قصة وعبرة

السبت، 2 مايو 2020

• لعبة الطفل كيف تحوّلت إلى أداة للعنف؟


من المؤسف أن تتحول لعبة الطفل من وسيلة تربوية وتثقيفية إلى وسيلة خطيرة من وسائل بث العنف واللاانتماء في نفوس أطفالنا.
ولعبة الطفل ليست ترفاً ولا هي للأغنياء فقط، فاللعبة البسيطة يحتاج إليها كل طفل منذ ولادته حتى يصبح على أعتاب الشباب.
فاللعبة تمثل للطفل توازناً نفسياً كما توفر له مهارات بصرية ويدوية وحركية حسب نوع وشكل واستخدام تلك اللعبة.

فالطفل الرضيع يحتاج - على سبيل المثال - إلى الشخشيخة التي تصدر صوتاً لافتاً عند هزّها، ويلفت صوت الشخشيخة نظر وسمع الطفل الرضيع ثم يتطلع إلى الإمساك بها ليهزّها بنفسه. فتنمو بذلك أيضاً قدراته الحركية بالإضافة إلى القدرات البصرية والسمعية.
وقد أدرك الفراعنة أهمية اللعبة لدى الطفل، فنجدهم قد صنعوا الدمى الصغيرة وابتكروا الألعاب الذهنية كالشطرنج لإيمانهم الشديد بأهمية اللعب والألعاب في حياتهم التي كانت تنطق بمظاهر التقدم والرقي منذ آلاف السنين.
وقد حذا حذو الفراعنة في الاهتمام باللعبة الهنود وسكان أمريكا الجنوبية، حيث أصبحت لهم دماهم وألعابهم التي تعكس عراقة حضاراتهم القديمة. أما أوربا، فقد بدأت في صناعة ألعاب الأطفال منذ عام 1805م، وازدهرت تلك الصناعة في أوربا بشكل عام حتى أصبح متوسط اللعب التي يستمتع بها الطفل الواحد في الدانمارك مثلا 500 لعبة داخل المنزل وذلك حسب إحصائية حديثة، ولكن من المؤسف حقاً أن هناك ملايين من الأطفال العرب محرومون تماماً من اللعبة.
وعلى جانب آخر، فقد ازدهرت صناعة لعب الأطفال في دول جنوب آسيا مثل تايوان واليابان والصين.
إن الدمية أو "العروسة" - على سبيل المثال - تؤثر في الطفلة وتساعدها على تعلم العديد من المهارات والقيم والخبرات، فهي الرفيق الحميم لخيالاتها ورغباتها وإحباطها، ولكن - مع الأسف - بدأت العروسة تفقد عرشها في مملكة اللعب بعد أن حلت محلها ألعاب أخرى تؤثر بشكل سلبي في الطفل.
وعلى الرغم من تصاعد الوعي في أوربا والدول الآسيوية بأهمية اللعبة والتطور المذهل في صناعتها والعناية بها، فإنه في الدول العربية - مع الأسف - يقل هذا الوعي أو يكاد ينعدم، هذا بالإضافة إلى عدم توافر القدرة الاقتصادية لأغلب الأسر العربية لشراء ألعاب لأطفالها.
ليس هذا فقط، ولكن الخطر الأكبر يكمن في استخدام اللعب والألعاب المستوردة التي لا تتناسب مع قيمنا وتراثنا العربي.
لعب للعنف والعدوان
والأدهى من ذلك، أن بعض تلك اللعب المستوردة تحث أطفالنا على العنف وتغرس فيهم القيم البعيدة كل البعد عن أخلاقياتنا وجذورنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد في الأسواق العربية أشكالاً وأنواعاً مختلفة من البنادق والمسدسات والخناجر والسيوف وألعاب الليزر التي تدمّر عيون الأطفال عن طريق الأشعة الصادرة منها، ونجد ألعابا إلكترونية تحت اسم: جنود الدم، آكلو الأشباح، ووحوش الوادي وغيرها.
هذا بالإضافة إلى ألعاب الحرب والعنف التي قفزت مبيعاتها منذ عام 1982 وحتى اليوم بنسب كبيرة. وتشير أحدث أرقام صناعة لعب الأطفال إلى أن لعب الحرب تمثل المرتبة الأولى في مبيعات لعب الأطفال.
وهذه الألعاب - مع الأسف - انتشرت في أكثر من صورة، فأصبحت تساعد بشكل مباشر على تعميق نزعة الغضب والعنف لدى الأطفال وخاصة أنها لا تُستخدم كلعب فقط، وإنما يشاهدها الطفل على هيئة أفلام كرتون ومن خلال الاسطوانات الممغنطة على جهاز الكمبيوتر، ووصلت حصيلة مبيعات تلك الألعاب على اختلاف صورها إلى مليارات الدولارات، وتحقق الشركات المروّجة لتلك الألعاب مكاسب خرافية والضحية الأولى لتلك الجريمة هي الطفل العربي الذي تصدر إليه هذه الألعاب البعيدة كل البعد عن بيئتنا وهويتنا العربية، هذا بالإضافة إلى إكساب أطفالنا نوازع العنف والغضب والعدوانية وذلك من خلال إعادة تمثيل السلوكيات العنيفة التي يكتسبها الطفل من خلال لعبته التي يلعب بها بيديه أو عن طريق أجهزة الأتاري والـ"بلاي ستيشن" أو "الكمبيوتر".
للأسرة دور مهم
وبالطبع، فإن استخدام الطفل لتلك الأجهزة وقدرته على التعامل معها يمثل ظاهرة مهمة، فلا يصح أن يكون الطفل منفصلاً عن حركة التقدم التكنولوجي، ولكن لابد أن يتم ذلك بشكل منظم ومدروس، فهذه الألعاب الالكترونية سلاح ذو حدين، والإفراط في اللعب بها يؤثر سلباً في نفسية وأعصاب الطفل.
كما أن اختيار الألعاب المفيدة الخالية من العنف يعد أمراً من الأمور الحيوية، فعلى سبيل المثال، توجد ألعاب تساعد الطفل على تنمية مهاراته الإبداعية أو اللغوية وذلك من خلال اسطوانات الكمبيوتر أو من خلال ألعاب يلعب بها الطفل بيديه مما لا يؤثر في نفسيته بالسلب، بل على العكس، فالطفل يتعلم ويرسم ويقرأ ويشارك وينمي قدراته ومهاراته المختلفة بعيداً عن أشكال العنف والتدمير.
لذلك فإن على الأسرة دوراً كبيراً لمواجهة تلك المشاكل التي من الممكن أن تدمّر حياة أطفالها، فلابد من الحد من الجلوس ساعات طويلة أمام لعبة من ألعاب الحرب أو لعبة الكترونية تحث على العنف والتدمير.
ولابد من تنظيم برامج جادة تسد فراغ الأطفال وخاصة في فترة الإجازة الصيفية وذلك من خلال الرحلات وزيارة المعالم السياحية ومعارض الكتب والمتاحف المختلفة والعروض السينمائية والتدريبات الرياضية وزيارة المكتبات العامة ومكتبات الطفل.
فكل هذه البدائل سوف تساعد الأبناء على الابتعاد عن التيارات الجديدة واللعب الضارة التي تسبب لهم أمراضاً نفسية وبدنية وتقلل من روح الانتماء في نفوسهم.

إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق