في إحدى
الليالي وأثناء نومي، سمعت أصواتاً غريبة في حجرة نوم أبي، فقمت بهدوء أستطلع الأمر، فسمعت حذاء أبي
الأيمن يتحدث مع زميله الأيسر ويقول له:
لقد سئمت وتعبت من
سير صاحبي بي طوال اليوم حسب مزاجه، فأنا أذهب معه حيث يريد هو، نسير في هذا الشارع ثم هذا الميدان نركب
السيارة، نذهب إلى محطة مترو الأنفاق، نصعد إلى أعلى،
ننزل إلى أسفل، ندخل من هنا، نخرج من هناك. أودّ أن أسير بمفردي وأذهب إلى المكان الذي يعجبني. فقال له
حذاء أبي الأيسر: وأنا أيضاً، هيا بنا.
وخرجا من النافذة فوقفت أنظر إليهما، كان
صوت حركتهما على الطريق كأن أبي يسير، ثم توقف حذاء أبي
الأيمن وقال لزميله الأيسر: هيا ندعو أحذية الجيران للخروج معنا ليستمتعوا بقليل من المرح. ووقفا يناديان
على أحذية الجيران كلاً باسم صاحبه، وخرجت أحذية الجيران
من النوافذ المفتوحة، وتجمّعت وراء حذاء أبي وسارت إلى الحديقة، وسمعت أصوات الأحذية النسائية تدق
الطريق ، وكانت معها الأحذية الرياضية وأحذية الأطفال وصنادل
وأحذية قديمة وأحذية جديدة وأحذية تلمع، وأخرى متسخة.
وصار الأمر مهرجاناً للألوان،
فالأحذية بكل الألوان بنية وسوداء وحمراء وصفراء وخضراء وبيضاء وزرقاء، أحذية كبيرة وأخرى صغيرة تسير
وتجري وتقفز إلى أعلى، كانت تتجوّل بحرية وأصحابها نيام في
منازلهم. بعد فترة قال حذاء أبي: كل حذاء أيسر مع أخوه الحذاء الأيمن، كل حذاء يمسك بالآخر من الرباط.
ولكن ماذا تفعل الشباشب والأحذية النسائية والأحذية التي ليس
لها رباط؟ واختلط الأمر، وبدأ كل حذاء يفقد زميله، وبدأت الأصوات تتصاعد في الظلام... أين أنت؟ أين أنت؟
أنا هنا، ولم يعرف كل منهم أين حذائه الآخر، كان الموكب
في حالة من الارتباك الشديد، كل يحاول أن يجد رفيقه، وصاح حذاء أبي: فليسر أي حذاء أيمن مع أي حذاء أيسر
من أي نوع، وبدأت الأحذية تسير متفرّقة، فسارت الأحذية
اللامعة مع الأحذية الغارقة في الطين، وحذاء قديم مع حذاء رياضي جديد، وحذاء أيمن نسائي مع حذاء أيسر
لطفل صغير، وبدأت الأحذية الكبيرة في القفز واللعب، أما
أحذية الأطفال فكانت تسير ببطء، ولكن كل الأحذية كانت تسير دون مضايقات أرجل أصحابها، لقد أصبحت الأحذية
سيدة نفسها، وقضى كل منها أوقاتاً رائعة وعجيبة.
وبدأت الشمس في الظهور في السماء
دافعة الظلام بعيداً، لقد انتهى وقت المرح وقال حذاء أبي:
لابد أن نعود إلى منازلنا قبل أن يستيقظ أصحابنا، وفجأة تحول الموكب المرح إلى اندفاع مذعور في رحلة العودة
إلى المنازل، وضلت أغلب الأحذية الطريق إلى منازلها في الوقت
الذي كانت الشمس تظهر في السماء أكثر وأكثر، وزاد الهرج والذعر، وعلت الأصوات، ماذا نفعل؟ وسحقت
الأحذية الكبيرة أحذية الأطفال، ودارت الأحذية حول نفسها،
فتعقدت الأربطة، كل ذلك والشمس تزداد سطوعاً، ونادى أحد الأحذية: أسرعوا... أسرعوا... سوف نتأخر.. ادخلوا
المنازل، فقفز كل حذاء في أول شباك أمامه، وجلس تحت أول سرير
قابله، ورأيت تحت سرير جدتي حذاءين رجاليين، أحدهما أسود والآخر بني، واستقر حذاء نسائي تحت سرير أخي
البالغ من العمر عامين، وعندما استيقظ أبي وجد أسفل سريره حذاءًا
نسائيًا من القماش الأزرق وحذاء أيسر لطفل صغير. وتعجب أبي عندما وجد هذه الأحذية أسفل سريره، وقال: ماذا
حدث؟ وفي الوقت نفسه الذي كان أبي يقول هذا، كان الناس
يتساءلون: ماذا حدث؟ وعندما حل ميعاد الخروج من المنازل إلى الأعمال والمدارس، كان هناك موكب للناس
العرجاء، فكل منهم ينتعل حذاء غير حذائه، إما ترتدي حذاء
واسعاً جداً أو حذاء صغيراً جداً أو حذاء الاثنان شمال أو الاثنان يمين، وخرجت جدتي من حجرتها وفي رجليها
شرابها الصوف فقط وبعض أصدقائي خرج حافي القدمين، لقد خرج
الناس والكل يسأل أين حذائي؟ مَن يلبس حذائي؟ وبدأ الجميع يفحص أرجل الجميع بحثاً عن حذائه، وأثناء ذلك،
كنت أسمع أحدهم يصيح هذا هو حذائي البني. وآخر يصيح إنك
ترتدي صندلي الأحمر. وببطء شديد بدأ كل فرد في الطريق يسترجع حذاءه، ولكن الأمر استغرق مع أبي وقتاً أطول كي يحصل
على حذاءه، لقد تسلق حذاؤه الأيسر شجرة عالية جداً،
وبعد مرور ثلاثة أيام هبّت عاصفة قوية فسقط الحذاء من على الشجرة واستردّه أبي.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق