قصة وعبرة

السبت، 21 مارس 2020

• النتائج السلبية في المدرسة أرق الآباء قبل الأبناء


يشكل مستقبل الأبناء الهاجس الرئيسي للآباء خاصة في الظروف الحالية حيث اشتد التنافس في جميع مجالات الحياة. إذا كانت النتائج المدرسية للابن غير ما كان يتوقعه الأبوان فإن اللوم كل اللوم غالبا ما يصب على الابن لأنه "لم يجتهد بما فيه الكفاية، وأكثر من اللعب ومشاهدة التلفزيون والاهتمام بكل ما ليس له علاقة بالدرس" إلى غير ذلك من الاتهامات التي تحمله المسئولية الكاملة عن فشله.

وقلما يعترف الآباء بأنهم يتحملون جزء من المسئولية في فشل أبنائهم، على الرغم من أنهم قد يكونون- في بعض الحالات- هم السبب الرئيسي لهذا الفشل، وكمثال على هذه الحالات يورد العالم الأمريكي، "بتلهايم" حالة فتاة عرفت، وبكيفية مفاجئة، تراجعا في نتائجها المدرسية. وبعد تحليل وضعيتها الأسرية تبين أن الفتاة متعلقة بوالدها المنفصل عن أمها التي تولي ابنتها عناية كبيرة وتتمنى هذه الفتاة أن يتراجع والدها عن قراره بالانفصال عن أمها ويعود إلى أسرته ويستأنف حياته في جو من التفاهم والحب، إلا أن نجاحها في دراستها قد لايشجع الأب عن أن يعيد النظر في قراره في حين أن فشلها في الدراسة قد يشعر الأب بأنه مسئول عن هذا الفشل مما قد يدفعه إلى، العودة إلى منزل الزوجية، والتراجع عن قراره. ويؤكد (بتلهايم) أن الفشل في مثل هذه الحالة "متعمد" ويرمي لا شعوريا إلى تحقيق هدف أهم من النجاح المدرسي ألا وهو عودة الأب إلى زوجته وأسرته، وهو نفس الهدف الذي تتمني الأم تحقيقه. ويشير إلى أن غالبية الآباء لا يدركون أن أبناءهم يشاركونهم نفس الأهداف إلا أن التعبير عن هذه الأهداف يتم في الجانبين بكيفية مغايرة إذ قد يكون لاشعوريا لدى الأبناء وشعوريا لدى الآباء، وقد تكون حوافز الأبناء مختلفة عن حوافز الآباء إلا أنها في النهاية ترمي إلى تحقيق هدف واحد ألا وهو نجاح الأبناء وتفوقهم.
إن اهتمام كثير من الأباء بالنتائج الدراسية لأبنائهم قد يبلغ حداً ينسيهم الاهتمام بالأبناء أنفسهم كما لو كانت هذه النتائج في نظرهم-أهم من الأبناء، حتى إن الابن في مثل هذه الحالة، يشعر أن حب والديه له وعطفهما عليه مرهون بنتائجه الدراسية مما يجعل علاقته بوالديه معرضة دائما للإهتزاز وعدم الثبات.
"ويشعر الابن بخوف شديد من إمكان فقدانه لحب وعطف والديه بسبب عدم حصوله على النتائج الدراسية التي يتوقعها والده وشعور الابن بالفشل والاحباط بسبب نتائجه الدراسية المتدنية قد يدفعه حتى إلى التفكير بالانتحار لكونه يعتبر أنه لم يعد يساوي شيئا في نظر والديه، وأنهما لن يمنحاه الحب والعطف اللذين تعودا منحهما له، وبذلك تضطرب صورته عن ذاته. وقد يميل إلى تعذيب نفسه بأشكال مختلفة كأن يتظاهر بالمرض أو يفقد شهيته للطعام أو يتكاسل في أداء واجباته المدرسية، كل ذلك ليثير اهتمام والديه به شخصا بدل اهتمامهما بنتائجه المدرسية، وقد يلجأ الطفل إلى مثل هذه الأساليب اللاشعورية عندما يتحول الى اهتمام والديه به الى الاهتمام بمولود جديد لهما، بل قد تظهر لديه بعض الأعراض المرضية بسبب تحول الاهتمام عنه "التبول اللاإرادي، تساقط الشعر".
وعادة ما يصعب على الآباء قبول تدني النتائج المدرسية لأبنائهم. وليس المطلوب منهم قبول هذا الوضع باعتباره أمرا طبيعيا، وانما المطلوب منهم أن يتساءلوا عن سبب ذلك ويحاولوا- بالتعاون مع الأبناء أنفسهم وبمحاورتهم- إيجاد الحل المناسب الذي يكون منطقيا ويقتنع به حتى الأبناء. ويلجوء الآباء إلى هذا الأسلوب الهادئ والمتفهم يمكنهم التوصل إلى فهم موضوعي لأسباب تراجع النتائج المدرسية لأبنائهم، وإلى تحفيز الأبناء على بذل مايكفي من الجهد للحصول عن نتائج أفضل وعملية تحفيز الأبناء يجب أن تقوم على أساس إدراك أن حوافزهم تختلف عن حوافز الأبناء، وإن الحاضر أهم من المستقبل بالنسبة للأبناء، الأمر الذي يتطلب تعديلا للخطاب الأبوي التقليدي يأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات، بحيث يغلب على الخطاب الأبوي طابع الحب والحنان والتفهم والحوار، لا طابع الزجر التبخيس والتهديد ومن شأن خطاب كهذا أن يعيد للابن ثقته بنفسه ويشعره بأنه لايزال محط عناية وحب والديه، مما قد يساعده على الاهتمام أكثر بدراسته وبالتالي تحسن نتائجه المدرسية.
وقد يلجأ الآباء، عندما يفاجأون بنتائج أبنائهم الدراسية المتدنية إلى اتخاذ موقف اللامبالاة من الأبناء، كأن يتفادون الحديث معهم والاهتمام بهم كتعبير عن عدم رضاهم عن النتائج التي حصل عليها الأبناء في الدراسة إن مثل هذا الموقف يماثل في سلبيته موقف الزجر والتهديد والتبخيس الذي يتخذه بعض الآباء إزاء أبنائهم، إذ أنه قد يضعف لدى الأبناء الحوافر التي تدفعهم إلى أي مجهود، أو يجعل منهم أشخاصا لا عقلانيين عديمي الثقة بأنفسهم ويميلون إلى العزلة والعنف وبالتالي يجعلهم أكثر استعدادا للانحراف، وفي هذا يقول " إريك فروم": "إن الفرد المعزول والعاجز تغلق أمامه أبواب تحقيق إمكاناته الحسية والعاطفية والعقلية وهو ينقصه الأمان الداخلي والتلقائية وهما الشرطان لمثل هذا التحقيق".
وماذا ننتظر من أبناء يواجهون بالتجريح والتهديد والزجر أو باللامبالاة والعزلة بسبب نتائجهم المتدنية إن رد الفعل المباشر للأبناء في مثل هذه الحالة هو كرههم لكل ما يتعلق بالدراسة ونفورهـم منه، لأن الدراسة ارتبطت في أذهانهم بالفشل والتحقير والاستهزاء والوصم بالتفاهة وغير ذلك .
يكتشف الطفل من خلال علاقته بوالديه ونتيجة لاهتمام والديه المبالغ فيه بجهوده في المدرسة، أن النتائج المدرسية تشكل بالنسبة له سلاحا ناجعا يمكن له أن يستخدمه لتحقيق أغراض معينة لا يستطيع تحقيقها بكيفية عادية. كما يكتشف أن هذا السلاح يجعله على قدم المساواة مع والديه ويجعله في مستوى يؤهله لمواجهتهما والتأثير في مواقفهما نحوه، وهي مواقف غالبا مايختل فيها التوازن لصالح الوالدين.

وهكذا قد يكون تراجع الابن في نتائجه المدرسية بمنزلة رسالة موجهة لوالديه يريد من خلالها تحقيق هدف معين، ودور الآباء في مثل هذا الموقف هو اكتشاف هذه الرسالة وإدراك مغزاها الحقيقي والتصرف بكيفية تستجيب لرغبات أبنائهم، ليعود الوضع إلى ما كان عليه، وليسود علاقة الطرفين جو من الحب والثقة المتبادلتين.
عندما يغير الآباء موقفهـم
يخطئ بعض الآباء، نتيجة خيبة الأمل التي يشعرون بهـا بسبب النتائج المدرسية المتدنية لأبنائهم عندما يغيرون من أسلوب تعاملهم مع الأبناء، إذ يميل هذا الأسلوب إلى المبالغة في اللوم والنقد وعدم التسامح وضعف الحوار، إلى درجة أن بعض الآباء يصبحون أكثر عرضة للإثارة والانفعال كلما تعلق الأمر بأبنائهم بل إن من الآباء من لايتردد في انتقاد أبنائهم أمام الغرباء عن الأسرة وبحضور الأبناء أنفسهم، وغالبا ما يكون النقد أقرب إلى التجريح والاستهزاء منه إلى النقد الموضوعي والبناء. ويتحول النقد في مثل هذه الحالة إلى نوع من السلوك السادي الذي يشعر فيه الفرد باللذة نتيجة إيلامه للآخرين. ولايكتفي بعض الآباء بالنقد بل ينتهزون كل الفرص لتذكير الأبناء بفشلهم وتخلفهم في الدراسة متناسين مواقف النجاح التي قد حققها الأبناء في الماضي وفي مناسبات مختلفة. وينسى الآباء وتحت تأثير شعورهم بالإحباط وخيبة الأمل، أن أقسى مايمكن أن يتعرض له الإنسان في الحياة هو أن يشعر بأنه تافه ولاقيمة له سواء في نظر نفسه أو فرد نظر الآخرين.

إن مثل هذا السلوك من جانب الآباء يعزز قناعة الأبناء من أن اهتمام والديهم بالنتائج المدرسية يفوق الاهتمام بهم شخصيا وأن وجودهم ككل ليس له ما يبرره سوى أن يكون من أجل الآباء وامتدادا لهم. يحاول الآباء من خلالهم أن يحققوا ما لم يتمكنوا هم من تحقيقه في الماضي، وهكذا يصبح الابن في نظر والديه ذلك المشروع الذي لم يكتمل وينتظر التحقيق، كما ينظر إليه بمنظار الريح والخسارة كما كان ملكية فردية، وليس إنسانا له مشاعر وأفكار ومواقف بالتالي وشخصية متميزة ومستقلة.
إن تغير سلوك الوالدين إزاء ابنهما الذي لم يحصل على نتائج مدرسية إيجابية ليجعل الابن في موقف متناقض فهو من ناحية مطالب- أخلاقيا واجتماعيا ودينيا- بطاعة والديه وإبدا مشاعر الحب والتضحية نحوهما، ومن ناحية أخرى يشعر بالنفور منهما لكونهما يوجهان إليه النقد والتجريح والاستهزاء، الأمر الذي يفرض عليه كبت موقف النفور في اللاشعور ليبقى موقف الحب (المبطن) في ساحة الشعور. والخطير في هذه العملية أن يختل التوازن بين ما يُكبت في اللاشعور وما يظهر في ساحة الشعور ليجد الابن والوالدان أنفسهم في مواجهة مكشوفة لا يمكن التنبؤ بنتائجها. وما حالات تمرد الأبناء التي تنقلها إلينا من حين لأخر وسائل الإعلام إلا مظهر لهذا الاختلال في التوازن بين جانبي السلوك الشعورى واللاشعوري.
امتحان لكل الأسرة
إن فترة الامتحانات ولاسيما في نهاية السنة المدرسية، تجعل كثيرا من الأسر تعيش جو الامتحان ببالغ الترقب والخوف، فهى تخشى ألا ينجح الابن في الامتحان، أو لايحصل على المعدل الذي يسمح له بدخول الكلية التي يرغب في أن يتابع دراسته فيها، مما يفرض عليها الدخول في مسلسل البحث عن كلية تقبله وقد يدفعها ذلك إلى تحمل مخاطرة إرسال ابنها إلى بلد أجنبي ليتابع دراسته، ونعرف جميعا المخاطر التي يتعرض لها الأبناء في مثل هذه الحالة، والمعاناة التى تعيشها أسرته سواء من الناحية المادية أو النفسية، خاصة عندما يتبين للأسرة أنها خسرت الرهان ولم يحقق الابن ما كانت تتتظره منه.
ومع الأسف أن تعليمنا مسئول إلى حد بعيد عن هذا الموقف من الامتحان، فالتلاميذ لايعدون لاستيعاب العلم ومواجهة الحياة بقدر ما يعدون للنجاح في الامتحان، وحتى أصبح الامتحان الهاجس المخيف الذي يسيطر على عقول تلاميذنا وطلبتنا. وإذا كان النجاح في الامتحان هو الغاية وليس العلم؟ فلا مانع إذن- في نظر التلميذ- من اللجوء إلى كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق هذا النجاح وانتشار ظاهرة الغش في الامتحانات، وتسرب أسئلة الامتحان، تشكل إفرازا لهذا الوضع الذي ينظر إلى الامتحان كغاية في حد ذاته كما لو كان الامتحان هو الحد الفاصل بين النجاح والفشل، وهو الذي يحدد فيما إذا كان المرشح للامتحان يستحق احترامنا وتقديرنا أم العكس. وكم نردد على مسامع أبنائنا العبارة الشهيرة والتي تلخص المأساة وهي: "وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان". فعدم النجاح في الامتحان يعني المهانة والمذلة واحتقار الذات... وغير ذلك، بل يعتبر مؤشرا على ضعف احتمالات النجاح بصفة عامة، هذا على الرغم من أن أعدادا كبيرة من حملة الشهادات العليا من مختلف التخصصات لم يجدوا العمل المناسب لهم ويصفون في عداد العاطلين.
ويصف أحد الباحثين العرب في مجال المدرسة العربية بأنها "حمّال الوعي الزائف ، وحمّال ثقافة التخلف." كما توصل باحث عربي آخر إلى أن الخطاب المدرسي يظل يوجه عام محملا بالقيم والمفاهـيم نفسها السائدة فى المجتمع أي أن المدرسة لاتحقق الدور المطلوب منها في تكريس العقلانية إن هذين الحكمين يلخصان واقع معظم المؤسسات التعليمية في المجتمعات العربية، فعوض أن تكون هذه المؤسسات عاملا رئيسيا في تغيير بنية المجتمعات العريية إذا بها تعكس نفس ما يسود هذه المجتمعات من مفاهيم وقيم وأنماط سلوكية سلبية.
المصدر: 1
إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق