قصة وعبرة

الجمعة، 5 فبراير 2016

• قصص الأطفال: عاقبة السرقة والنميمة

مع أسرته الصغيرة كان يسكن صديقنا "صدوق"، طفل في الخامسة من العمر، له ثلاث إخوة يكبرونه جميعًا، كلهم موفقون في دراستهم، مؤدبون في أخلاقهم، محبوبون من قبل الجميع...
في أول يوم دراسي له أحدث مشكلة كبرى أفسدت على مدرسته سائر يومها. بعد خروجهم في لحظة الاستراحة؛ تسلل إلى قاعة الدرس وأخذ عددًا من أدوات زملائه ووضعها في محفظة المدرسة، لما عادوا إلى القسم وجدوا أدواتهم قد سرقت فراحوا يصرخون ويبكون، وصدوق ينظر مترقبًا ماذا ستفعل المعلمة!

طلبت من الجميع فتح محافظهم ووضعها فوق الطاولة؛ ثم راحت تبحث عن الأشياء المسروقة بين أدواتهم، انتهى الصف الأول ولم تجد شيئًا، انتهى الثاني ولم تصل يدها إلى أي شيء، واصلت ولم يبق لها إلا طفلان، ظهرت علامات الحيرة والغضب على وجهها، انتهت من التفتيش فلم تصل إلى نتيجة... توعدت وهددت وصرخت في وجههم؛ لكن لا مجيب... الجميع صامت خائف...
نادت مدير المؤسسة فأخبرته بما جرى، وقف بهامته الطويلة بين الصفوف، وجه السؤال إلى الجميع، من السارق بينكم؟
خيم صمت رهيب على المكان، بعضهم بدأ يبكي من شدة الرعب الذي أحدثه المدير...
مرت عليهم لحظات عصيبة ثم قام "صدوق" وسط الجميع قائلا: إنها المعلمة، لقد رأيتها بعدما خرج الجميع تأخذ أدواتهم... كل شيء في محفظة المعلمة!
ارتفع صراخ المدير وقام يولول: ماذا تقول أيها اللعين، من علّمك هذه الوقاحة؟
لم يتراجع "صدوق" عن كلامه: لقد رأيتها بأم عيني، ويمكنك التأكد الآن أيها المدير!
وبينما المُدرسة جامدة في مكانها، وعلى وجهها حمرة شديدة، نظر إليها المدير قائلاً: ماذا يقول هذا الأحمق يا أستاذة؟
بحركات غاضبة، ونظرات حادة اتجاه "صدوق" قالت المعلمة: دعنا ننهي حديثنا عن هذه الكارثة سيادة المدير.
توجهت إلى المحفظة التي وضعتها فوق مكتبها وحملتها إلى جانب مقعد "صدوق"، ثم أمسكتها من الأسفل فرمت كل ما فيها فوق طاولته، لكن المفاجأة كانت كبيرة: كل المسروقات ظهرت مع أدوات المُدَرِّسة ...
جُنّ جُنونها، ونسيت وجود مديرها فراحت تصرخ في وجه "صدوق": أنت فاعلها أيها الحقير، لقد سرقتها من الأطفال ووضعتها عندي أيها الوقح اللعين...
تدخّل المدير ساعتها ثم خاطبها: لا عليك يا أستاذة؛ سنأخذه إلى قسم آخر...
المُدَرِّسة: أتمنى ألا أراه بعد اليوم في المؤسسة.
المدير: لا نستطيع طرده، فوالده صديق عزيز، وأسرته من خير الأسر، ولست أدري من أين جاء بكل هذه الوقاحة، إخوته جميعًا مؤدبون مهذبون، جادون في دراستهم...
في اليوم التالي أخذه المدير من يده وحمله إلى مدرس آخر.
دخل القاعة وجلس بين أقرانه؛ وظل يراقب وينتظر لحظة الاستراحة. فلما خرج الجميع عاد إلى قاعة الدرس فأخذ كل ما يكتب به المدرس من أقلام. انتهت الاستراحة فدخل الجميع. توجه الأستاذ إلى مكتبه لكنه لم يجد ما يكتب به من أقلام، استغرب من ذلك فلم يشك في شيء بداية، لذلك ذهب ليبحث في حقيبته فلم يجد شيئًا، تأكد ساعتها أن طفلاً من الأطفال وضع عليها يديه، لأنه كان يكتب بها قبل الاستراحة.
نظر في أعينهم باحثًا عن الفاعل فلم ير إلا عيونًا خائفة ودموعًا نازلة...
مرة أخرى يتدخل "صدوق" فينظر إلى أحد زملائه ويوجه أصبعه نحوه: إنه السارق يا أستاذ!
لم يتمالك الطفل المسكين نفسه من البكاء، وانطلق يصرخ ويبكي وعيناه تسيلان من الدمع: والله لم أفعل شيئًا، والله لم أفعل شيئًا، لقد خرجتُ مع الجميع ودخلتُ مع الجميع، ثم أخذ المحفظة وتوجه بها إلى المدرس قائلاً: يمكنك التأكد يا أستاذ، فتح المدرس المحفظة فكانت المفاجأة مرة أخرى، إنه يرى أقلامه في المحفظة، فما سرّ البكاء إذن؟! ولماذا لم يكن خائفًا فجاء بها من تلقاء نفسه؟!
تأكد المدرس ساعتها أن وراء الأمر سرًا؛ فأخذ أقلامه ولم يعاقب الطفل المسكين، لكن السؤال ظل عالقًا حتى التقى بالمدير بعد نهاية الدرس فسأله: ما قصة الطفل الذي جئتني به في الصباح سيادة المدير؟
روى له المدير حكايته مع المعلمة، فكُشف له السر حينها، وثبت عنده يقينًا أن فاعل الفعلة هو "صدوق"!
قضى "صدوق" سنوات وهو على هذه الحال، لا يكف عن إحداث المشاكل حيثما ذهب، فكثر المبغضون له نتيجة كذبه.
لما وصل إلى السنة الثالثة إعدادي أحدث كارثة بين زملائه في الفصل؛ بسبب الكذب الذي كان ينشره بينهم، لقد كان يصنع كلامًا فيه سب وشتم من عنده ثم يأتي إلى أحد أقرانه في الفصل فيقول له لقد قال فيك فلان كذا وكذا... فنشر العداوة بينهم، غير أنه لسوء حظه في منتصف السنة الدراسية انتقل إلى قسمه تلميذ كان يدرس معه منذ الصغر، وكان يعلم أنه كذاب، هذا التلميذ الجديد أثار استغرابه ما كان بينهم من عداوة، فأخذ يسأل كل واحد بمفرده فيقول له لقد قال عني فلان كذا وكذا... فيسأل من أين عرفت، وكلهم كانوا يقولون: أخبرني "صدوق".
مرت على ذلك أيام فاغتنم فرصة غياب "صدوق" فجمع الجميع وكشف الحقيقة، عندها قرر الجميع مقاطعته.
في اليوم التالي حضر "صدوق" وذهب ليجلس في مقعده كالعادة، لكن زميله الذي كان يجلس إلى جانبه حمل حقيبته وغَير المكان، وراح ينظر إليه نظرات كلها احتقار وازدراء، وكذلك كان يفعل الآخرون، ثم قام بعضهم يقول: أيها الكذاب؛ لقد كنت سببًا في العداوة بيننا، ومنذ هذا اليوم لم يعد لك مكان بيننا ...
قضى صدوق شهرًا كاملاً لا يكلم أحدًا ولا يكلمه أحد... إنه الجحيم...
ذات يوم قرروا الذهاب في رحلة فلم يقبلوا ذهابه معهم، فضاقت به الدنيا بما رحبت. جلس على عتبة الدرج متأبطًا محفظته، منحنيًا برأسه على ركبتيه، لا يُسمع إلا شهيق بكائه... لقد أحس بالأسى والحسرة والحزن على ما وصل إليه نتيجة كذبه، وندم ندمًا شديدًا؛ فتمنى حينها أن تعود به الأيام فيخط لحياته مسارًا جديدًا؛ لا كذب فيه ولا نفاق.
قام من مكانه وذهب نحو زملائه فاعتذر من الجميع، ووعدهم بأنه سيغير سلوكه ذاك، ولن يعود إلى الكذب مرة أخرى. أعجبوا بصنيعه هذا فتقدم الجميع نحوه يعانقونه ويرحبون بعودته.
عمر طاهيري


 تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال

إقرأ أيضًا                           
      

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات


أيضًا وأيضًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق