أنت تربي ابنك لأنك محاسب عنه يوم
القيامة؛ فأنت كأب تحمل فوق كاهلك همّين؛ هم نفسك ونجدتها من النار، وهم أهلك
ونجدتهم كذلك من عذاب السعير، يقول الله جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم
وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصون الله ما
أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم: 6].
وإن تبعة المؤمن في
نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة؛ فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله، وعليه أن
يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي يكون الناس فيها في مهانة الحجارة، وفي
رخص الحجارة. وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله، واجبه أن
يؤمن القلعة من داخلها، واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيداً.
يقول الإمام ابن
القيم الجوزية - رحمه الله -: "إن الله - سبحانه وتعالى - سيسأل الوالد عن
ولده، فمن أهمل تعليم ولده وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأبناء جاء
فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين والسنة".
وأنت مطالب أيضاً أن
تعلم ولدك أساليب ناجحة يخوض بها معترك الحياة القاسي، وخاصة أن هيمنة المادة على
معظم أنشطتنا الحياتية ألبسها لباساً بغيضاً من القسوة والقوة، وأصبحت حياتنا
ميدان كفاح ومعتركاً غير هين إذا لم نسلح الولد بمهارات ونؤهله بما يحتاجه من قيم
ومبادئ وأساسيات يميز من خلالها الخير من الشر والحلال من الحرام ظلمناه ظلماً
كبيراً، وكنا كمن ترك طفلاً بريئاً في قفص تسكنه الأسود أو الضباع!!.
والأب الهمام يدرك أن
الحياة بقسوتها وشدتها أمر واقعي لا يمكن تغييره، ولا حل لمواجهة ضغوط الخارج إلا
بتنمية الداخل. وتأثير البيت عامة والأب خاصة في الطفل ليس هيناً، فهو الأعمق
والأقوى أثراً؛ أقوى من المدرسة والشارع والتلفاز والمجتمع مجتمعين، أقوى مما
يترسب في أذهانهم من ثقافات وافدة أو راكدة، أقوى من كلمة سمعها في الشارع حتى لو
كان لها من نفسه نصيب من حديث أو تفاعل، يقول سيد قطب: "إنني أؤمن بقوة
المعرفة، أؤمن بقوة الثقافة، ولكني أؤمن أكثر بقوة التربية. نعم.. التربية السليمة
هي طوق النجاة لأبنائنا في بحر الحياة، ودليلهم نحو النجاح الدنيوي والفلاح
الأخروي".
خاصة إذا أدركنا أن
الصفات الإنسانية ومعايير الخطأ والصواب لا تولد مع الطفل بل يتعلمها من محيطه
وأسرته، ويكتسب الطفل الفكر والأخلاق والمشاعر من خلال التربية والمخالطة الأسرية
والاجتماعية. وابن الإنسان لا يصبح إنساناً إلا إذا رباه إنسان، ومن هنا يأتي شرف
المهمة الملقاة على عاتق الأمهات في البيوت.
إقرأ
أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق