إننا نربي أنفسنا ونحن نربي أبناءنا!!
لا عجب في ذلك،
فكثير من العادات السيئة التي كنا نفعلها في السابق أصبحنا نبتعد عنها خشية أن يقلدها أبناؤنا، ولِمَ لا
والصغير قابع ينظر إليك ويحاكي ما يراه.
مَشَى الطاووسُ يومًا باعْوجاجٍ فقـلدَ شـكلَ مِشـيتهِ بنـوهُ
فقالَ: علامَ
تختالونَ؟ قالــوا بـدأْتَ بـه ونحـنُ
مقلِّـدوهُ
فخالِفْ سَيْرَكَ
المُعْوَجَّ واعْـدِلْ فإنَّـا إنْ
عَـدلْتَ مُعَـدِّلُـوهُ
أمَا تدري أبانـا
كـلُّ فــرعٍ يجـاري بالخُطـا مـن
أدبوهُ؟
وينشَأُ ناشـئُ
الفتيـانِ منـَّـا علـى ما كـان عـوَّدَه
أبُـوهُ
والمضحك -وشر
البلية ما يضحك- أن يطالب الأب الابنَ بعدم الكذب، ثم يخبره أن يقول لمن يتصل به
إنه في الخارج، وهو في الحقيقة يشاهد التلفاز بالداخل، أو ينهاه عن النميمة وهو يراه ينال الناس
بلسانه، أو يعطيه محاضرة عن أضرار التدخين، ثم يطالبه بأن يشتري له علبة سجائر، ورغم تشديد الله
عز وجل في إتيان الرجل ما ينهى عنه بقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا
لاَ تَفْعَلُونَ). فإنا -بقصد أو بدون قصد- نقوم بهذا السلوك الشائن غير عابئين بأضراره
وآثاره، يقول د. مصطفى السباعي: "الولد
مفطور على حب التقليد، وأحب شيء إليه أن يقلد أباه ثم أمه، فانظر كيف يراك في
البيت معه ومع أمه، وكيف يراك في المعاملة معه ومع الناس".
فقدرة الطفل
على الالتقاط -الواعي وغير الواعي- كبيرة جدًا، أكبر مما نظن عادة، ونحن ننظر إليه على أنه
كائن صغير لا يدرك ولا يعي، نعم.. حتى وهو لا يدرك كل ما يراه فإنه يتأثر
به كله! فهناك جهازان شديدا الحساسية في نفسه، هما جهازا الالتقاط والمحاكاة. وقد يتأخر
الوعي قليلاً أو كثيرًا، ولكن هذا لا يغير شيئًا من الأمر، فهو يلتقط
بغير وعي، أو بغير وعي كامل، كل ما يراه حوله أو يسمعه.
والعادة السيئة
التي يلتقطها الطفل من أحد والديه، حتى وإن لم يفعلاها أمامه سوى مرة واحدة، كافية لأن تزرع
فيه معنى سيئًا لا يتناساه بسهولة.
مرة واحدة يجد
أمه تكذب على أبيه، أو يجد أباه يكذب على أمه، أو أحدهما يكذب على الجيران.. مرة واحدة
كافية لتدمير قيمة (الصدق) في نفسه، ولو أخذا كل يوم وكل ساعة يرددان على سمعه النصائح والمواعظ
والتوصيات بالصدق!.
مرة واحدة يجد أمه
أو أباه يغش أحدهما الآخر أو يغشان الناس في قول أو فعل.. مرة واحدة كفيلة بأن تدمر قيمة
(الاستقامة) في نفسه، ولو انهالت على سمعه التعليمات!.
مرة واحدة يجد
في أحد من هؤلاء المقربين إليه نموذجًا من السرقة، كفيلة بأن تدمر في نفسه قيمة (الأمانة).. وهكذا
في كل القيم والمبادئ التي تقوم عليها الحياة الإنسانية السوية.
والأحرى بصاحب
الهمة العالية الذي يريد أن يرى ولده متميزًا أن يعوده عادات العظماء، وهذا لن يحدث
إلا بأن يتمثل الأب تلك الصفات، فيراها الولد ماثلة في واقعه فيحاكيها، فلا يقول إلا ما يعتقد،
ولا يعتقد إلا ما يقول، ولله در الرافعي إذ يقول: "رؤية الكبار
شجعان هي وحدها التي تخرج
الصغار شجعان، ولا طريقة غيرها في تربية شجاعة الأمة".
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق