تحكي هذه القصة عن قرية صغيرة في شمال اليابان،
وفى قلب جبل وعر...
وهناك كان يعيش رجل مسن اسمه «موساكو»، ومعه
ابنه «مينكيتشي». وفي يوم من الأيام قال الأب لابنه: «يبدو أن هناك عاصفة
ثلجية في الطريق إلينا الليلة». رد الابن: «نعم، ولهذا يجب أن نعود للمنزل مبكرين
كل ليلة».
كان كل من موساكو وابنه مينكيتشي يعملان في
تجارة الأخشاب، ولكن عندما تتساقط الثلوج أثناء الشتاء لتكسو الجبال بطبقة
بيضاء من الثلوج كانا ينطلقان يحملان بنادقهما للصيد.
وذات يوم من تلك الأيام أخذا يتسلقان التلال،
ويعبران الوديان، حتى تمكنا من الوصول إلى قلب الجبل؛ ولكنهما لسوء
حظهما لم يجدا غزالة واحدة أو طائرًا واحدًا.
قال الأب مندهشا: «إنه لأمر غريب وعجيب، ترى
ماذا حدث ؟ لا يوجد أثر لحيوان!!» ورد الابن بقوله: «اعتقد أن هناك
أوقاتًا تمر على هذا الحال يتخلى فيها الحظ عن الإنسان». ثم انطلقا سويًا ليتوغلا
أكثر في قلب الجبل بحثًا عن طريدة يصيدانها.
قال الابن: «إن الأمر لا يبشر بخير، فقد بدأت
الثلوج تتساقط علينا، يجب أن نسرع بالعودة إلى البيت يا أبي». ورد
الأب: «لقد تأخرنا كثيرًا». وفي هذه اللحظة تذكر «موساكو» أن هناك كوخًا صغيرًا
قريبًا من مكانهما وهتف في حماسة: «نعم، هذا هو الحل الأمثل؛ لقد تذكرت أنه كان هناك
كوخ صغير يمتلكه تاجر أخشاب، وهو ليس بعيدًا؛ فلنذهب إلى هناك ونبقى بعض الوقت حتى
تتوقف العاصفة».
وانطلق الاثنان في اتجاه الكوخ.
وكان التعب على وشك أن ينال منهما في غمرة هذا
الجو العاصف؛ فقال مينكيتشي مشجعًا وهو يحث أباه على السير: «أبي!
ها هو الكوخ، لقد أوشكنا على الوصول.. هيا».
وعندما دخلا الكوخ وضعا بعض جذوع الأشجار في المدفأة
وأشعلا النار للحصول على بعض الدفء. قال الأب: «إن العاصفة
تشتد، استلق لتنال قسطًا من الراحة». فرد الابن: «لا يا أبي أنا بخير، استرح أنت،
وسوف أرقب النار حتى لا تنطفئ». وظل الرجل وابنه يتحدثان بجوار المدفأة؛ ولكن التعب
تمكن منهما رويدًا.. رويدًا، حتى غلبهما النوم بعد هذا اليوم الشاق.
وبعد فترة استيقظ مينكيتشي وهو يغمغم: «بررررر...
الجو قارص البرودة» وكان السبب هو الهواء المتسرب من تحت الباب،
ولاحظ أن النار قد انطفأت، وقال: «لقد انطفأت النار ولهذا أحسست بالبرد». كان
مينكيتشي يحدث أباه ولكنه لاحظ أنه لم يرد فتملكه القلق؛ فاستدار لينظر إلى أبيه ووجد
امرأة ترتدي ثوبًا أبيض تقف إلى جوار موساكو وهو راقد. واقتربت من وجهه ونفخت فيه
ريحًا باردة فتجمد جسد موساكو.
وعندما شاهد مينكيتشي ما حدث انتابته حالة من
الذعر شلت حركته، واقتربت المرأة ذات الرداء الأبيض من مينكيتشي
في صمت تام فلم يحرك ساكنًا. ثم فقد سيطرته على نفسه وعجز عن أن يفعل شيئًا سوى
الصراخ؛ فاستدارت المرأة لتتجه ببطء نحو مينكيتشي دون أن تتفوه بكلمة واحدة.
وفكر مينكيتشي قائلا لنفسه: «آه! هل ستقوم
بتجميدي مثلما جمدت أبي؟» وأخذ يرتجف من شدة الخوف، همست المرأة في أذنه
قائلة بصوت خافت: «نار الحياة مشتعلة داخلك بشكل جميل لأنك لاتزال شابًا؛ ولهذا لن
أقبض روحك اليوم بشرط ألا تحدث أحدًا بما رأيته الليلة؛ ولو فعلت سأنال منك».
استمع مينكيتشي إلى كلماتها إلى أن غاب عن
الوعي، ثم استغرق في سبات عميق. وعندما اشرق نهار اليوم التالي، ولم تعد
الثلوج بنفس درجة كثافتها التي كانت عليها الليلة السابقة. وفي داخل الكوخ كانت
لاتزال هناك طبقة رقيقة من الثلج دخلت من أسفل الباب. ولكنه لم ير المرأة ذات الرداء
الأبيض في أي ركن من أركان الكوخ.
اعتقد مينكيتشي أن ما رآه الليلة السابقة لم
يكن سوى كابوس مزعج؛ ولكنه أدرك أن هناك مكروهًا نال أباه موساكو
الذي كان يرقد بلا حراك. وهرع إليه صارخا: «أبي... أبي!». ولكن جسد موساكو كان
ناصع البياض، كما كان متجمدًا. وظل مينكيتشي يصرخ: «أبى... أبي»، وأخذ يهز جسد أبيه ولكن
دون جدوى. فقد كان موساكو قد توفي بالفعل.
منذ ذلك الحين صار مينكيتشي قليل الكلام. وكلما
سأله أحد عما جرى في تلك الليلة في أثناء العاصفة الثلجية لاذ
بالصمت.
ومر الشتاء، والصيف من بعده، ثم جاء الخريف.
ولم يعد مينكيتشي يذهب إلى الجبل. كان يحرث الحقل وحده، وعاش حياته
وحيدًا.
عاد الشتاء لكى يكسو الجبل بالثلوج البيضاء من
جديد، وذات ليلة عاصفة، كان مينكيتشي وحيدًا بالمنزل عندما سمع أحدًا يطرق الباب..
تك تك تك... واختلس مينكيتشي النظر للخارج وهو يقول: «ترى من ذا
الذي يطرق بابي في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ أنتظر سأفتح الباب».
وعندما فتح الباب وجد شابة رائعة الجمال،
وبشرتها ناصعة البياض مثل الثلج؛ وقالت: «أنا مسافرة، ولكنني ضللت الطريق.
أرجو أن تسمح لي بالمبيت عندك الليلة». ارتبك مينكيتشي عندما رأى تلك المرأة
الجميلة، ثم دعاها للدخول إلى المنزل قائلا: «في وسط هذه الثلوج لابد وأنك ترتجفين
من البرد، تفضلي بالدخول»؛ ثم استدرك قائلا: «ليس لدي الكثير لأقدمه لك، ولكن لدي
شيئا دافئًا تأكلينه». وردت بقولها: «شكرًا، ولكن يصعب علي أكل الأشياء الدافئة».
فقال مينكيتشي: «آه، فهمت. أنت لا تحبين أن
يكون طعامك شديد السخونة؛ لابد أن لسانك حساس ولا يحتمل الحرارة، أليس
كذلك؟». وردت: «نعم، أنا آسفة». ومع وجود تلك المرأة الرقيقة رائعة الجمال أمام مينكيتشي كان وجهه يزداد
احمرارًا بالتدريج. وعرف
منها أن اسمها «أويوكي»، كما قالت له إن أمها توفيت وتركتها وحيدة ولذلك فكرت في أن تترك قريتها هربًا من أحزانها.
وعندما سمع مينكيتشي قصتها قرر السماح لها بالبقاء حتى يتوقف تساقط الثلوج.
ومرت الأيام تباعًا، وفي النهاية أحب كل منهما
الآخر؛ ثم تزوجا. وصار مينكيتشي يشعر بسعادة بالغة بعد أن تزوج من «أويوكي»،
وبدأ في الاهتمام بالحياة من جديد بعد أن كان قد انقطع عن الحديث مع أحد منذ
موت أبيه. ورزق مينكيتشي وأويوكي بخمسة أطفال، وكانا يعملان بجدية كاملة، كما
كانا سعيدين تمامًا بحيث صارا محل غيرة جميع جيرانهما.
وكانت تلك الفترة بالنسبة لمينكيتشي أسعد فترات
حياته منذ أن توفي والده ولكنه لاحظ شيئًا غريبًا؛ فعل الرغم من
مرور سنوات عديدة منذ قدوم «اويوكي» لتكون امرأته فإنها كانت لاتزال تحتفظ بشبابها
وجمالها.
ومرت سنوات عديدة؛ وذات ليلة قاسية البرودة،
وبعد أن آوى الأطفال إلى فراشهم، وبينما كان مينكيتشي يرقب «اويوكي» وهي
تصلح الملابس، تذكر عدة أشياء: تذكر أول يوم قابل فيه أويوكي؛ وتذكر الأيام السعيدة
التي مرت عليهما سويًا مع الأطفال الخمسة؛ وتذكر الليلة المرعبة التي هبت فيها
العاصفة الثلجية عندما تجمد والده موساكي حتى الموت.
وبدأ يفكر في تلك الليلة من جديد حيث كانت
شبيهة بليلته تلك. ودون غرض معين أخذ يتحدث مع أويوكي التي واصلت الحياكة
في صمت. ثم تكلم عن أبيه الذي تجمد بسبب الهواء البارد الذي خرج من فم المرأة ذات
الرداء الأبيض؛ فقالت اويوكي: «ألم تتحدث عن امرأة الثلوج؟». لم يتمالك نفسه من الدهشة
من كلمات اويوكي، وغمغم: «هه!».
واستكملت هي حديثها قائلة: «لقد حذرتك من أن
تتفوه بكلمة عما حدث في تلك الليلة لأي شخص كان وإلا سأنال منك. إنني
أنا امرأة الثلوج. ولكنني عندما أفكر في الأطفال لا أستطيع قتلك. ولهذا فأنا راحلة
وأرجوك أن تتولى رعايتهم».
ثم اختفت منذ ذلك اليوم. وحتى يومنا هذا لا
يزال الناس يحكون عن أن هناك في الجبال الموجودة في شمال اليابان امرأة
الثلوج، ويرجعون سبب رحيلها دون أن تؤذي مينكيتشي لسببين: الأول؛ أنها ربما لم
تستطع أن تتغافل عن حسن معاملته لها، والثاني أنها ربما كانت تفكر في مصلحة
أبنائهما؛ ولذلك رحلت في سلام لتترك لهم من يرعاهم... ولكنها تصدر صوت الرياح عندما تتحرك
في الجبال المكسوة بالثلوج.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق