سالمٌ يأكل بنهمٍ
شديدٍ، ولم يحدث أبدًا أن وُضِع طعامٌ أمامه فرفض شاكرًا لأنه يشعر بالشبع أو لأنه لا يرغب
بالأكل في غير وقت الأكل، في المنزل وقبل أن يتوجه لحجرته ليغيرَ ملابسَه يقوم بغارةٍ سريعة
على المطبخ ليستكشف الطعامَ الذي أعدته أمه، يتناول ملعقتين من السلطة ، يخطف
جناحَ دجاجة وكوبًا من الشوربة، وعند وضع المائدة واجتماع الأسرة يكون الأولَ وينصرف
آخرًا، لا يوفر شيئًا من مصروفِه اليومي فقطع الشكولاته وعلبُ العصير
والمرطبات بانتظار نقودِه، ويزيد على ذلك أن يطلب يوميًا من أمه أن تعد له شطائر مختلفةً،
بعضها بالبيض، بالجبنِ، بالفولِ، بالعسلِ والقشدة...
عصرًا بعد أن يستيقظ وقبل أن يذاكر يموء كقطةٍ
لم تتذوقْ شيئًا منذ أيام، يتربص بالثلاجةِ ويهجم على قطعة من الكيك
تختبئ بين الأرفف أو فطائر أعدتها أمه وخبأتها في درج الثلاجة، أو شيء فاض من
طعام الغداء يمكن أن ينفع في تلك اللحظاتِ الحرجة.
عندما عرض الأبوان سالمًا على الطبيبِ وتم فحصه
لم يجد أنه يعاني من شيء يستدعي كل هذه الشراهةِ للطعام، احتار
الأبوان بشأن سالم فحتى وإن حاولا منعه بحرمانه من المصروفِ أو بتقليل كمية الأكل التي
يتناولها يرفض مالئًا البيت بإزعاجه وإلحاحه، وقد يتصل بجدته طالبًا أن ترسلَ له
شيئًا من أطباقها اللذيذة.
في أحد الأيام كان الأب منهمكًا بإنجاز مشروع
لعمله وكان يحتاج إلى بعض الأحجارِ الصغيرة ليثبتها على لوحة
المشروعِ، طلب الأبُ إلى الأم أن تعد له كيسين كبيرين من القماش بعلاقتين وعندما انتهت
الأم ناول سالم أحدهما وعلقه على كتفه وقال: هيا يا سالم أنا بحاجة إلى الكثير
من الأحجار لمشروع العمل.
سر سالم بدعوة أبيه ومشاركته ووصلا إلى أطرافِ
المدينة وراحا يجمعان الأحجارَ، وكلما تناول سالمٌ حجرةً هتف لأبيه:
هل ترغب بهذه يا أبي أم بغيرها؟ ويجيب الأبُ من دون أن يلتفت: لا بأس ضعها في
الكيس.. املأ الكيس بكل ما تجده من أحجار...
وتساءل سالمٌ بصوت عالٍ: أنت ترغب بكل الأحجار
مهما كانت أشكالها وأحجامها يا أبي؟
ويجيب الأب: بالضبط.
راح سالم يجمع الأحجار بكميات كبيرة حتى ملأت
نصف الكيس وسار نحو أبيه: هل يكفي ذلك؟
لم ينظر إليه والده وطلب منه أن يستمر بجمع
الأحجار فأكمل سالم ملء الكيس عن آخره وأصبح يجد مشقة في حمله ولم
يستطع التقدم خطوة واحدة، شعر بالإرهاق والتعب وضج هاتفًا: أبي لم يعد في الكيس مكانٌ
ولو لحجرة صغيرة!
وأجاب الأب: حاول ربما استطعت أن تضيف أكثر...
تململ سالمٌ وردّ: ولكن يا أبي الكيس أصبح
ثقيلاً لم أعد قادرًا على الحركة...
رفع الأب رأسَه ونظر إليه: هل هذا صحيح؟! جرّب
ربما استطعت السير خطوة أو خطوتين...
دهش سالم من رد أبيه ونظر إلى الكيس الثقيل
الذي يحمله وثبت مكانه من دون أن ينطق بشيء.
اقترب أبوه منه وقال: هذا بالضبط ما سيحصل معك
حين لا تكف عن ملء معدتك بالمفيدِ وغير المفيدِ من الطعام.
سيأتي اليوم الذي لن تصبح فيه قادرًا على حمل
ثقل جسمك وسيصيبك الوزن الزائد بأمراض شتى تشكل لك إزعاجًا، هل ترغب أن
تكون كذلك؟!
شعر سالم بالخجلِ وطأطأ رأسَه ومد يده يستخرج
الحجارة ويلقيها من الكيس.
إقرأ
أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق