قصة وعبرة

الاثنين، 24 فبراير 2020

• الموسيقى وتعليم المعوقين


أثر الموسيقى في الأجساد والنفوس مشهود، وها هو يمتد ليدعم تعليم الأطفال المعوقين.
لقد عُرف منذ زمن بعيد الأثر الإيجابي لاستخدام الموسيقى فـي الحالة الجسدية والعقلية العاطفية للإنسان، فمنذ زمن قديم استخدمت الموسيقى في العلاج، حيث أبيقور وأرسطو اعتبراها وسيلة فعالة في شفاء الروح والجسد، أما ابن سينا فقد اعتبرها الوسيلة الأقوى للوقاية من الخلل العصبي- النفسي.

من المعروف أيضًا أنه بمساعدة الموسيقى يسهل إقامة علاقات وتواصل بين الناس، حيث توصل الأطباء إلى أن المشاعر الإيجابية التي تثيرها الموسيقى تزيد من نشاط القشرة الدماغية، وتحسن من عملية تبادل المواد، وتنشط التنفس، والدورة الدموية. والإثارة العاطفية الإيجابية التي تحصل عند سماع معزوفات لطيفة تقوي الانتباه، وتنعش الجملة العصبية المركزية.
توجد معطيات تظهر الأثر الإيجابي لمقطوعات موسيقية محددة على النشاط العقلي. فهكذا انطلاقًا من الآلية المحددة للأثر الإيجابي للموسيقى في النشاط التعليمي وزيادة حوافز التعلم و نمو الرغبة نحو التعلم تقترح كراسنيكوفا استخدام الموسيقى أثناء عمل الطلاب الذاتي.
إزالة التعب
من خلال البحث في ردود الفعل البيوكهربائية للدماغ اتضح أنه أثناء عمليات استيعاب الموسيقى تهيىء مجموعة من الظروف من أجل إزالة التوتر عند الطلاب .
الموسيقى تترك أثرا إيجابيا في الوظائف الفيزيولوجية والإحساس الذاتي عند الناس الذين يمارسون العمل الذهني .
ومن المؤسف أنه في المراجع التي بين أيدينا لا يوجد إلا القليل من المعلومات عن آثار الموسيقى في العمل العقلي للأطفال. لكن هناك معلومات مدهشة تم الحصول عليها في المجموعات التجريبية من طلاب الصف الثاني، في الدرس الثالث عندما بدا التعب على وجوه الطلاب تم إسماعهم مقطوعة موسيقية هادئة لفترة دقيقتين دون التوقف عن العمل. والقدرة على العمل الذهني عند الأطفال تحددت حسب جدول أنفيلوف "عن طريق تقدير عدد الحروف التي أغفلت أو شطبت، وعدد الأخطاء التي وقعت" منذ الدرس الأول حتى نهاية الدرس الرابع. وقد توصل العلماء إلى نتيجة مؤداها أن الموسيقى بتأثيرها من خلال جهاز السمع، تكبح المراكز العصبية الأخرى، التي أثيرت لفترة طويلة قبل ذلك "البصري، الحركي ...إلخ"، هذا يؤدي إلى زيادة القدرة على العمل الذهني. في الواقع أن الدارسين في المجموعات التجريبية قد أغفلوا وشطبوا عددًا أكبر من الحروف بعد الدرس الرابع مقارنة مع مجموعات الضبط . إلى جانب هذا خفت عملية الكبح عند الأطفال ، حيث بدا عدد الأخطاء التي ارتكبها الدارسون في المجموعات التجريبية أقل مقارنة مع الدارسين في مجموعات المقارنة. قد أشار العديد من الباحثين إلى أهمية المدخل المقارن من أجل اختيار الألحان الموسيقية التي تساعد على الاسترخاء، أو على العكس حالات انفعالية معينة عند الإنسان .
البحوث الجدية المتعلقة بهذه القضية أجريت من قبل بيختيريوف، حيث اعتبر الموسيقى من أنجح الوسائل المساعدة في المخالطة والاتصال. فتتم عملية استيعاب الموسيقى والتأثر بها لكن بكل تأكيد يجب أن تتطابق النماذج الموسيقية ولغة الموسيقى مع عمر الطفل.
اعتبر بيختريوف أنه بمساعدة الإيقاع الموسيقي يمكن إقامة التوازن في نشاط وفعالية المنظومة العصبية للطفل، والقضاء على الكثير من أشكال الإفراط في الإثارة، وتنشيط الأطفال الذين يعانون من الكبح، وتنظم الموسيقى الحركات غير الصحيحة والزائدة .
العلاج بالموسيقى
في الفترة الواقعة ما بين عامي 1970-1980 صدر الكثير من البحوث العلمية المكرسة لموضوع العلاج عن طريق الموسيقى، حيث في كل موضوع من هذه الموضوعات يوجد فصل مخصص لاستعمال الموسيقى لأهداف علاجية عند الأطفال العصابيين "Shvabe K.، 1974" والانغلاق الطفولي المبكر على الذات "Benezon B.، 1973" وبحوث في الآثار الموضوعية للموسيقى في الأطفال "Cruc O.، Cruc G.، Mueller Z.،1971".
ويوضح تحليل المؤلفات على هذا الشكل أن فعالية استخدام الموسيقى في تنشيط العمل العقلي لا تستدعي الشك لكن التربية العملية تستخدم بشكل ضعيف الموسيقى كعامل لزيادة مردود العمل أو "كفاية العمل"، ولتخفيف التعب عند الدارسين، لتوفير ظروف تعليم مريحة.
علماً بأن كل المدرسين والمربين في المدارس الخاصة يجمعهم هدف واحد يتلخص في تلافي وإبعاد ردود الفعل السلبية عند الأطفال المعاقين، المرتبطة بتكرار التعب والإنهاك والوقاية من الصدمات النفسية والأمراض العصبية- النفسية .
وتصبح مشكلات تدبير الصحة النفسية للأطفال بمقتضى التعليم يوماً بعد يوم أكثر حدة في التطبيقات العملية. إن كل شخص راشد يقوم بتربية طفل، يمتلك خبرات يومية خاصة، ويمتلك مخزوناً من المعارف النفسية. ولكن مع الأسف ليست كل المكتسبات والنجاحات التي تم الوصول إليها حول الصحة النفسية للطفل يتم استخدامها في المدرسة. والرغبة في المساعدة عند الطفل الأعمى وضعيف البصر في العمل التعليمي لدراسة مادة صعبة جداً- كالرياضيات مثلاً دفعت للبحث سنوات طويلة عن وسيلة إضافية وطرق أكثر فعالية وأساليب للتخلص من التعب العقلي والانفعالي على التوتر النفسي بمساعدة وسيلة فعالة جداً مثل الموسيقى.
وفعالية العمل ترتبط بمزاج الأطفال حين قدومهم إلى الدرس، إلى أي حد تم إعدادهم سابقاً للمرحلة القادمة من تلقي المعارف، وكيف قضوا فترة العطلة، وإلى كثير من الأمور الأخرِى، والواجب المهني وحذاقة المدرس يتلخصان في السرعة بتقدير الحالة منذ بداية الدرس، وفهم المزاج العام للصف، ومزاج كل طفل بشكل منفصل، واتخاذ القرار لاختيار الطريقة المناسبة والمفيدة في الحالة الراهنة "رفع المزاج أو تخفيف الإثارة الزائدة، وبدء الدرس بتمارين رياضية... إلخ".
مزيد من الاستيعاب
من الملاحظ أنه بعد الدروس على الأغلب يبدو الأطفال مكبحين ومنهكين أو على العكس متوترين، وعلم النفس يقدم شرحاً مبسطاً لهذه الظاهرة، حيث إنه خلال فترة 45 دقيقة كان الدارسون في حالة توتر شديد نتيجة غياب التفريغ الجسدي والانفعالي .
كيف يمكن أن نغذي مسيرة درس أكثر نجاحا في التطبيق العملي للمدارس التي أدخلت الموسيقى من أجل المساعدة. يجب أن يتطابق شكل المعزوفات الموسيقية، التي تسمع في فترة الاستراحة والتغيير قبل الدرس مع الوظائف الموضوعية من قبل المربي .
فالموسيقى الخفيفة الهادئة تؤثر في الجملة العصبية، وتقود إلى عمليات متوازنة من الإثارة والكبح. عند سماع مثل هذه الموسيقى لم يسمح أي واحد من الطلاب لنفسه بالصراخ بشكل عال أو العبث بشيء ما. وإنما على العكس عند سماع بعض معزوفات باغانيني Baganeni لوحظ أنها تزيد من نشاط وحيوية العضوية، وتحسن المزاج، وتحضر إلى أعمال تركيزية جدية. يوجد العدد الكافى من المقاطع الموسيقية، التي يمكن سماعها من أجل تقوية فعالية الدخول في العمل والقضاء على الحواجز الانفعالية نحو التعلم. حيث الموسيقى تبعد الانتباه عن الظروف غير المحببة، وتساعد على تفعيل النشاط التعليمي، وتشكيل خلفية محددة تسهل الانتباه المركز.
إن التوتر الكبير يزيد العصبية عند الأطفال العميان وضعاف البصر، مما يستدعي أشكالاً مختلفة من أعمال المتابعة والمراقبة. وبهدف الحصول على نوع من التوازن في حالة الجملة العصبية تستخدم في مثل هذه الدروس موسيقى الغابة، وأغاني العصافير، وتسجيلات خفيفة وهادئة "بعض معزوفات بيتهوفن، تشايكوفسكي، بول موريا". وفي الصفوف العليا ينمو مقدار العمل الذاتي، ولذلك عند تنفيذ هذا النوع من الوظائف تستخدم أعمال فيفالدي وباخ كخلفية موسيقية .
وتعود ردود الفعل الجسدية والنفسية للعضوية تجاه المثيرات الصوتية المتنوعة تماماً وبشكل كبير إلى الحساسية الفردية، والحالة الجسدية والنفسية للإنسان. والأطفال أكثر حساسية تجاه الضجيج من الراشدين، والضجيج المرتفع يؤثر بشكل سلبي في الصحة. لكن العلم أوضح أن الإنسان لايستوعب ويدرك الضجيج العادي في المحيط الحياتي. حيث إن الموقف الذى لا يوجد فيه ضجيج يؤثر بشكل سلبي في الإنسان، وذلك لأن الهدوء المطلق يعتبر غير عادي بالنسبة له، كخلفية في المحيط، لذلك يجب أن نحاول بشكل صارم الأخذ بمعطيات العلوم النفسية في التطبيقات اليومية الحياتية .
وقد تم الحصول على نتائج فعالة من استعمال التمرينات الرياضية للعيون، والمظهر العام، وعظام اليد، وذلك من أجل تخفيف التوتر البصري، ومضاعفة كفاية المردود. هذه التمارين تم اختيارها بالتعاون مع أطباء المدرسة. حيث تبين أن الاختيار السليم للتمرينات وقصر الأمد النسبي في الإنجاز "حتى 3 دقائق" تسمح بنزع التعب عند الطفل الأعمى وضعيف البصر، تزيد الإنتاج في دراسة مواد البرامج .
في الوقت الحالي يوجد أكثر من خمسين شكلا من التمرينات الرياضية التي يقوم بها الأطفال مرفقة بالموسيقى أثناء درس الرياضيات، عدد كبير من أشرطة الكاسيت بمختلف أشكال التسجيلات الكلاسيكية، موسيقى الغابة والبحر، مختلف أصوات العصافير والحيوانات.
العواطف لا تعرف الإعاقة
الدراسات العديدة لردود أفعال الطلاب الذين يعانون من إعاقات بصرية تجاه الموسيقى أثناء درس الرياضيات سمحت بالحصول على النتائج التالية:
- يستوعب الدارسون المؤلفات الموسيقية المختارة خصيصاً كمنبع للعواطف الإيجابية.
- استخدام الموسيقى يساعد عملية الدخول في تلك الفعالية، وينتزع ويخفف التعب.
فهكذا يمكن القول إن الموسيقى عامل قوى جدًا في التأثير في عواطف الإنسان، لكن إلى جانب الآثار الإيجابية، يمكن أن يحصل أثر سلبي نتيجة عدم معرفة استخدام الموسيقى في العملية التعليمية .
حيث يوجد هنا المنطق والقوانين الخاصة، لذلك لابد من التمسك بالقواعد والنصائح التالية:
1)    تلعب الموسيقى عاملا مساعدا في دروس الرياضيات، إنها تخدم الخلفية الانفعالية وتحفز النشاط التعليمي.
2)    الموسيقى التي تسمع في الصف يجب أن تعجب جميع الطلاب، إن وجد أحد الطلاب الذين يمكن أن تزعجهم تلك الموسيقى يفضل عدم سماعها.
3)    يفضل استخدام التسجيلات الموسيقية المعروفة من قبل الطلاب، حيث يجب ألا تلفت انتباههم بحداثتها، بحيث تشغلهم عن الهدف الأساسي.
4)    فترة الاستماع إلى الموسيقى يجب ألا تشغل أكثر من عشر دقائق من الزمن المخصص للدرس. وبشكل عام يجب أن تكون مقطوعة موسيقية واحدة .
5)    على الغالب يمكن استخدام الموسيقى أثناء تنفيذ العمل الذاتي، عندما تغيب المحادثة الكلامية.
6)    من المفروض عدم تغيير المقطوعات الموسيقية باستمرار. بينما يفضل استخدام مقطوعة واحدة في حالة محددة، هذا سيساعد في عملية الدخول إلى العمل.
7)    الحالة المثالية لسماع الموسيقى يمكن أن تكون في فترة العمل الذاتي "أي عندما يقوم الطلاب بحل التمارين" ومن خلال السماعات التي توضع على الآذان.
8)    8ارتفاع الصوت يجب أن يكون مدروسا بشكل دقيق فلا يكون الصوت مرتفعًا وبنفس الوقت لا يكون منخفضًا جدًا .
المصدر: 1
إقرأ أيضًا                           

للمزيد
أيضاً وأيضاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق