صعوبات عدة ومتنوعة يواجهها الأهل
يوميًا مع أطفالهم. والمعارضة
عند الطفل تأتي في رأس قائمة هذه الصعوبات حيث يفرض التساؤل التالي نفسه: أهي آفة أم أنها أمر طبيعي؟
كل الأطفال يستخدمون
المعارضة: إما ليتكيّفوا مع مرحلة جديدة من حياتهم،
أو ليكتسبوا استقلاليتهم، وإظهار الطفل لمعارضته شيء ضروري وصحي لنموه بشكل جيد، مهما بدا الأمر متناقضًا، يمكن
القول إن الطفل بحال جيدة حين يعارض.
فالمعارضة هي انعكاس
لمرحلة جديدة من حياة الطفل، ومن رغبته بالاستقلالية،
وبالتالي، يعيش الأهل بشكل دائم ومنتظم وضعيّات، لا بل مراحل، من المعارضة تستمر عمومًا إلى أن يستقل
ويترك المنزل الأسري. ويحصل التعبير عنها في المجال
أو المجالات المتعددة، التي تتضمن فرض الممنوعات (العائلية، الاجتماعية، المدرسية)، والتي تساعد الطفل على تكوين
قوانينه الداخلية انطلاقًا من إدراكه الشخصي
لهذه الممنوعات وهذا ما يسمى (الأنا العليا).
ومن الممكن أن تكون
هذه المعارضة عبارة عن موقف رفض عام، حيث تتواتر الصراعات
بشكل يومي، وحيث تتعدد مواضيعها وتتنوع: يمكن التمييز هنا بين شكلين (الرفض الناشط والرفض السلبي - العدائي) وهما غير متماثلين، إن من
حيث الدلالة، أو من
حيث المظاهر أو النتائج (أي ما ينجم عنهما من انعكاسات).
الرفض الناشط:
هو الذي يتم التعبير عنه بـ(لا) واضحة،
ببكاء، بغضب، بعدوانية
لفظية...إلخ، من مظاهره الأكثر تواترًا نذكر: رفض قنينة الحليب، رفض الأوامر والتعليمات، رفض القيام بالفروض
والواجبات، التعبير عن مظاهر غضب مع التلفظ بإهانات،
أو مع حركات عنيفة أي، باختصار، القيام بسلوكات ظاهرة خارجيًا، لكن، تجدر الإشارة إلى أن معظم الرافضين الناشطين
لا يذهبون بعيدًا من حيث المشاكسة والصراع: فهم،
غالبًا، أطفال يجادلون ويجب التصارع معهم ليقوموا بتنفيذ ما يُطلب منهم.
وتعتبر
بعض مراحل الطفولة، مولدة لهذا النوع من الرفض:
من السنة الثانية إلى
الأربعة أعوام:
حيث يبدأ الطفل بضبط اللغة، وينمو
الإحساس عنده، بقيمته كشخص قادر على تحقيق التواصل
مع الآخرين، والتأثير عليهم:
في هذه المرحلة، يرفض الطفل عمليًا كل شيء، ويقيّم نتائج رفضه، بحيث يعيد تكرار الأكثر تأثيرًا على هؤلاء ويترك
السلوكات الأخرى.
مرحلة ما قبل - المراهقة
(10-12 سنة):
وتتميز بوضعية خاصة، إذ يطلب من
الطفل ترك أحلام أو مواقف الأطفال، لكن يمنع عليه التصرف كمراهق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يترك المدرسة الابتدائية
على المستوى المدرسيّ، ليجد نفسه ضمن إطار تربوي
لن يتغير منذ السنوات العشر حتى السبعة عشر عامًا، وعلى المستوى الفيزيقي الجسدي، العقلي والعاطفي، هناك تفاوت
بالنسبة للزملاء الذين يلتقيهم يوميًا.
يواجه أطفال هذه المرحلة
الإكراهات (الضغوط) نفسها: العائلية، المدرسية
والاجتماعية - الثقافية المفروضة على المراهقين، وهم يترجمون انزعاجهم من هذا الوضع عن طريق رفض ناشط وشامل تجاه
كل الإكراهات، رفض يهدف لإظهار اختلافهم عن المراهقين،
لكن، بما أنهم مازالوا يجهلون تمنياتهم الفعليّة بخصوص المستقبل، فإنهم يرفضون كل شيء دون أن يكونوا قادرين على
إعطاء التفسيرات الكفيلة بإيضاح رفضهم.
مرحلة المراهقة: حيث تبدو المعارضة في أوجها، وهذا أمر
طبيعي.
فلكي يصبح مراهقًا،
على الطفل دفن معتقداته الطفلية السابقة، ومنها اعتقاده
بأن أهله هم الأجمل، الأقوى، يعرفون كل شيء...إلخ، وبمقدار ما يكبر، يحتاج إلى هدم هذه الهوامة، الأمر الذي يتطلب
مروره بعدّة مراحل:
المرحلة الأولى: حيث لا يتقبل الطفل إعادة النظر هذه
بالنسبة للأهل كنموذج
ويحاول، برعونة، إصلاح أهله محاولاً، بذلك، المحافظة على مثاله الهوامي للأهل الكاملين، وهذا المثال غير موجود،
تمامًا كمثال الطفل الكامل، غير الموجود هو الآخر.
المرحلة الثانية: حيث يقوم الطفل فعليًا بعملية الدفن
للتخلص من هذا المعتقد،
ومن الطبيعي أن يترافق ذلك مع ألم وحال نفسية مميزة: فقد يتوصل لتحمل هذه الفترات المؤلمة عن طريق سلوكات تصحيح،
إبداع أو تسامي: سيتابع بحثه من حيث التماهي،
مثلا، عن طريق محاولة التشبّه براشدين يتخيّل أنهم مثاليون (وليتمكن من تحقيق الاستقلالية، يجب ألا يكون هؤلاء
هم الأهل)، هنا نجد حيطان الغرفة تمتلئ بصور لأبطال
رياضيين أو ممثلين...إلخ. وقد لا يتحمل هذا الألم، فيحاول إلغاء انزعاجه عن طريق سلوكات معارضة وانتقال للفعل
(يتلفظ بتعابير نابية - عدائية، يكسر الأشياء فتتطاير
شظايا، يتصرّف بعنف مثلاً) أو هروب أو انفجار غضب...إلخ.
المرحلة الثالثة: حيث يدرك الطفل واقع أن الأهل، وإن
كانوا غير
كاملين، فإنهم نجحوا
بأن يصبحوا راشدين، وهنا، سيحاول اختبار قوة مبادئهم وطبعهم كأهل
عن طريق مهاجمتهم، فإن بقوا صامدين وثابتين في مواقفهم، يتخذهم مثالا له كي يصبح راشدًا مستقلاً. غني عن القول هنا
بأن (في كل مراهقة، هناك جريمة)، جريمة رمزية
طبعًا، بحق الأهل لأخذ مكانهم، أي إبعادهم كي يصبح راشدًا ويتمكن من بناء منزله الخاص به، وهذا ما يفسر حدّة
مشاهد المعارضة في هذه المرحلة من العمر.
الرفض السلبي - العدائي: هنا، يقول الشخص (نعم) بهز الرأس و(لا) بالقلب، فالرافضون السلبيون، العدائيون
يتجنبون الوضعيات غير السارة دون الدخول في صراع،
رسميًا، هم دائمو الموافقة، لكنهم يتدبرون أمرهم ليفعلوا ما قرروا هم فعله:
في البيت: يقولون بأنهم يملّون (يضجرون)، ومع ذلك،
لا يمكن التحدث معهم
إن كانوا يشاهدون التلفزيون مثلا أو...، يوحون بالانطباع أنه يُطلب منهم الكثير (القمر مثلاً) تجاه أي طلب يتم
توجيهه إليهم، لا يقبلون التعرّف على أخطائهم ويلقون
المسئولية على الآخرين (قد يحلفون، لدى ارتكابهم خطأ إملائيًا، أن الأستاذ هو من علّمهم بهذه الطريقة).
مع رفاقهم: يندمجون معهم، في مرحلة أولى، لأنهم
دائمو الموافقة على ما يقال،
وقد يعدون، مثلاً، بقرض أشيائهم للرفاق، لكنهم، إن لم يكونوا يريدون ذلك، فإنهم يستنبطون أكاذيب لتبرير عدم جلبهم
لها.
وأكاذيبهم هذه سرعان
ما تؤدي، في مرحة ثانية،
لرفض الرفاق لهم حيث تكون ردة فعل هؤلاء قوية بمقدار ما كان تقديرهم الأوّلي لهم قويًا.
على مستوى التعلم: يعاني هؤلاء عمومًا إخفاقًا مدرسيًا،
من تدنٍ في احترام
الذات، لكنهم لا يفعلون شيئًا لتغيير موقفهم.
هذان النمطان من
المعارضة لا يلتقيان إلا نادرًا، لكن الطفل يلجأ غالبًا
لهذا النمط أو ذاك تبعًا للظروف كـ: الكذب لتجنب تلقي القصاص أو الانخراط الشخصي في عمل ما، الغضب، العدوانية
اللفظية أو الرفض الصريح لتأكيد الذات تجاه بعض المفروضات،... إلخ، لكن، تجدر
الإشارة، هنا، إلى أن للموقف العدواني الفضل بأنه صريح،
حتى وإن كان متطرفًا، إذ يسمح، بعد انقضاء الأزمة، بمناقشة المشاكل التي تمّ عرضها وليس لتجنبها.
هنا يفرض التساؤل
الجوهري التالي نفسه على الأهل:
حين يعارض الولد، ماذا نقول؟ ماذا نفعل؟
لابد من تنبيههم،
بادئ ذي بدء، لواقع كون المعارضة لا تشكّل سوى الجزء المنظور،
نوعًا ما، من المشكلة: فالطفل، المراهق على وجه الخصوص، يستخدم العديد من الوسائل الملتوية ليعبّر عن سوء حالته
(ليقول إنه ليس على ما يرام)، فهو يتخيّل، عن خطأ
أو عن صواب، أن الأهل يفهمون ألمه النفسي بشكل أفضل إن عبّر عنه، مثلاً، عن طريق الجسد، وهنا يحصل الخطر الأكبر، إذ
قد يتم التركيز على الأعراض الظاهرة أو قد يحصل
حوار أو عراك حول هذه الأعراض السطحيّة للمعارضة، في حين يبقى الاضطراب الأكثر عمقًا خارج الإطار فيزداد خطورة...إلخ.
لذا، من المتوجب على
الأهل، كخطوة أولى، تقييم الوضعية: هل هي سوية أم غير
سوية؟
بمعنى آخر يجب أن
يكونوا قادرين على التمييز بين السلوكيات السوية (أي المتلائمة
مع مميزات النمو) وبين السلوكيات المثيرة للتساؤل، وهذا ما يتطلب منهم تعلم الملاحظة والتقاط بعض مؤثرات الصحة،
أي معرفة ما هي السلوكات التي يجب أن تشغل بالهم،
وما السلوكات التي تعتبر عادية بالنسبة لنموّه، يشكل ذلك، في الحقيقة، أول مرحلة في برنامج التغيير الذي سيضعونه،
ثم إن السلوك يمكن قياسه وملاحظته (مثل حرارة
الجسم).
وباختصار، نقول: تجاه
سلوك الطفل، على الأهل طرح الأسئلة الثلاثة التالية
على أنفسهم:
1) هل
هو قادر، على المستوى النفسي والعاطفي، على تحقيق ما يطلبونه منه؟
2) والتعليمات
التي وجّهوها له، هل هي دقيقة وواضحة بشكل كافٍ كي تكون قابلة
للتطبيق؟
3) ومواقف
الطفل و/أو المراهق، هل هو موقف رفضي واضطرابي أم أنه ببساطة تعبير
عن عدم قدرته على احتمال الإحباط.
قياس المشكلة: تأكد الأهل أنه فهم التعليمات وأن
موقفه يعكس ببساطة وجود
مشكلة، كيف يقيسونها؟
أولا: عن طريق تحديدها بشكل دقيق، أهي سلوك
معارضة مثلا؟ يجب، من ثم،
تحديد تواتر هذا السلوك، باليوم، بالأسبوع وحسب الفئة (مثلا الغضب: تعداد كل التعابير الخاصة به من: بكاء، زم شفاه،
صفق أبواب،...إلخ)، وبالإمكان رسمه على منحنى
يمثل عدد حالات الغضب بالأيام. وإن كان هناك أكثر من مشكلة، يتم تحديد كل منها بمفرده (وبالطريقة نفسها).
ثانيًا: تقييم الدرجة أو الحدة (درجة الغضب
مثلا) على سلم من (صفر - 100 حيث يمثل الصفر أدنى
الدرجات والمائة أقصاها)، مثال: اليوم، نهار الثلاثاء، الوضعية:
غضب عند النوم، الحدة: 75%)، يمكنهم هذا التقييم من أن يكونوا أكثر موضوعية، كما يجنبهم القيام بردّات فعل
حادة (من نمط الكل أو لا شيء، مثلا).
ثالثًا: وصف وضعية (أو وضعيات) المعارضة: حيث
يتم تحليل وظيفة السلوكات،
وهذا ما يسمى بـ(التحليل الوظائفي)، أي البحث عن وجود علاقة سببية محتملة بين سلوك معين وبيئته، أي ما يسمى
(المثيرات السابقة) للسلوك...المشكلة، مثال: قد يلاحظ
الأهل، مثلا، أن الولد يرفض القيام بفروضه المدرسية بوجود برنامجه المفضل على التلفزيون، لكنه يطيع حين ينتهي
البرنامج أو أنه يرفض القيام بفروضه في كل الأحوال، أو
.. إلخ.
رابعًا: تقييم انعكاسات المشكلة: فالسلوكيات،
كما بحال وجود حرارة مرتفعة،
ينبغي تقييمها وذلك، على أربعة مستويات:
1) مستوى
تأثيرها عليه شخصيا (يبدو تعيسًا،
دائم الشكوى)، لديه انطباع بأنه غير محبوب ولا أحد يفهمه، يحس بالضجر، كل ما يفعله الأهل لا يرضيه...إلخ؟
2) مستوى
تأثيرها على عطائه المدرسي: انخفض هذا العطاء
عمّا كان عليه في السابق؟ في مادة معينة أم بشكل عام؟ ومن المهم جدا هنا ملاحظة: هل يشارك في الصف أم لا؟ أيقوم
بواجباته؟...، ثم مناقشة ذلك معه ومع المعلم،
المهم، عدم الدخول في صراع معه، بل البقاء بحال يقظة دائمة يمكن معها التدخل عند الحاجة (هذا ما يسمى
بـ(الحياد المرحب).
3) مستوى
تأثيرها على الناحية العلائقية،
فالقدرة على إقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين (وتسمى (تطور الاجتماعية)،
هي بأهمية النتاج المدرسي نفسه: أعلاقته بالآخرين، زملاء الصف بوجه خاص، جيدة أم أنه يعزل نفسه، وصداقاته
أهي محصورة جدا؟ ينبغي سؤال المعلمين عنه وتسجيلها،
بالإضافة لكل ما سبق، على دفتر خاص ليشكل ذلك ركيزة كل مناقشة معه، وأي اتخاذ للقرار فيما بعد.
4) مستوى
تأثيرها على رد الفعل عندهم كأهل: كم ساعة تشغل المشكلة
اهتمامهم في اليوم؟ درجة تأثرهم حين يطلبون منه القيام بشيء معين؟ لأية درجة يخافون الصراع؟ وما الذي تستغرقه
العراكات والمشادات بينهم وبينه على حساب: إخوته
الآخرين، العلاقات الزوجية، استمرار العائلة بإقامة علاقات اجتماعية...إلخ؟
تتم مناقشة هذا
التقييم، من ثم، مع الطفل أو المراهق، مما يسمح له بوعي
نتائج سلوكه، ولذلك أهمية قصوى إذ يشكل هذا التقييم ركيزة الحوار التواصلي بين الأهل وبينه. وقد يؤدي ذلك لحوار حقيقي
يهدف لمناقشة، وفهم أصل وأسباب الصعوبات التي
يلتقيها الطفل أو المراهق، ومن ثم، التفاوض معه على الوسائل الكفيلة بإحداث تغيير في سلوكه.
لاختصار هذه المرحلة
الأولية والأساسية في أي تعامل بين الأهل والولد و/أو
المراهق ذي المشكلة التي تكمن في القيام بقياس دقيق لما يزعجهم في سلوكه والتي تساعدهم على تأمين رؤية موضوعية وحيادية
لهذه المشكلة نقول، هناك فترات مهمة على مستوى
التقييم:
·
تحديد دقيق للسلوك - المشكلة.
·
تقييم درجة حدّته وتواتره.
·
تحديد العلاقة النسبية: سبب - نتيجة
(الوضعيات المعززة لظهور المشكلة).
·
تقييم تأثيرها والانشغال الذي تحدثه.
·
قياس مستوى وعي (أو إدراك) الطفل أو
المراهق لها كمشكلة.
الخطوة أو المرحلة
الثانية: التشخيص أي تحديد ما إذا كان السلوك مرضيًا
أم لا وهل استشارة الأخصائي ضرورية؟
بعد استقاء المعلومات
المتكاملة بخصوص المشكلة، التي تشغل البال، يصبح بالإمكان
تصنيفها ضمن الإطار السوي أم ضمن الإطار المرضي، وهنا، لابد من العودة إلى محكات معينة نلخصها كالآتي:
التواتر: يبقى السلوك سوائيًا طالما ظهر بشكل
متقطع وعابر، مهما كان متطرفًا،
وهو مرضي، حين يظهر بتواتر (أي ظهر سابقًا ومازال مستتبًا).
الوقت: يستمر السلوك منذ شهرين إلى ستة أشهر،
وبشكل واضح؟ = مرضي.
الحدّة: إذا بقي الانزعاج والانفعالات الناجمة
عن السلوك المتطرف محتملين،
فالسلوك هو سوي، لكن حين يسيطر الألم النفسي على الطفل أو المراهق، بمعنى أنه حاد ومكثف، والانزعاج مسيطر بحيث لم
يعد الفرد قادرًا على التحدث عن حالته، فالسلوك
هو مرضي.
تطور السلوك: يبقى السلوك المتطرف محصورًا بقطاع
معين ثم يختفي؟
= السلوك سوي، على
العكس، امتد السلوك لسلوكات أخرى (أي ليشمل قطاعات أخرى) جديدة لا يفهمها المحيط (أي البيئة المحيطة
بالفرد) = السلوك مرضي.
وقع (أو صدى) السلوك: طاقات الطفل أو المراهق على التكيّف:
الفكري،
الاجتماعي، العاطفي...إلخ،
لم تتأثر سلبًا (أي لم يحدث فيها تعديل سلبي) = السلوك سوي،
لكن، على العكس، يبدي الفرد صعوبات تكيّف مع وضعيات الحياة اليومية، يجد صعوبة بإدارة المعلومات الجديدة التي يتلقاها،
تطوره النفساني مضطرب؟ = السلوك مرضي.
الأسباب: يختلف الوضع إن ظهر السلوك إثر أمور أو
بوجود أحداث معينة قد تبرر
حدوثه، أي أنه رد فعل طبيعي على الموقف المعيش، أم لا، لكن، في كل الحالات، من المتوجب معرفة الأسباب لإدخالها كجزء لا
يتجزأ من خطة تعديل السلوك غير المتكيف.
التواصل مع الآخرين: هل تعطل هذا التواصل؟ والتواصل العفوي
بين مختلف
أفراد الأسرة (أي
الدينامية العائلية) هل تعطّل؟ ينبغي التعرف على ذلك.
تساؤل يفرض نفسه: كيف تستخدم
هذه المحكات؟
أولا: ينبغي ملاحظة الطفل أو المراهق ومحاولة
الكشف عن السلوكات غير المتكيفة
التي تبدو متطرفة، ثم التحقق منها بسؤال أشخاص آخرين (أفراد العائلة الموسعة، الأصدقاء، الوسط المدرسي..)،
وأخذ عجز أشخاص من خارج الأسرة عن تحمل هذه السلوكات
بالاعتبار.
ثانيًا: ملاحظة كل سلوك انطلاقًا من المحكات
المذكورة (تواتر السلوك، استمراره،
درجة الألم النفسي الناجم عنه، امتداده لقطاعات أخرى، عدم التكيف مع وضعيات الحياة..) تقييم درجة الانزعاج
التي يثيرها السلوك عند الطفل أو المراهق خلال
اليوم.
ثالثًا: ملاحظة الأهل درجة احتمالهم لهذا
السلوك (و/أو السلوكات) وخصوصًا
مقارنة موقفهم مع مواقف أولئك الأشخاص الذين تم سؤالهم سابقًا بهذا الخصوص.
رابعًا: إذا كانت درجة عجزهم عن تحمل هذا
السلوك (أو السلوكات) مسيطرة،
أو إذا كانوا يتحملونه كسلوك والآخرون لا، عليهم الاستعلام (بقراءة كتب متخصصة و/أو سؤال ذوي الخبرة و/أو
التحدث عنه مع الطبيب في أول زيارة له أو مع طبيب المدرسة)
للتمكن من تقييمه بدقة عند ولدهم.
خامسًا: إن كان التواصل مع الطفل و/أو المراهق
لايزال ممكنًا وهم، كأهل،
ليسوا مصابين بدرجة مرتفعة من القلق نتيجة ما اكتشفوه، بإمكانهم إذن معالجة الموضوع معه في الوقت المناسب الذي
يختارونه لكي: يقيموا درجة تألمه ووعيه (أي إدراكه)
للمشكلة، تحسيسه وتهيئته لخطة العلاج التي سيتم تحديدها في ضوء التشخيص الذي قاموا به، أو الذي أشار إليه
الاختصاصي عند استشارته، وعليهم المشاركة بالعلاج.
نصائح عملية
كي لا نطيل، في هذا المضمار، نتوجه للأهل بالنصائح
العملية التالية (وهي ناجمة عن خبرة وممارسة علاجيتين
طويلتي المدى من قبلنا، ومن قبل العديد من المعالجين
النفسيين) التي تساعدهم بمقدار كبير:
·
تجنبوا، قدر المستطاع، الدخول بصراع مع
الطفل أو المراهق، وإن اضطررتم لذلك،
أوقفوا العراك بأسرع ما يمكن لأنكم الخاسرون مسبقًا.
·
لا تشعروا بالذنب، فلستم عرّافين، ثم،
مع أفضل إرادة بالعالم، تبقى الصراعات
موجودة ومستمرة.
·
لا تنسبوا الصراع لأنفسكم، فابنكم يحاول
بكل بساطة، اختبار حدوده أو رؤية
إن كان بإمكانه تسييركم.
·
تقبّلوا الإخفاقات، فلستم كاملين (لا
وجود لإنسان كامل، كما لا وجود لطفل
أو مراهق كامل).
·
فسّروا موقفكم مرة واحدة، لا تدخلوا
بجدال معه، فأنتم الخاسرون مسبقًا.
·
تقبّلوا، لا بل ساعدوه ليبدي إحباطه،
فالتعبير اللفظي وغير اللفظي يساعده
كثيرًا على التنفيس عمّا يعتمل بداخله ومن ثم، على الارتياح.
·
لا تكثروا من استخدام القصاصات، وعلى
العكس، أكثروا من استخدام التدعيم والتركيز
على السلوكات الإيجابية والمتكيفة التي يقوم بها.
·
لا تحسّوا أنكم وحدكم من يواجه مثل هذه
الصعوبات، وأنكم مسئولون عن كل سوء
يحدث، حاولوا مناقشة ذلك مع أهل آخرين (خصوصًا الصادقبن منهم)، فسرعان ما يتبين لكم أنهم يواجهون المشاكل مع أولادهم:
استغلوا الفرصة وتبادلوا الخبرات فيما بينكم إذ
من شأن ذلك مساعدتكم على مواجهة الصعوبة بتقاسمها مع الآخرين وبالاغتناء مما يقدمه لكم تبادل الخبرات فيما بينكم.
·
لاحظوا دون تأويل: خذوا حذركم من
انفعالاتكم وردّات فعلكم (اللفظية وغير
اللفظية).
·
حاولوا دائمًا استعادة التواصل مع ابنكم
(أو ابنتكم): فالصراع والشجار...يحولان
دون ذلك أما الحوار الهادئ فيؤمنه.
·
حاولوا دائمًا إيجاد مجال ثان للتفاهم،
فيما بعد: من الأسهل دائمًا فهم الأمور
بعد أن تهدأ الحالة.
·
لا تسمحوا أبدًا للاعتقاد بأنكم مربون
سيئون يسيطر على ذهنكم.
·
اعتبروا، منذ البداية، أن السلوك (سلوك
المعارضة خصوصًا) هو مؤشر على الصحة:
صحة ابنكم (أو ابنتكم) الذي يكبر، يصبح أكثر استقلالية وتتطور شخصيته، ودوركم، يكمن في رعاية هذا النمو
والتطور المحققين عنده وتأمين الإطار السليم لهما.
·
خذوا الوقت الكافي لتقييم النصائح
الموجهة إليكم، إذ ليس من السهل تطبيقها
ضمن الإطار اليومي: فقد تشعرون، في أحيان كثيرة، أن الأحداث تتجاوزكم (وهذا أمر طبيعي)، لكن ثقوا بأنفسكم وتذكروا
دائمًا أنكم لستم وحيدين، وأن الوقت يجري لمصلحتكم.
·
لا تترددوا أبدًا باستشارة الأخصائي حين
تحسّون بأن الأمور تتجاوزكم، فكلما
جاءت المعالجة بشكل أبكر كان الحل أسرع، وإمكانات الشفاء أكبر وأفضل، وإلا: فإن الأمور ستتفاقم وستتأزم الأحوال.
كخلاصة
لما سبق،
نعيد التركيز على واقع كون سلوك المعارضة (أو أي سلوك اضطرابي
وإشكالي) عند الطفل أو المراهق هو عبارة عن طريقة اتصال غير مباشر يسمح له بتحقيق فوائد مباشرة كالاستئثار
باهتمامكم، تجنب القيام بما تطلبونه منه ( أو منها)...إلخ،
كم يسمح له، وعلى المدى الطويل، بتأكيد شخصيته ورغبته بالاستقلالية لكن، شرط ألا يكون مكثفًا (حادًا) ويؤدي
لتهميشه، ولإثارة الاضطرابات بالعلاقات أو بالدينامية
العلائقية المميزة للعائلة. إن كان كذلك، على الأهل التصرف وأخذ الأمور بيدهم (تعتبر هذه اخر مرحلة في برنامج
التغيير). وهنا، نشير إلى أن التغيير ممكن، لا
بل يحققه الأهل غالبًا، في مسيرة حياتهم العائلية، ودن أن يدروا، يساعدهم في ذلك الحب والعفوية المميزان لهم كأهل، ما
القول، إذن، حين يضيفون لهذه القدرة العفوية فعالية
التخطيط له (أي للتغيير)؟
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق