قصة وعبرة

الاثنين، 13 يوليو 2020

• الـكريبتوفيزيا اللغة الخفية التي يتواصل بها التوائم


يُنصح الأهالي عادةً بالابتعاد عن ترديد الكلمات التي يرددها الطفل في بداية حديثه (مثل استخدام كلمة "نن" أو "نم" لوصف الطعام) ويتم توصيتهم باستخدام كلماتٍ صحيحة وجمل كاملة، وذلك لمساعدة الطفل على تطوير مهاراته في النُطق، ويُلاحظ اختفاء هذه الكلمات الغريبة، التي لا تمت في بعض الأحيان للواقع بصلة، تدريجيّاً مع تطور المهارات اللغوية للطفل، لتضمحلّ تماماً قبل أن يصل الطفل لعمر السادسة. وتختلف الأمور في بعض الأحيان بالنسبة للتوائم المتطابقين منهم وغيرهم.

تتألف كلمة (كريبتوفيزيا) من مقطعين (Crypto) ويعني سريّ، و(Phasia)  ويعني حديث، فيصبح معنى الكلمة الحديث السريّ أو اللغة السريّة كما يطلق عليها اسم اللغة الخفيّة ولغة التوائم. وهنا تجدر الإشارة إلى وجود جدلٍ ضخم حول إمكانيّة وصف هذه الظاهرة بكلمة لغة والسبب كالآتي: تعرف (الكريبتوفيزيا) على أنها ظاهرة مبنية على استخدام التوائم لعباراتٍ وكلماتٍ خاصة بهم، يتواصلون بها معاً ولا يمكن لأحدٍ غيرهم فهمها، تبدأ هذه الظاهرة في سن حديثة وتختلف مدة استمراريتها تبعاً لعوامل مختلفة، تكون الكلمات المستخدمة في الحديث بين الطفلين في بعض الأحيان عبارة عن تحريف للكلمات التي يسمعونها وتبسيطا لقواعد اللغة التي يتم التحدث بها في المنزل، وهنا تبرز نقطة الجدل، فهل من الممكن اعتبار تحريف لغة موجودة أصلاً لغة أخرى؟
فرضيّات تشرح الظاهرة:
نشأت العديد من الدراسات حول هذه الظاهرة، فبعض العلماء يعتقدون أن فهم ما يسبب حدوث هذه الظاهرة سيساهم في فهم نشأة اللغة بشكل عام. تقول الفرضيّة الأولى أن هذا الأمر يحصل نتيجة عدم قدرة الأطفال على تطوير نطق لغوي سليم وأن هذا الأمر ينبع من عدم وجود مثال ليقتدوا به عن طريق سماعه وتقليده، ففي حالة انشغال الوالدين الدائمة يقضي التوأمان وقتاً أطول مع بعضهما من ذاك الذي يمضونه مع شخص بالغ، فيجدان أنه من الأسهل بالنسبة لهما تقليد بعضهما على القيام بحل شيفرة كلام البالغين وإعادة استخدام كلماتهم المعقدة وقواعدهم الصعبة، وقد أوجدت بعض الدراسات أن القواعد التي يستخدمها التوأمان في حالة (الكريبتوفيزيا) مبنيّة على وضع الكلمة الأهم في بداية الجملة وعلى التجاهل التام لاستخدام الأزمنة، فعلى سبيل المثال جملة مثل "بوبي، لا تقم بالقيادة هنا" ستصبح "بوبي، هنا قيادة لا".
ترى فرضيّة أخرى أن هذه اللغة السريّة مبنية على قيام أحد التوأمين باستخدام كلمات الآخر، فمثلاً إن كان لدينا توأمان (أ) و (ب)، وكان لدى (أ) مشاكل في نطق بعض الأصوات بشكل سليم وبالتالي هو غير قادر على نطق الكلمات بشكل صحيح، وعلى الرغم من عدم مواجهة (ب) للمشاكل نفسها، فإنه سوف يختار تقليد الطريقة التي يتحدّثث بها (أ).
تدّعي فرضيّة أخرى أن المسبب لنشوء هذه الظاهرة هو تاريخ العائلة النطقي، فوجود تأخر في النطق أو مشاكل أخرى لدى العائلة قد يتسبب في ظهور (الكريبتوفيزيا).
بعض الحالات الشهيرة:
1)    بوتو وكابينغو:
أحد أشهر التوائم الذين عرف عنهم استخدام اللغة الخفيّة هما (غريس كينيدي) و(فيرجينيا كينيدي)، وقد أطلقتا على بعضهما اسم (بوتّو) و(كابينغو). كانتا لاتزالان غير قادرتين على التحدث باللغة الإنجليزية حينما أتمتا عامها السادس، وعوضاً عنها استخدمتا لغة خاصة بهما. قد يكون سبب استعمالهما لهذه اللغة مرتبطاً بإصابتهما حينما كانتا لا تزالان رضيعتين بتشنج عصبي، ما تسبب باعتقاد الوالدين بأن لدى ابنتيهما تأخرٌ عقلي (تم التأكد لاحقاً من معدل ذكاء الطفلتين وكان طبيعيّاًّ)، ونتيجة لذلك قاموا بإبقاهما في المنزل لحمايتهما من التنمر من قبل الأطفال الآخرين، وفي الوقت الذي كان على الوالدين أن يذهبا فيه إلى العمل كانت جدة الطفلتين تجالسهما، والتي غالباً ما كانت تتركهما وحدهما في حين تقوم هي بمختلف الأعمال حول المنزل.
الأمر المثير للاهتمام في حالة (بوتّو) و(كابينغو) هو تحدثهما بسرعة كبيرة، وتغييرهما المستمر لنطق الكلمات ما جعل فهمهما أمراً مستحيلاً، وقد حدث أن حاول أحدهم التواصل معهما عن طريق تقليد طريقة كلامهما فانفجرتا بالضحك!
في نهاية الأمر خضعت الفتاتان إلى علاج للنطق، وتعلمتا الإنجليزية، لكنّ مهاراتهما اللغوية بقيت ضعيفة ما جعل فرصتهما في الحصول على أعمال جيدة في وقت لاحق ضئيلة.
أنتج (بيير غورين) فلماً وثائقيّاً عن الفتاتين وأطلق عليه عنوان Poto and Cabengo، وقد صدر الفيلم عام 1979. ويمكنكم مشاهدو الدقائق الأولى منه على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=t-ITWpozN9k&loop=0
2)    التوأم الصامت:
ولدت (جون غيبونز) و(جينيفير غيبونز) عام 1963م، وهما توأم متطابق، نشأتا في (ويلز-بريطانيا)، وقد عرفتا بالتوأم الصامت، إذ أنهما لم تتحدثا سوى مع بعضهما ومع أختهما الصغرى (روز). تم نبذ الطفلتين والتنمر عليهما من قبل طلاب مدرستهما لكونهما الطفلتين الوحيدتين ببشرة سمراء في المنطقة، وقد كان مدير المدرسة يضطر في بعض الأحيان إلى إرسال الفتاتين إلى المنزل باكراً لتجنيبهما التصادم مع باقي الطلاب، وقد نتج عن ذلك انعزال الفتاتين تماماً.
لم تكن الفتاتان تفصلان عن بعضهما إطلاقاً، وقد تحدثتا إنجليزيّة (البايجن) –الإنجليزيّة التي يتحدث بها سكان باربادوس في جزر الكاريبي–، لكنّ نطقهما كان سريعاً جداً ما جعل فهمهما أمراً صعباً، وأدى في نهاية الأمر إلى اعتبار نطقهما حالة من (الكريبتوفيزيا).
في نهاية الأمر، من المهم أن نعلم أن وجود هذه الظاهرة –إن كنا سنعتبرها لغة أم لا–، يدل على وجود عيب نطقي ولغوي، وبالتالي فمن الضروري عرض التوأم على أخصائي، إذ أن ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة في غالبيّة الأحيان هو اعتبار العديد من الأهل الأمر ”ظريفاً“، فلا يولونه أيّ أهمية ما يتسبب في مشاكل عديدة للأبناء على المدى الطويل، وخصوصاً إذا ما استمرت الظاهرة إلى ما بعد السادسة من العمر.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9
إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق