في حديث الكثيرات من
الناشطات النسويات يتم ذكر «النظام الأبوي» باعتباره مسئولاً عن تأخر المرأة، وأن
محاولات النهضة، ومساعي التحرر، هي للخروج من عباءة هذا النظام، من أجل أن يتاح
للنساء مجال أوسع للعمل، وحقوق أفضل للحياة.
لا أحد يعرف متى نشأ هذا
النظام الأبوي، لكننا نتعرف على بداياته من خلال هذا الكتاب «نشأة النظام الأبوي»،
الذي حصل على جائزة جون كيلي سنة 1968، التي تمنحها الجمعية التاريخية
الأمريكية، وهو يُعد إنجازاً ضخماً في حقل دراسات المرأة. فهو إعادة بناء جذرية
للمفاهيم في الحضارة الغربية، ويجعل من الجنس، من حيث الذكورة والأنوثة، أساساً
لتحليله. يذهب إلى أن هيمنة الرجال على النساء ليست «طبيعية» أو بيولوجية، إنما هي
نتاج تطور تاريخي بدأ في الألفية الثانية قبل ميلاد المسيح عليه السلام في الشرق
الأدنى القديم.
يقول المترجم أسامة إسبر في
مقدمته إن الكتاب يركز على التناقض بين دور النساء المحوري في إنشاء المجتمع
ودورهن الهامشي، ويستقصي أسئلة مهمة مثل: ما الذي يُفسر عزل المرأة عن السيرورة
التاريخية؟ ما الذي يشرح التأخير الذي استمر أكثر من 3500 سنة في وصول النساء
لوعي خضوعهن، وموقعهن المتدني؟
المؤلفة هي غيردا ليرنر
(1920 - 2013)، وهي مؤرخة ومؤلفة وأستاذة جامعية، وهي تعود إلى ثقافات الحضارات
الأقدم المعروفة في الشرق الأدنى لكي تكتشف أصول استعارات الجنس الرئيسية للحضارة
الغربية، وعبر استخدام الدليل الأركيولوجي والتاريخي والأدبي تتعقب تطور هذه الأفكار
والرموز والاستعارات وإدخالها في الحضارة الغربية على أساس العلاقات بين الجنسين
والتي اتخذت طابعاً أبوياً.
يعد هذا الكتاب تأويلاً
مثيراً ومتحدياً للخضوع التاريخي للنساء، كما ذهب بعض النقاد، يمثل خطوة نحو
الأمام في النقد النسوي للصرح المعرفي البطريركي والكتابة حول النساء. وهو بالتالي
يفتتح من جديد فصلاً من تاريخ النساء ظن المؤرخون أنه قد أُغلق إلى الأبد، وهو
أصول الهيمنة الجماعية على النساء من قبل الرجال.
وتكتسب ترجمة كتاب نشأة
النظام الأبوي للمؤرخة الأمريكية غيردا ليرنر إلى اللغة العربية أهميتها من كون
هذا الكتاب يلقي الضوء على مسألة جوهرية تتعلق بخضوع المرأة، ليس في الغرب فحسب،
وإنما في الشرق أيضاً. فعبر تحليله لأصول وجذور هيمنة الرجال على النساء في النصوص
الأسطورية والدينية القديمة، يكشف أيضاً جذور تصنيع خضوع المرأة العربية، بالتالي،
فإن قراءة هذا الكتاب ستساعد المرأة العربية، في تحليل وتفكيك بنية النظام الأبوي،
الذي يهمشها ويلغي دورها ويُخضعها، حارماً المجتمع من نصف قوته الخلاقة. ذلك أن
المرأة العربية
لا تزال تكافح ضد النظام
الأبوي إلى الآن من دون أن تحقق انتصارات جذرية. ولعل هذا الكتاب سيلقي ضوءاً على
تعقيدات النظام الأبوي وهيمنته على المستويات كلها.
إن السجل المدون والمفسر
لماضي السلالة البشرية هو سجل جزئي فحسب، لأنه يحذف ماضي نصف البشرية، وهو مشوه،
لأنه يروي القصة من وجهة نظر النصف الذكري من البشرية فحسب. إن مواجهة هذه الحجة،
كما فُعل في غالب الأحيان، عبر إظهار أن مجموعات كبيرة من الرجال، وربما غالبيتهم،
حذفوا أيضاً من السجل التاريخي عبر التأويلات المسبقة لمفكرين يمثلون اهتمامات
نُخب حاكمة صغيرة، هي الهرب من السؤال. إن خطأ واحداً لا يلغي آخر، ويحتاج كلا
الخطأين المفهوميين إلى تصحيح.
والخلاصة هي أنه كما صعدت
المجموعات الخاضعة سابقاً، كالفلاحين والعبيد والبروليتاريا إلى مواقع القوة، أو
على الأقل دخلت في نظام الحكم، فقد صارت تجاربها جزءاً من السجل التاريخي، أي
تجارب ذكور مجموعاتهم، إلا أن الإناث، كالعادة، أُقصين. إن النقطة الأساسية هي أن
الرجال والنساء عانوا الاستبعاد والتمييز بسبب طبقتهم. إلا أنه لم يتم إقصاء أي
رجل من السجل التاريخي بسبب جنسه، كما حدث لجميع النساء.
أُبعدت النساء عن الإسهام
في صناعة التاريخ، أي من ترتيب وتأويل ماضي البشرية. وبما أن سيرورة منح المعنى
هذه جوهرية لإنشاء الحضارة واستمراريتها، نستطيع أن نرى، على الفور، أن هامشية
النساء في هذا المسعى تضعهن في موضع فريد ومنعزل. فالنساء هن الغالبية، ورغم ذلك
فقد صُنفن في المؤسسات الاجتماعية كما لو كن أقلية.
خضوع المرأة
تميل المؤلفة لاستخدام
مصطلح خضوع المرأة بديلاً عن اضطهادها، ويلقي الكتاب الضوء على مسألة جوهرية تتعلق
بخضوع المرأة وبينما ضُحي بالنساء ضحية بهذا، وبمظاهر كثيرة من خضوعهن الطويل
للرجال، فإنه خطأ جوهري أن نحاول تصور النساء في البداية كضحايا. ذلك أن القيام
بفعل من هذا القبيل يضفي ستاراً من الغموض على ما يجب أن يُفترض أنه حقيقة مقررة
حول وضع النساء التاريخي: إن النساء جوهريات ومحوريات لإنشاء المجتمع، فقد كن
ولايزلن فاعلات في التاريخ. فالنساء «صنعن التاريخ»، إلا أنهن أُبعدن عن معرفة
تاريخهن وعن تأويل التاريخ، سواء كان تاريخهن أو تاريخ الرجال.
لقد تم إقصاء النساء على
نحو ممنهج من مشروع إنشاء الأنظمة الرمزية، والفلسفات، والعلم، والقانون. ولم
تُحرم النساء من التعليم عبر التاريخ في المجتمعات المعروفة كلها فحسب، وإنما
استبعدن أيضاً من صياغة النظرية. وقد سميت التوتر بين تجربة النساء» التاريخية
الفعلية واستبعادهن من تأويل تلك التجربة بـ «جدل تاريخ النساء»، إن هذا الجدل دفع
النساء إلى الأمام في السيرورة التاريخية.
كان التناقض بين محورية النساء ودورهن الفعال في إنشاء
المجتمع، وهامشيتهن في سيرورة التأويل والتفسير المانحة للمعنى قوة دينامية، سبباً
في صراع النساء ضد وضعهن. وحين - في سيرورة الصراع، في لحظات تاريخية معينة - وعت
النساء التناقضات في علاقتهن مع المجتمع والسيرورة التاريخية، تم إدراكها عندئذ،
على نحو صحيح، وسُميت نواقص يتشاطرها النساء كمجموعة. إن هذا الذي دخل إلى وعي
النساء أصبح القوة الجدلية التي حركتهن إلى الفعل لكي يغيرن وضعهن، ويدخلن علاقة جديدة
إلى مجتمع يهيمن عليه الذكور. وبسبب هذه الأوضاع الفريدة، مرت النساء بتجربة
تاريخية مختلفة ومتميزة عن تجربة الرجال.
سناء محمود
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع
تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات
معبرة وقصص للأطفال
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق