عَبْدُالله صَبيّ
فِي السّابعَةِ، لَمّاحْ وَذَكِي لَكِنّهُ يَشْعُر أَنّه مِثْل
نَخْلَةٍ وَحِيْدَة مَزْرُوعَة بصحرَاء شَاسِعَة.. لاَ يُصَادِق غَير نَفْسه..
يَتكَوّم عَلَى حُزنِه مِثْل طَائِر مَالِك الحَزينْ.. لَيس لَدَيهِ أَصْدِقَاء..
فَكَّرَت
أُمّه كَثِيرًا فِي حَالَتِه. فَهُو قَلِيل الكَلاَم وهَادئ الطّبَاع ، لاَ
يُثِيرُ أَي شَغَب وهو َمُسَالِم جدًا، لَكِنَّهُ لاَ يُصَادِق إلاَ دَبْدُوبه
الذي أَطْلَقَ عَلَيهِ اِسْم «فارس» يصحبه فِي كُلّ مَكَان حَتّى فِي مَدرَسَتِه،
يَضعه في الحَقِيبَة، لاَ يَتْرُكه أَبَدًا.. أَصْبَحَ مِثْل ظِلِّهِ، حَتّى
حَدَثَ ذَاتَ يَومٍ أَن اِخْتَفَى «فارِس» مِن الحَقِيبَة.. ذَهَبَ عَبْدالله
إِلَى أُمّه وَالأسئِلَة تَقْفِزُ مِنْ عَينيه وَالحُزن يُطِلّ مِن مَلاَمِحِه
الدقِيقَة.. قَالَت الأم: مَا الأمْر؟ مَاذا حَدَث؟
أشَار عَبدالله
إلَى الحَقِيبَة.. لَكِن أمَّه أَصَرّتْ أَن يُسْمِعهَا
صَوتَه الجَمِيل.. نَظَرَ لِلأَرضِ فِى خَجَلٍ وظَلَّ يَبْكِي سَاعَةً كَامِلَةً
فِي صَمْتٍ وأمّه تَربت عَلَى كَتِفِه مَرةً.. وَمَرةً أخرَى عَلى يَدِه، وَتُخبِره
أنَّهَا تُرِيد أَن تَسْمَع منه شَكْوَاه.. وأَخِيرًا نَطَق عَبدالله، وأخبَرَهَا
بضَيَاعِ صَدِيقه الوَحِيد فارِس..
فقَالَت الأُم:
رُبّمَا ضَاعَ مِنْكَ فِي المَدْرسَة! لِم لاَ تَبْحَث عَنْه هُنَاكْ؟
بَكَى عَبدالله
مرّةً أُخْرَى وأدْرَكَت الأُم أنّه يَخْجَل مِن سُؤَالِ
زُملاَئِه بالمَدْرَسَة.. فأشَارَتْ عَلَيِه أَنْ يُجَفّفَ دمُوعَه وَيتغَلَّب
قَليلاً على خَجَلِه، وَيبحَث بنَفْسِه عَن دُبّه المَحْبُوب في المَدرسَة.
تَغَلَّبَ
عَبدالله عَلَى خَجَلِه وَأَخَذَ يتحَدّث مَع زُمَلائِهِ .. أَحَدُهم
سَألَه عَن لَونِه فَأجَاب: دُبِّي لَونُه بُنّي غَامِقْ.
وَسَألَه آَخَر
عَنْ حَجْمِه فَقَالَ: لايزَال صَغِيرًا .. يَنَام فِي حِضْنِي
وَأَخْشَى عَليه مِن البَرد وَألفّه بالغِطَاءِ أَيضًا.
وَتَقدّم ثَالِث
يَسأَله: هَل يَعرِف دُبَك اِسْمه؟ وَهَل يَعْرِف عُنْوَان
البَيْت؟
قَال عَبدالله:
إننِي أَدعُوه فَارِس، وبالتأكِيد هُو يَعْرِف اِسمَه وَعُنْوَانَ
البَيتِ.. فَهُو يُصَاحِبُنِي مُعْظَمْ الوَقْتِ.
تَعَاوَن
زُمَلاؤه مَعَهُ لِلبَحْثِ عَنْ الدبّ.. تَحْت المقَاعِد..
وَفَوقَهَا.. فِي الممرَّاتِ المُتَعددَة بالمَدْرَسَة حَتّى وَصَلُوا إلى
فنَاء المَدْرسَة.
قَالَ أَحدُهم
مُدَاعِبًا: رُبّمَا تَسَلّق الشجرَة كَي يَبحثَ عَن عَسلْ.
فضَحِكَ
الجَمِيعُ وَقالُوا: إنَّهُ مَصْنُوعٌ مِن القُطْنِ.
غَضَب عَبدالله
مِنهُم وَظنّهُم يَسخَرُون مِنه، لَكِنَّهُم اِعتذَرُوا لَهُ
وَواصَلُوا البَحْثَ عَن صَدِيقِه الدُّبْ، وَلَمّا تَعِبُوا مِنَ البَحْثِ،
جَلَسُوا تَحت الشَّجَرَةْ وَالتَفّوا حَولَ عَبدالله الذِي شَعَرَ لأِولِ
مَرّة أَنّهُ لَيْسَ نَخلة وَحِيدَة بصَحرَاء شَاسِعَة صَفْرَاء.. إنّه الآن
بَيْن أَصْدِقَائِه يَتَنَاوَلُون شَطَائِرَ الجبن وَالمربى وَيشربُون العَصَائِر
المُنعِشَةِ مَعًا وَيضحَكُون، وَقَدْ اِتّفَقُوا أن يُشَارِكَهم فِي مُبَارَاةِ
كُرَةِ القَدَمِ المُقْبِلَة.
ولَمّا عَادَ
لِلبَيْتِ وَجَدَ دُبَّه يَنتظِرَه فِي مِقْعَدِه المُفَضل..
فَفَرِحَ بهِ وَأُمّه أَيْضًا فَرِحَتْ وَقَالَت لَه ضَاحِكَةً:
كَانَ يَختَبئ
مِنْكَ.. يَبدو أنّ حَرَارَتَه كَانَت مُرتَفِعَة وَلم يُرِد الذّهَاب
للمَدرَسَة وَهُو مَريض فَاخْتَبأ تَحْت السرِير.
ضَحِكَ عبَدالله
وَأدْرَكَ أَنّ أُمّه هِي مَن فَعَلَت كُلّ هَذَا، وَشَكَرَهَا
وَهُو يُقَبِّل يَدَهَا.
إقرأ أيضًا
30 نصيحة لتحسين الذكاء عند الإنسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق