قصة وعبرة

الأربعاء، 13 فبراير 2013

• قصص الأطفال: وجهُ الثور


        
          يحكى أن ملكاً كانَ لديهِ ثلاثةُ أبناء. وفي يومٍ جمعهم وقالَ لهم:
          - يا أبنائي أخرجوا للدنيا وفتّشوا فيها عن زوجاتٍ لكم، ومَن سيأتي بأجمل زوجة سيكون له حكم المملكةِ.
          انصرفوا كلُّهم، وعثر الإبنان الأكبر مباشرةً على فتاتينِ شديدتي الجمالِ، لتكونا زوجتين لهما، إحداهما كات ابنةً لخبازة، والثانية ابنة لحداد. أما الشابُ الأصغرُ والأكثرُ شباباً، فسرح في البلادِ يبحثُ لكنه لم يعثر على الزوجةِ التي تمناها.
          وفي يومٍ، وعندما كان يجولُ باحثاً في الباديةِ، أحسّ بإرهاق شديدٍ فنزل من فوق حصانِه، وفي الظلِّ، استلقى ليستريحَ. وساعتها وقع نظرُهُ على دارٍ عاليةٍ، لكن ليس لها أي باب، وليس لها سوى نافذةً في الطابقِ الأعلى. استمرَّ في مكانِهِ وقتاً طويلاً يراقبُ الدارَ حتى رأى امرأةً عجوزاً تقتربُ نحو الدارِ، ولما وصلت قربَ الحائطِ، خبطت عليه وهي تنادي:
          - أرثيلو، أرثيلو.
         
أنزلي لي شعرك.
         
تحت، هنا، بسرعة.
         
فأنا أريد أن أصعد حالاً.
          وعندئذٍ تراءى له وجه فتاة فائقةِ الجمالِ وضفيرتها تنزل بالغة الطولِ إلى أن لمست الأرضَ، حتى أنه وقفَ مذهولاً أمام جمالها. والمرأة أمسكت بها كما لو أنها تمسكُ بقوّةٍ بحبلٍ، وأخذت تصعدُ عليها حتى وصلت إلى النافذة، ومنها دخلت الدار، وبعد وقت قصير، عادت المرأةُ العجوزُ خارجةً من النافذةِ، نازلةً على الضفيرةِ نفسها. وأحبَّ الفارسُ أن يرى صاحبةَ هذه الضفيرةِ عن قربٍ، فاقتربَ من الحائطِ، وخبطَ عليه ونادى بهذه الكلماتِ:
          - أرثيلو، أرثيلو.
          أنزلي لي شعرك.
          تحت، هنا، بسرعةٍ.
          فأنا أريد أن أصعدَ حالاً.
          ونزلت الضفيرةَ من النافذةِ العاليةِ، وصعد عليها الشابُّ، وما إن رأى أمامَه أجملَ وجه في الدنيا حتى وقفَ مبهوتاً فاقدَ النطق، وتطلّعت إليه الفتاة وأطلقت تنهيدة طويلة كلها أسى:
          - اذهب يا سيدي من هنا، فأمّي يمكن أن تأتي، وهي امرأةٌ تمتلك القدرةَ على أن تسلّط عليكَ كل الشرورِ الموجودةِ في الدنيا.
          - لن أذهبَ إلا إذا أتيت معي، لأنني بك سأفوزَ بمملكةِ أبي، وإذا رفضت سألقي بنفسي من علوِّ هذه النافذةِ.
          ونزلا على الحائطِ، ليهربا بأقصى سرعةٍ فوقَ الحصانِ الذي كان يستريح في الظلِّ، ولم يكونا قد ابتعدا كثيراً عندما سمعا الصوت:
          - قفي، قفي أيتها البنت القاسية، قفي ولا تتركيني وحيدةً في هذه الدنيا. ولما لم تلتفت إليها البنتُ وهي تواصل هربها مع الأميرِ، نادت عليها العجوزُ:
          - على الأقل التفتي إليَّ، انظري وراءك لكي تنالي المباركة من أمك. وما إن التفت إليها الفتاة حتى قالت لها في وجهِها:
          - أصب عليك لعنتي وعلى هذا الوجهِ الجميلِ الذي أدعو عليه بأن يتحوّل إلى وجهِ ثورٍ.
          وما إن وصلَ الأميرُ إلى البلاطِ حتى انفجروا كلهم ضاحكينَ عليه وعلى هذه المخلوقةِ البشعةِ التي تثيرُ الفزع، دون أن يعرفوا ما الذي جرى له حتى يقعَ في حبِّ مخلوقةً شديدةَ القبحِ مثل هذه لا تثير سوى الرغبةِ في الفرارِ منها.
          حكى الأميرُ عن مصيبتِهِ معها لأخويهِ، لكن أحداً منهما لم يصدّقه. وها هو يقترب جداً اليوم الذي يجب فيه على الأخوةِ الثلاثةِ أن يقدموا زوجاتَهم المصونات أمامَ البلاطِ، حتى يقرّروا أي واحدة من الثلاث هي أكثرهن جمالاً، وبالتالي مَن مِن الأمراءِ سيؤول إليه حكم المملكةِ.
          وتألمت الملكةُ بشدةٍ لما جرى لابنها، فقررت أن تؤجّل الحفلةَ، لترى إن كانت المرأة العجوز، مع الوقت، ستغفر لابنتها وتعيد لها جمالَها.
          لذلك قالت الملكةُ إنها تريد من كلِّ واحدةٍ من زوجاتِ أبنائها الثلاث أن تطرز لها منديلاً.
          ابنة الخبازة، وابنة الحداد لم تكونا تعرفان التطريزَ، وحاولتا كسب رضا الملكةَ بأن تبحثا عمَن تقوم بعمل التطريز لهما. أما تلك التي لها وجه ثور، فقد انخرطت في البكاءِ، وظلّت تبكي لوقتٍ طويلٍ حتى ظهرت لها العجوز أمها  لتقول لها:
          - لا تؤلمي نفسك بالبكاءِ أكثر من هذا، ففي اليوم الذي سيكون عليك أن تقدمي المنديل المطرّز للملكة، سأكون أنا قد أتيت لك به.
          ولما جاء اليوم، سلّمتها العجوز حبّة عين جمل صغيرةٍ جداً، ذهبت بها الشابة التي لها وجهُ ثور إلى الملكةِ وقدمتها لها وهي تقول: ها هو المنديل. فتحت الملكةُ عين الجملِ نصفين، وبقيت مذهولةً من كونِها ترى أجملَ وأرقَّ نسيج مطرّزٍ بالزهورِ، والأغصانِ والطيورِ.
          وحلّ يومُ الحفلةِ التي ستحضرها زوجاتُ أبناء الملك الثلاث أمامَ البلاطِ لتحديدِ الأجمل منهن. وانخرطت الشابّةُ التي لها وجهُ ثورٍ في البكاء، وظلّت تبكي حتى ظهرت لها أمُّها العجوزُ مرةً واحدةً وقالت لها:
          - لا تبكي أكثرَ من ذلك، فأنا جئتُ لك هنا بفستانِ الحفلةِ. وبسطته، كان مطرزاً كلّه بخيوطٍ من الذهبِ وبالأحجارِ الكريمةِ، ولبسته الابنة، لكن بينما كان الفستانُ رائعَ الجمالِ، رأت وجهَها بالغَ البشاعةِ، فانخرطت في البكاءِ الذي أخدَ يتزايدَ أكثر فأكثرَ.
          ولما كان جميعُ المدعوين للحفلِ قد دخلوا إلى القاعةِ ولم يتبق لبدء الحفلِ إلا هي، قالت لها المرأةُ العجوزُ:
          - الآن، يمكنك أن تذهبي إليهم.
          أطاعت الابنةُ، لكنها مضت وهي حزينةً جداً من أن يروها مثيرةً للفزعِ بشكلِها هذا.
          وعندما صارت في نهايةِ ممرِّ القصرِ وقبل أن تنحني إلى مدخلِ القاعةِ، نادت عليها أمُّها التي كانت على مبعدةٍ وراءها وقالت لها:
          - انظري وراءك.
          وما إن التفتت إليها بوجهها حتى أضافت:
          - إنني أعيد لك جمالَك، لكن لا تنسي أن تضعي في كُمّي الفستان كلَّ قطع الدهن التي يمكنك أن تحضريها إليّ.
          وعندما دخلت الشابةُ وذراعها في ذراعِ زوجِها إلى القاعةِ، وقفَ كلُّ الحاضرين فيها مبهوتين من هذا الجمالِ الذي فاقَ كل تصوّر. وأعلن البلاطُ كلُّه أنها بلا جدال الأجمل في الثلاثِ، ثم قادوهنَّ إلى المائدةِ الرئيسيةِ في الوليمةِ. وبينما كنَّ يتناولن الطعامَ، لم تفعلْ الفتاة الأجمل سوى أنها كانت تجمعُ وتحتفظُ بقطعِ الدهنِ في كمَّيْ فستانها، أما الأخريتان فكانتا تنظران إليها وهي تفعل ذلك، وحاولتا أن تفعلا مثلها، وقد فكّرتا بأن هذه هي الموضةِ، وما أن انتهين من المأدبةِ حتى بدأت حفلةُ الرقصِ، وبعدها بلحظاتٍ لاحظت الملكةُ أن أرضيةَ القاعةِ ملوثةٌ كلها بالدهنِ، الذي تتزلق عليه أقدام الراقصين كلهم. وسألت وهي تتميز من الغيظِ:
          - من لوث أرض القاعةِ بهذه القاذوراتِ؟ فقالت العروستان الأخريتان لها إنهما رأيتا الأميرةُ وهي تفعلُ ذلك ففعلتا مثلها.
          وبدأت كلَّ واحدة منهما تخفي كميّ فستانها، أما الأميرةُ الأجملُ، فقد بدأت تتساقطُ من كميها لآلئ، وماسات تختلط بها الزهور. احمرَّ وجه الأخريتان خجلاً وخرجتا تجريان نحو السلّم.
          أما التي كانوا يطلقون عليها وجه الثورِ فقد صارت ملكةً، لأن الملك العجوز قدم التاجَ بنفسِهِ إلى ابنهِ.

هناك تعليق واحد:

  1. انها حكاية جميلة جدا لكنها نتاع لولاد صغار

    ردحذف