
للطفولة بدراسة مهمة أعدها، تتضمن كيفية تعريب لعب الأطفال تبدأ باستخدام اللغة
المعمارية لتوصيل قيمة تراثنا الأثري لأطفالنا بطرق مبسطة. وتشير سطور الدراسة إلى
خطة تطبيقية في هذا المجال تشمل المراحل التالية:
دراسة الطابع المعماري للآثار الإسلامية
المطلوب التعبير عنها بهدف الوصول إلى السمات الأساسية لها.
تبسيط هذه العناصر والسمات إلى صورتها
المجردة من الناحية الهندسية وإيجاد أقرب القطع الموجودة في الألعاب التجميعية
تعبيرا عنها.
عمل مجموعة من النماذج تتدرج من البسيط
المركـب إلى المركب، بحيث تكون النماذج البسيطة لأحد العناصر المعمارية "سبيل
- مئذنة" وتكـون النماذج المركبة تجميعا لهذه المجمعات البسيطة.
الربط جميع المجسمات التي ينتجها الطفـل
وبين بعـض القصـص الأسطورية أو الخيالية أو قصص البطولات، بحيث يمكن أن تصبح هذه
النماذج مسرحـا لأحداث هذه القصص، وبذلك يمكن ربط المشروع بالطفل من الناحية
العاطفية والوجدانية، على أن تكون المجسمات هذه في إطار الروح العامة للعمارة
الإسلامية.
ويبقى سؤال يظل يدق رؤوسنا: هل سيرى هذا
الحلم النور وهل يمكن أن نصنع لعب أطفالنا بأيدينا؟!
محمود عبد العظيم
/ مجلة العربي
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق