وبالتأكيد أُعجبت بالألوان الرائعة
لأجنحتها خاصة عندما ترفرف بها، فتبدو كأنها قوس قزح متحرّك. لكنك غالبًا
لم تشاهد تلك الفراشات التي يُطلق عليها «الخطافية»، وتتميز بأنها تتوهج بألوان
متألقة متذبذبة، تتراوح بين الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق، كلما حركت هذه الفراشات
أجنحتها ولو حركات بسيطة أثناء طيرانها، وكأن هناك بطاريات ضئيلة للغاية داخلها
تمدها بالطاقة، وتجعلها تتألق بتلك الألوان التي ليس لها مثيل.
حراشف ذات طبقات.. ومواد ملوّنة
وتعيش «الفراشات
الخطّافية» في جنوب إفريقيا، وقد أطلق عليها هذا الاسم لوجود
امتداد يشبه الخطاف في طرف كل جناح خلفي لها. وحيّرت هذه الفراشات عددًا
كبيرًا من العلماء سنوات طويلة، إلى أن اكتشفوا أخيرًا سر هذا التألق الغريب لأجنحتها.
واتضح لهم أن السر يكمن في الحراشف (القشور) الملونة الدقيقة جدًا، التي تغطى
كل جناح الفراشة ويصل عددها إلى مئات الألوف، والمادة التي تكوّن هذه الحراشف متصلبة،
وهي نفس المادة التي تدخل في تكوين أظفار أصابعنا.
وتمتد بعضها
بجانب بعض، في شكل هندسي بديع. وحاول الباحثون التعرف على التفاصيل الدقيقة
لكل حُرشفة منفردة. لهذا استخدموا مجاهر (ميكروسكوبات) تكبّر الأشياء
آلاف المرات، وكانت النتائج مذهلة.
فقد اكتشفوا أن
كل حُرشفة تتكون من ثلاث طبقات. وتنقسم كل طبقة إلى ثلاثة مستويات،
مع وجود كميات ضئيلة من الهواء محصورة - على شكل أعمدة - بين هذه المستويات
المكوّنة من المادة المتصلبة. ووظيفة أعمدة الهواء، منع الأضواء المتألقة المنطلقة
من جناح الفراشة، من الانحراف إلى أحد الجوانب. وتتخذ الطبقة العليا من الحرشفة
شكل قرص عسل النحل، وتتميز بأنها تحتوى على المواد الملونة، التي تسبب توهج أجنحة
الفراشات الخطافية. وقد تتساءل: ولكن كيف يحدث هذا التألق؟ عندما تسقط أشعة الشمس
على أجنحة الفراشات الخطافية، فإن المواد الملوّنة الموجودة في الطبقة العليا
تمتص هذه الأشعة ثم تعكسها بالألوان المتألقة التي نشاهدها، وإذا تسربت
بعض أشعة الشمس إلى الطبقتين الثانية والثالثة، فهناك مسطحات بالغة الصغر تشبه
المرايا الدقيقة، تمتص ثم تعكس تلك الأشعة الباقية. وهكذا تتوهج أجنحة تلك الفراشات
بالألوان الرائعة التي تُصدر ومضات متألقة من الضوء.
لماذا تصدر «الفراشات الخطافية» ألوان
متوهجة؟
إن تألق الألوان
المتعددة على أجنحة تلك الفراشات، تعد «لغة ضوئية»، تلجأ إليها لبعث
رسائل إلى أفراد جنسها لتحديد أماكن وجود الغذاء. كذلك تستخدم ومضات
الألوان للتعارف في ما بينها، خاصة وقت التزاوج، كما يطلقها الذكر لتحذير الذكور
الأخرى من الاقتراب من «منطقة نفوذه» التي يعيش فيها. ويمكن للفراشات الخطافية
أن ترى هذه الألوان المتألقة من على بُعدْ نحو 800 متر، حتى إذا كانت تطير وسط
الغابات الإفريقية الكثيفة النباتات والأشجار.
الصمام الإلكتروني.. الباعث للضوء
يقوم الباحثون
بدراسة الظواهر اللافتة للنظر لمختلف الكائنات الحية، وذلك للاستفادة
منها في ابتكار وتطوير أجهزة اصطناعية لخدمة البشرية. وهو ما يُطلق عليه
«محاكاة الطبيعة» أي تقليد الطبيعة. وبالنسبة إلى ظاهرة تألق أجنحة الفراشة الخطافية،
فقد استفادوا منها في ابتكار جهاز مفيد أطلقوا عليه «الصمام الإلكتروني الباعث
للضوء»، وهو الذي يضيء لك الساعة وشاشة الحاسوب (الكمبيوتر) والتلفاز (التلفزيون)، وكذلك
يستخدم هذا الجهاز في إضاءة إشارات المرور الإلكترونية والأضواء الخلفية
الحمراء للسيارات وعربات السكك الحديدية وغيرها. ولعل أهم مكونات جهاز «الصمام الإلكتروني
الباعث للضوء»، هى تلك الأجزاء الدقيقة جدًا التي يطلق عليها «البللورات
الضوئية» - الشبيهة في تصميمها لحراشف الفراشة الخطافية - والتي توضع في أعلى
الجهاز على شكل شبكة، وتعمل على أن يكون الضوء المنبعث متألقًا. وهكذا يمكنك أن
تشاهد بوضوح الساعة وشاشة الحاسوب والتلفاز، وكذلك إشارات المرور والأضواء الخلفية
الحمراء للسيارات وعربات السكة الحديد وغيرها. وباستخدام «الصمام الإلكتروني
الباعث للضوء»، يسعى العلماء إلى تطوير المصباح الكهربائي التقليدي بآخر أكثر
تقدمًا وكفاءة. والمصباح الجديد يرسل ضوءًا أقوى من المصباح العادي بشكل كبير،
كما أنه يمكن أن يستمر في الإضاءة مدة تصل إلى نحو مائة ألف ساعة، وهي تزيد بآلاف
المرات على المصباح الكهربائي التقليدي، كما أنه سيقتصد في استهلاك الطاقة. إذ
إن المصباح العادي الحالي لا يستخدم إلا نحو 5 % فقط من الطاقة التي تمر به، والباقي
يتشتت في شكل حرارة، أي أن 95 % من الطاقة تُهدر، أما في حالة مصباح الصمام الإلكتروني
(المصباح الجديد)، فإن الطاقة سيستفاد منها بالكامل، ومن ثم تُستغل الطاقة
أفضل استغلال.
تابعونا على الفيس بوك وتويتر
مواضيع
تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات
معبرة وقصص للأطفال
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق