قصة وعبرة

الخميس، 14 مارس 2013

• قصص الأطفال: الفارس الصغير


          استيقظَ «حسام» من نومِهِ بنشاطٍ كبيرٍ وهمةٍ عاليةٍ، إنه أول يومٍ من أيامِ الإجازةِ، وسيسافرُ فيه إلى المزرعةِ عند جدّه وجدّتِه العزيزينِ، لقد اشتاقَ لسماعِ حكاياتِ جدّته الممتعةِ والطرائفِ العجيبةِ، واشتاقَ أيضًا للتجوّل مع جدّهِ في المزرعةِ ليرى الدجاجَ والغنمَ والماعزَ والبقرَ وأيضًا العصافيرَ تروح وتجيء، إنه منظرٌ جميلٌ ورائعٌ، ولحظات ممتعةٌ.

          وقفَ حسام أمامَ والدته وهي تجهز الأمتعةَ والحقائب الخاصةَ بالسفرِ وخاطبَها بلهفة قائلاً:
          - أسرعي يا أمي، لقد تأخّرنا في الذهابِ عند جدي، لابد أنه ينتظر وصولَنا بفارغِ الصبرِ، لقد وعدني في الإجازةِ السابقةِ أنه سيجعلني أمتطي ظهر الحصانِ «صهيل» الموجود في المزرعةِ، سأركبه وأكون فوقَه كما لو أنّي فارسٌ مغوارٌ، لا يشق له غبار.
          كان حسام سعيدًا جدًا وهو يتخيّل نفسَه فوقَ الحصانِ «صهيل» ممسكًا بالسيفِ كأنه قائدٌ عظيمٌ.
          وقَفَ والدُ حسام وخاطبَه:
          - حسامٌ أيها الفارسُ الشجاعُ، لقد جهّزت السيارةَ ووضعتَ بها كلَّ الأمتعةَ والأغراضَ الخاصةَ بسفرنا، وسننطلق حالاً بإذن الله تعالى.
          كانت فرحةُ حسام عظيمةٌ وهو يرى الأراضي مخضرةً ومعشوشبةً وقد لبست حلةً خضراء، والعصافيرُ تحلّقُ فوقَها فرحةً سعيدةً، والحيواناتُ هنا وهناك ترعى الأعشابَ.
          صاح حسام: الحمد لله، أبي لقد وصلنا، ها هي الطريقُ المؤديةُ إلى مزرعةِ جدي، إني أعرفها جيدًا، وانظر إلى الربوةِ الخضراءِ، إنها فاتنةٌ.
          وما إن رأى حسام جدَّه حتى قفزَ إليهِ ليعانقه، لقد اشتقتُ إليك جدّي كثيرًا، فقد كنتُ أعدُّ الأيامَ والأسابيعَ، لنأتي إلى هنا.
          كانت الفرحة تغمرُ الجميعَ، والسعادةُ باديةً على وجوهِهِم بهذا اللقاء العائليّ، ودخلوا جميعًا ليحتفلوا بهذه المناسبةِ السعيدةِ لإحياء صلة الرحمِ.
          في اليوم التالي.. خرج حسام برفقة جدّه ليتجولا معًا في أرجاءِ المزرعةِ.
          - إنه منظرٌ رائعٌ.. يا جدي، انظر إلى الدجاجِ في كلِّ مكانٍ والماعزِ والأغنامِ والبقرِ ترعى فرادى وجماعاتٍ، والحصااااان.
          جالَ نظرُ حسام في الأرجاءِ وقد بدت الدهشةُ على وجهِه، وصاحَ مستفسرًا:
          - لكنني يا جدي لا أجد حصانَك الرمادي «صهيل»، ذا القدمين البيضاوين والغرَّة الناصعةَ البياض على وجهه، أين ذهب يا تُرى؟ لا أراه في المزرعةِ.
          ابتسمَ جدُّ حسام وكأنه فطن لاستفسار حفيدَه، وفهم أنه يسأل عن الحصانِ قصد امتطائه والاستمتاع بركوبه، إنه يحبُّ ركوبَ الخيلِ.
          طمأنَ الجدُّ صغيره وخاطبَه قائلاً:
          - إنه مازال في الاسطبلِ، لابد أنه ينتظرك لتركبه.
          انطلق حسام كالريحِ نحو الإسطبلِ، وبعد برهةٍ قصيرةٍ خرج وقد امتطى الحصانَ، وفي يدهِ عصا يلوحُ بها، استغربَ جدّه كثيرًا إزاء سلوك حسام العدواني على الحصانِ، فقد كان يلوحُ بعصاهِ من فوقِ الحصانِ تارةً، ويضربه تارةً أخرى ويصيحُ:
          - انظر يا جدي.. هل أشبه صلاح الدين في حروبِهِ ضد الصليبيين لتحرير بيت المقدس، أم أشبه القائد بيبرس وهو يقهر جيوشَ المغولِ؟ هاااا.
          تقدّم الجدُّ من الحصانِ ليهدئ من روعِهِ قليلاً بسبب بعضِ الضرباتِ التي طالته، من تمرّد حسام وخاطبَ حفيدَه بهدوءٍ:
          - اسمع يا بني الصغير.. إن القادةَ المسلمينَ الذين تريد أن تقتدي بهم كانوا رحيمين بجيادِهم، فلم يكونوا يعاملونها بالقسوةِ التي تعامل أنت بها هذا المخلوق المسالم، يقول رسولُنا الكريمُ صلى الله عليه وسلم: الرَّاحمون يرحمُهم الرَّحمن، ارحموا مَن في الأرضِ يرحمكُم مَن في السَّماء .
          ربتَ حسام على كتفِ الحصانِ برفقٍ بعدما رمى عصاه، وصاح قائلاً:
          - أعتذر يا جدّي فلم أكن أقصد.. من اليومِ فصاعدًا لن أقومَ بأيّ فعلٍ يضرُّ الحصانَ أو أي مخلوق، وسأحرصُ على أن أكون إن شاء الله مثل أولئكَ القادة الذين لم يكونوا يضربون أحصنتهم، وكانوا رحماء بها.


إقرأ أيضًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق