وقف الكبش
القائد يتأمل الصحراء الفسيحة التي تمتد امامه، ومن حوله أفراد القطيع تأكل
العشيبات الخضراء وتقفز وتلعب في اطمئنان، فقائدها هنا.. يرعاها ويحميها.
فجأة ظهر
الهدهد فوقهم، وهبط سريعا نحو الكبش، وقال في فزع: «الذئب، الذئب سيأكل الحمل
الصغير».
انتفض الكبش
غاضبا وقال: «أي ذئب؟! انني لم أر شيئا! وأين كلبنا الحارس؟ هيا بسرعة لنأخذه معنا
ونلحق بهذا الذئب».
في مدخل كهف
صغير، وجدا الكلب نائما نومًا عميقًا، فنطحه الكبش غاضبًا وقال: «استيقظ أيها
الكسول.. الذئب سيأكل الحمل الصغير».
هب الكلب
واقفا وهو لا يفهم شيئًا، ونبح معترضًا: «ولكني لم أنم إلا... إلا قليلاً».
قال الهدهد
: «وهل تريد أن تنام لسنوات.. هل تظن نفسك كلب أهل الكهف»؟، رفع الكلب أذنيه في
دهشة، وملأ الفضول عينيه، وقال «ومن هو كلب أهل الكهف؟! هل هو من عائلتي؟».
قال الهدهد
مبتسمًا: «لا.. إنه كلب الفتية المؤمنين أصحاب الكهف الذين فروا بدينهم من ظلم
الملك وحاشيته الكافرين. لقد هربوا بدينهم ولجأوا الى كهف بعيد عن مدينتهم،
واختبأوا فيه، ومن رحمة ربك بهم أن جعلهم ينامون ثلاثمائة وتسع سنين، ومن آيات
الله أن الشمس كانت تبتعد عن كهفهم عند الشروق وعند الغروب حتى لا توقظهم، ثم
أيقظهم الله ليعثر الناس عليهم ويكونوا لهم آية ليعلموا قدرة الله وأن الساعة حق.
وكان معهم كلبهم يرقد على باب الكهف ليحرسهم، نام معهم طوال هذه المدة».
هز الكلب
ذيله فرحًا وقال: «يا سلام.. لتعرفا إذن فائدة الكلاب».
نظر إليه
الكبش غاضبا وقال: «نريد أن نعرف فائدتك أنت.. هيا بسرعة لنلحق بهذا الذئب قبل أن
يأكل الحمل الضعيف».
أسرع
الجميع، الهدهد يطير باحثا والكلب يتشمم الأرض مقتفيا أثر الذئب، والكبش يشب على
قائمتيه محاولاً رؤية البعيد.
دار الهدهد
في الهواء وضرب بجناحيه وصاح: «ها هو هناك».
واندفعوا
جميعا، ليجدوا الذئب مكشرًا عن أنيابه يحاول الفتك بالحمل الصغير، الذي احتمى بشق
ضيق في صخرة كبيرة.
وبحركة
سريعة، قفز الكبش ومعه الكلب ليحاصرا الذئب بين الصخور.
تلفت الذئب
بعينيه بينهما فزعًا، وقال لنفسه: «قرنان كالسيفين وأنياب قاتلة.. أنا هالك لا
محالة.. ماذا أفعل؟».
انحنى الذئب
وأخفى رأسه بين قدميه وانحدرت الدموع من عينيه، اختفت أنيابه، وراح يرتعش قائلاً
في توسل: «لا.. لا تظنوا بي الشر.. أنا لا أريد أن آكله.. إنني فقط ألعب.. نعم
ألعب معه..أنا بريء.. بريء من دمه».
قال الهدهد:
«بريء.. ذئب بريء.. لم يذكر التاريخ ان هناك ذئبًا بريئًا.. إلا ذئبًا واحدًا».
رفع الكلب
أذنيه في دهشة، وملأ عينيه الفضول، وقال: «ومن هو هذا الذئب؟».
قال الهدهد:
«إنه الذئب الذي ادعى أبناء سيدنا يعقوب عليه السلام- أنه أكل أخاهم يوسف وهو جالس
عند متاعهم.. لقد ألقوا به في البئر ليتخلصوا منه حقدًا عليه، لأنهم ظنوا أن أباهم
يحب يوسف أكثر منهم.. وعادوا إلى أبيهم ومعهم قميص يوسف وعليه دم كاذب، وقالوا
لأبيهم سيدنا يعقوب إن الذئب أكله.. والذئب بريء من دمه».
توقف الذئب
عن البكاء.. ورفع رأسه فرحًا وقال: «هل رأيتم؟ نعم.. أنا ذئب بريء.. مثله تمامًا».
وفي حركة
خاطفة، قفز الكبش ناطحًا الذئب نطحة ألقته بعيدًا، ليسرع بالفرار في فزع، وفي إثره
الكبش يطارده قائلاً: «اذهب من هنا، ولتكن ذئبًا بريئًا لباقي حياتك».
عاد الجميع
في سعادة نحو أرض القطيع، والحمل ينظر نحو الكبش في حب وهو غير مصدق أنه نجا من
الذئب، والكبش يسير في خيلاء القائد المنتصر، أما الكلب فكان يهز ذيله
ويتمايل بغرور معتبرًا أنه المنقذ.
اغتاظ
الهدهد منهما، فقال: «حسنا يا عزيزي الكلب، هيا لتعود إلى حراستك ولا تتركنا وتنام
بعد الآن، وأنت يا عزيزي الكبش حافظ على قطيعك ما تبقى لك من أيام معهم..
فأنت ستتركهم قريبا».
توقف الكبش
عن السير، ونظر إلى الهدهد مندهشًا وقال: «أتركهم!! ولماذا أتركهم؟».
قال الهدهد:
«لقد اقترب عيد الأضحى.. هل نسيت دورك في هذه الحياة؟».
أمال الكبش
رأسه ناظرًا الى الأرض في حزن.. لقد تذكر ما عليه من واجب، ثم رفع رأسه ناظرًا إلى
الهدهد وقال: «نعم.. أعرف دورى.. أعرفه جيدًا».
رفع الكلب
أذنيه مندهشًا، وملأ عينيه الفضول، وقال: «ماذا بك يا عزيزي الكبش، وما هو دورك
هذا الذي يحزنك؟!».
قال الهدهد:
«إنها سنة المسلمين التي يتبعون بها سيدنا إبراهيم أبا الأنبياء عليه السلام - لقد
رأى رؤية في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل، وراضيًا بأمر الله أخبر ابنه برؤياه،
فاستجاب الابن لأمر الله وأطاع أباه صابرًا. وعندما استعدا، وأنامه أبوه على
وجهه وهمّ أن يذبحه، أنزل الله - سبحانه وتعالى - ملكًا من السماء
ومعه كبش عظيم ليكون فداء لسيدنا إسماعيل، ورضا لسيدنا إبراهيم لأنه قد صدق
الرؤيا. وهذا يوم سعد عظيم عند المسلمين، وتكون الأضحية فرحة وطعامًا للفقراء
والأقارب وأهل البيت».
رفع الكبش
رأسه وقال: «نعم.. وأنا سأضحي بنفسي.. لقد خلقت لهذا، وسيأتي من بعدي كبش قائد..
ليكون أضحية العام القادم.. هذا هو دورنا في الحياة.. فلنؤد أدوارنا برضا نفس
لنعيش في سلام».
عاد الجميع
نحو القطيع.. الحمل يقفز سعيدًا، والهدهد يجول في السماء، والكلب يقف حارسًا..
والكبش يحمي القطيع، ويتأمل الصحراء الفسيحة في سكون ورضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق