إنه لمن الصعب أن تكون أباً وخاصة في
اللحظات التي تشعر من خلالها بأنك عاجز، وغير قادر على مد يد العون إلى طفلك الذي يعاني
مشكلة ما، كمشكلة (التلعثم) أو)التأتأة(.
يحاول
الطفل قول كلمة، ثم يحاول مرة أخرى... وقد يكرر الحرف الأول أو الكلمة وقد يكون هناك صمت
لعدة لثوانٍ عدة. فماذا يعني التلعثم؟
تعاريف
عدة تناولت هذا المصطلح وأجمع العديد من الدراسات على أن التلعثم هو التحدث بتقطع غير
طوعي أو احتباس في النطق ترافقه إعادة متشنجة أو إطالة للمخارج الصوتية.
وأشارت
بعض الدراسات إلى أن التأتأة (STUTTERING) أو الفأفأة (STAMMEVING) ككلمتين مترادفتين تشيران
إلى أن هناك اضطراباً في الإيقاع الصوتي لدى الطفل، بحيث لا يكون انسياب
الحديث متصلاً.
بعض
أشكال التلعثم يكون شائعاً ومؤقتاً بين صغار الأطفال، ويُدعى التلعثم التطوري ويظهر عادة
ما بين سن الثالثة والرابعة من العمر ويستمر لعدة أشهر فقط.
ويبدأ
التلعثم المعتدل في عمر 6-8 سنوات، وقد يستمر لمدة سنتين أو ثلاث سنوات أما التلعثم
الدائم فيبدأ ما بين سن الثالثة والثامنة ويستمر هكذا إلا إذا عولج بأسلوب فعّال. أما
التلعثم الثانوي (SECONDARY)، فيشير إلى صراع حقيقي مع الكلام، وهو مؤشر للحاجة
الفورية الى العناية المتخصصة، ومن علاماته ظهور تكشيرات في الوجه وحركات في الذراع
أو الساق، ورمش في العينين أو تنفس غير منتظم.
ويعتبر
التلعثم الذي يظهر بعد سن الخامسة أكثر خطورة من التلعثم الذي يظهر في سن أبكر.
ويظهر
التلعثم في معظم الأحيان ما بين سن الثانية والخامسة، وهناك بضعة ملايين من الأطفال في
عمر ما قبل المدرسة يتلعثمون، أي حوالي 4% من مجموع أطفال هذه الفئة العمرية،
ومع وصول سن المدرسة فإن 1%-3% تقريباً من الأطفال يتلعثمون، وحوالي 1% من
مجموع الراشدين يتلعثمون.
معرفة الأسباب
من
المهم جداً أن يكون الأبوان على دراية تامة بالأسباب المؤدية إلى التلعثم لكي يكونا قادرين
على القيام بدورهما على أكمل وجه. ولقد أشارت الدراسات إلى أن هناك العديد من
الأسباب المؤدية إلى التلعثم ومن أهمها:
1)
الأسباب العضوية
هناك
اعتقاد شائع بأن التلعثم ينتج عن استعداد وراثي، كما أن هناك سبباً عضوياً مباشراً
للتلعثم يعتقد بأنه خلل في الإدراك السمعي حيث يتلقى الأفراد معلومات مرتدة خاطئة أو
مضللة عن حديثهم الخاص. إحدى النظريات ترى أن التلعثم هو اضطراب في الكلام له أساس
عصبي ناتج عن عدم تطوير الهيمنة الدماغية المناسبة، حيث لم يطور أحد نصفي الدماغ
التأثير اللازم للحديث المنساب.
وهناك
سببان عضويان آخران يمكن اعتبارهما من النوع النفسي الجسمي وذلك بسبب تأثير العوامل النفسية
على الآلية العضوية لإنتاج الكلام. وهناك اعتقاد حديث ولكن لا يتمتع أو بالأحرى لم
ينل القبول الواسع بين المختصين يقول بوجود منعكس غير ملائم تفتح خلاله الحبال
الصوتية قبل البدء في الكلام بدل أن تبقى معاً في حالة ارتخاء، فقد يكون طفلك من
أولئك الأطفال الذين يتوقفون عن الكلام فترتخي الأوتار الصوتية، أو من أولئك
الأطفال الذين يغلقون حبالهم الصوتية فتقفل مما يجعل النطق صعباً جداً، وهذه النظرية
تقول إن مقاومة الفرد للإغلاق العضوي للحبال الصوتية هو الذي يؤدي إلى التلعثم.
2)
رد فعل للضغط والتوتر
هناك
العديد من المواقف التي تثير القلق لدى طفلك والتي تسهم بشكل ما، وتؤدي إلى التلعثم. فالجدال
العنيف والعقيم والمستمر بين الأبوين يعتبر سلوكاً مقلقاً جداً للطفل.
وأشارت
الدراسات إلى أن مستوى عالياً من التوتر المستمر يؤدي إلى التلعثم، فالطفل الذي يتكلم
بشكل طبيعي سيتلعثم إذا كان قلقاً جداً أو متوتراً، وفي حال وجود ميل للتلعثم ستزداد
المواقف المثيرة للقلق وتزيد التلعثم سوءًا، لأن القلق يفقد الطفل المعرض للتلعثم
السيطرة على التوازن الدقيق للعضلات التي تتحكم بالكلام. إضافة إلى أن التوتر
المتواصل كثيراً ما يؤدي إلى ما يعرف بالقلق التوقعي حيث يخاف الطفل مما سيحدث عندما يتكلم،
فيتوتر ويتلعثم، فتصدق مخاوفه وتصبح أقوى، وقد يكون القلق التوقعي ناتجاً عن
الرغبة في الكلام بشكل سريع، إذ إن خوف الطفل يبدو بطيئاً أو بليداً إضافة إلى خوفه من
انتقاد الآخرين (أخوته، زملائه..) يمكن أن يخلق لديه توقعاً بأنه لن يتكلم بشكل
جيد وهذا بدوره يؤدي إلى الكلام المتوتر المتلعثم.
ومن
مصادر التوتر والقلق الأخرى الإجهاد وعدم الاستعداد والإكراه على التغيير، فالشعور بالتعب
يزيد من نوبات التلعثم، وأي جانب من جوانب الضعف من ناحية أخرى يظهر بسهولة أكبر في
حال الإجهاد الذي قد ينتج عن القيام بالكثير من النشاطات العضلية، أو سوء التغذية، أو
عدم الحصول على الراحة الكافية، أو التوتر الانفعالي الشديد، وبالتالي عندما يكون
الطفل غير مستعد من الناحية العاطفية لمواجهة بعض المواقف، قد يكون التلعثم هو
الطريقة الوحيدة التي يعبر من خلالها عن شعوره بالخوف وإحساسه بأنه مرفوض. وعلى
سبيل المثال: إذا مرض الطفل فترة من الزمن، فإنه يتلعثم أثناء حديثه عند حلول وقت
عودته إلى المدرسة، لأنه سيواجه زملاءه من جديد وشعوره بأن أداءه أمامهم يثير القلق
لديه وبالتالي يظهر لديه عدم استعداده لذلك من خلال زيادة شدة التلعثم.
ولابد
لنا من الإشارة إلى نقطة مهمة مؤداها أن إرغام طفلك على تغيير نمط كان اعتاد عليه يمكن أن
يؤدي إلى التلعثم، والمثال الشائع على ذلك: عندما يُرغم الطفل الأعسر على استخدام
يده اليمنى، فهو في هذه الحال يعتقد أنه بالإضافة إلى التوتر فإن جزء الدماغ
المسيطر على اليد المفضلة هو أيضاً مسئول عن الكلام، وبالتالي فإن التلعثم ينتج
عن التوتر النفسي والتداخل العصبي.
3)
التعبير عن الصراع
اعتُقد
لسنوات عدة خلت أن التلعثم ينتج عن الصراع في التعبير عن الرغبات وخاصة في مرحلة
الطفولة، حيث يفترض أنه لدى الأطفال مشاعر قوية لا يستطيعون التعبير عنها بسبب ردود فعل
الأبوين السلبية.
الدراسات
التي أيدت ذلك قليلة غير أن العديد من الأخصائيين يرون أن هذا هو أحد أسباب التلعثم
ويذكرون أن تخلص الطفل من التلعثم في مثل هذه الحالة يكون من خلال مساعدته على التخلص
من الصراع.
وقد
ينتج الصراع النفسي لدى طفلك من خلال خبرات مؤلمة مرّ بها، فعندما يشاهد حال وفاة أو عنف أو
مرض خطير، فقد يشعر بصراع عنيف حول سلامته وقدرته على التكيّف، وقد يستمر وفقاً
لذلك شعوره بأنه ممزق عاطفياً بسبب مشاعره المتناقضة، فقد تكون لديه الرغبة الشديدة في
ممارسة بعض التمارين الرياضية التي تتطلب العنف ولكنه يخافها لكي لا يصاب بأذى.
ويمكننا
القول هنا إن معاناة طفلك المستمرة من المشاعر المتناقضة قد تؤدي إلى التوتر والتلعثم في
الحديث.
طرق الوقاية
بعد
أن تناولنا بدقة معنى التلعثم وأسبابه لابد من الإشارة إلى أهم الطرق التي يمكنك أن تساعد
طفلك من خلالها على تجاوز مشكلة تزعجه كالتلعثم.
·
علّم طفلك تقبّل الكلام وعزّزه
ينبغي
ألا تجبر طفلك على تعلم الكلام أو أن يتحدث عنوة إلا إذا أدركت أنه بدأ يتقبل الكلام ولديه
مبادرة في الحديث، وفي هذه الحال عليك أن تشجعه وتحثّه على الكلام، وكلما تمكن من
ذلك من الأنسب أن تعزز قدرته تلك بمكافأة مادية كالقيام بنزهة أو شراء لعبة يحبّها.
ويمكنك
أن تقوي عضلات النطق لديه بأساليب عدة مثل: نفخ البالون، ومن ثم عن طريق الهمس والغناء
وذلك في مرحلة متقدمة.
ومن
الأنسب أن تعلم طفلك منذ سن الثانية الأصوات الكلامية وأن تقوي وتشجّع التطور اللغوي بأسلوب
مشبع باللعب، ومن المهارات التي يمكنك الاعتماد عليها في مثل هذه الحال (الكتاب
المصوّر) فتقوم بقراءة الكلمات وتطلب منه أن يشير إلى الصورة الصحيحة للكلمة، وبعد
ذلك تطلب منه العكس بحيث يقوم بقراءة الكلمات وتقوم أنت بالإشارة إلى الصورة
الصحيحة.
نشير
هنا إلى أن الطفل قد لا يركز انتباهه كثيراً، ففي مثل هذه الحال عليك بالتوقف فوراً، لأنه لا
يمكن الاستهانة أبداً بقوة تأثير الاقتران المبكر بين الحديث والخبرات الإيجابية
السارة، بل على العكس تماماً فإن محاولات تحسين الكلام المشبعة بالقلق قد تؤدي إلى
التوتر والتلعثم، فالكلام ينبغي أن يكون خبرة ممتعة مصحوبة بمشاعر الفخر
والإنجاز مع نمو الطفل.
· الجو الهادئ المليء بالتقبل
والانسجام
إن
الجو الأسري الهادئ نسبياً المدعم عاطفيا يعتبر جواً مثالياً للوقاية من نشوء مشكلة تزعج
طفلك كمشكلة التلعثم، وعلى أي حال، فمن الضروري توفير مثل هذا الجو لطفلك في حال
ملاحظتك له وأنه بدأ بالتلعثم بشكل مستمر، لأن الطفل المتوتر أو شديد الحساسية
يكون أداؤه أفضل بكثير في جو هادئ، ومن المفيد جداً أن تقلل التشوش وأن تعطي طفلك
بعض الشعور بالأمن، لأن الكلمة الهادئة والمقترحات المحددة تساعده كثيراً.
وفي
جو المنزل من المهم جداً أن يتأكد الوالدان أن الانسجام يسود جو أسرتهما، ولذلك عندما يحدث
جدال أو عدم اتفاق يجب أن يشعر الطفل بأن هذا أمر طبيعي ومن السهل السيطرة عليه.
إن
تقديم جو هادئ لطفلك من الأفضل أن يبدأ في سن مبكرة جداً. ومن المهم جداً بأن تتمتع
بالهدوء والاسترخاء، وأن تخطط بشكل هادئ كيف ستخدم طفلك أو تربيه، إذ إن التدريب المبكر
القائم على الغضب والتوتر يؤدي إلى العديد من الصعوبات وتكون النتائج عكسية تماما،
فإذا كان طفلك حساسا فقد يصبح طفلاً يعاني التلعثم، في حين أن تأمين الجو المتناغم
الهادئ يؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج أكثر إيجابية. ولابد من أن نذكّر
الأبوين بنقطة مهمة مؤداها: إذا بدأ طفلهما بالتلعثم بشكل بسيط، فإن الوقت قد حان
لتضافر كل الجهود من قبلهما لإظهار التقبل والحنان وعدم الانزعاج، وأن ينظرا
إلى التلعثم على أنه حال مؤقتة لابد من التعامل معها بأسلوب هادئ جداً، ويجب ألا
يشعر طفلك بأنه متوتر ومتضايق لأن ذلك مزعج بالنسبة له، والأنسب تجاهل المشكلة
والتركيز على جعل عالم الطفل آمناً وممتلئاً بالبهجة والسرور.
· خفض التوتر لدى الطفل وتنمية
شعوره بالكفاءة
تقي
تنمية الكفاءة من حدوث التلعثم وتكون ضرورية جداً وخاصة إذا كانت حالة التلعثم بسيطة. ولهذا
عليك أن تعلم طفلك أن يكون حسّاساً اجتماعياً وأن تبين له كيف يمكنه الانسجام مع
أقرانه، فأثناء وجوده معهم عليك أن تراقب سلوكه فإذا ما تصرف بشكل غير مناسب فعليك
التدخل وتدريبه على التصرف بشكل مناسب. ومن الأساليب المساعدة لتحقيق ذلك عليك أن
تلعب مع الطفل ألعاباً وركز على السلوك الاجتماعي المناسب لديه وامدحه، والهدف
من ذلك أنك قادر عن طريق اللعب على أن تجعله يشعر بالثقة أثناء اتصاله مع
الآخرين.
أشارت
بعض الدراسات الحديثة إلى أن التلعثم ولو كان بسيطاً يؤدي إلى شعور الطفل بالاختلاف وعدم
الكفاءة، وهنا لابد من مساعدة الطفل على الشعور بالاسترخاء والإحساس بأنه
ماهر اجتماعياً.
ومن
الأنسب جداً اكتشاف سبب التوتر لدى الطفل ثم العمل على تخفيضه قدر المستطاع، وإذا اكتشفت أن
طفلك يشعر بعدم الراحة ولا يعرف كيف يتصرف مع الآخرين فعليك أن تساعده على التعلّم
فوراً واستخدم في ذلك أسلوب لعب الدور حيث تتصرف أنت مثل الطفل، من أجل أن يمارس
طفلك التفاعل في موقف متخيل، خال من الضغوط، ويؤدي التكرار إلى خفض القلق
وتحسين المهارات الاجتماعية في آن واحد.
ومن
الأساليب أيضا: شجّع طفلك على التعبير عن مشاعره واهتماماته عند وقوع أحداث مؤلمة، وقدم له
التعاطف والتطمين، ولا تصحح له أي تلعثم وإنما خفّض التوتر لديه بالقيام بنشاطات
ممتعة. أي عليك ألا تعمل على زيادة توتر طفلك بانتقادك له لعدم قيامه بضرب خصمه أو
لأنه شعر بالخوف مثلاً، لأن مهمتك هي أن تنمّي شعور طفلك بالكفاءة بمساعدته على
اكتشاف أفضل الطرق لمعالجة المواقف الصعبة.
وأخيراً
ينبغي عدم استعجال بطيئي الكلام، فالصبر وخفض التوتر مفيدان. ولا تصحح النطق بجعل الطفل
يعيد كلمة أو جملة مرة أخرى، لأن ذلك يزيد الشعور بالارتباك. ولا تصرّ على
الطفل أو تضغط عليه للتحدث أو للقيام بأداء ما أمام الأصدقاء. فإذا لم يرغب
الطفل في إظهار مهاراته في الحديث، فلا تظهر أي مقدار من خيبة الأمل مهما كان صغيراً
أو كبيراً، وتذكر أن هدفك هو مساعدة طفلك لكي يشعر بالكفاءة وليس الإصرار على
السلوك الذي يرضيك.
وهكذا
ستجد أن مقدارا كبيرا من التوتر يمكن منع حدوثه باتباع هذه القاعدة البسيطة وبالتالي
مساعدة طفلك على تجاوز مشكلة التلعثم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق