فِي يَوْمِ
أَحَدٍ دَعَا وَائِلٌ أَصْدِقَاءَهُ الصِّغَار: سَمِيرًا وَأَحْمَدَ
وَحَمْزَةَ وَمُرَادًا، لِزِيَارَتِهِ في بَيْتِه، فَرَحَّبَتْ بِهِمْ أُمُّهُ
وَأَجْلَسَتْهُمْ في الصَّالُون، وَتَرَكَتْهُمْ يَتَجَاذَبُونَ أَطْرَافَ الحَدِيث.
عَمَّ الْفَرَحُ
الضُّيُوفَ الأَرْبَعَةَ بِلِقَائِهِمْ في بَيْتِ وَائِل، بَعْدَ
أَنْ كَانُوا لاَ يَلْتَقُونَ إِلاَّ فِي الْفَصْلِ الدِّرَاسِيِّ أَوْ
فِي سَاحَةِ الْمَدْرَسَة. وَسُرَّ وَائِلٌ لاِسْتِضَافَتِهِ ِلأَصْدِقَائِهِ الصِّغَارِ
فِي بَيْتِه.
كَانَتْ
لِوَائِلٍ هِوَايَةٌ غَرِيبَة، هِيَ جَمْعُ صُوَرِ الْمُخْتَرِعِينَ
وَالْمُفَكِّرِينَ وَالرَّحَّالَةِ وَالْمُؤَرِّخِينَ وَالأُدَبَاء،
فَانْتَهَزَ مُنَاسَبَةَ زِيَّارَةِ أَصْدِقَائِهِ وَأَخَذَ يَعْرِضُهَا
عَلَيْهِم.
سَأَلَ سَمِيرٌ
وَائِلاً:
مَنْ هَذَا؟
فَقَال:
أَيْنْشْتَايْنْ.
إِنَّهُ عَالِمٌ كَبِير.
وَسَأَلَهُ
حَمْزَة:
وَهَذَا؟
فَقَال:
أَبُوالْعَلاَءِ
الْمَعَرِّي. مِنْ أَكْبَرِ شُعَرَاءِ الْعَرَب.
وَسَأَلَهُ
أَحْمَد:
وَمَنْ هَذَا؟
فَقَالَ وَائِل:
عَبْدُالرَّحْمَنِ
بْنُ خَلْدُون. الْمُؤَرِّخُ الْعَرَبِيُّ الْمَشْهُور.
وَسَأَلَهُ
مُرَاد؟
وَمَنْ هَذَا؟
فَقَال:
اِبْنُ رُشْد.
فَيْلَسُوفٌ عَرَبِيٌّ كَبِير.
تَوَالَى عَرْضُ
وَائِلٍ لِلصُّوَرِ، واسْتِفْسَارُ أَصْدِقَائِهِ عَنْ
أَصْحَابِهَا، فَكَانَ يٌعَرِّفُهُمْ بِهِمْ وَبِأَعْمَالِهِمْ.
كَانَتْ مِنْ بَيْنِ
الصُّوَر، صُورَةٌ لِلرِّوَائِيِّ الْعَرَبِيِّ نَجِيبٍ
مَحْفُوظ، صَاحِبِ «الثُّلاَثِيَّة»، الْحَائِزِ على جَائِزَةِ نُوبْلْ لِلآدَاب،
وَأُخْرَى لِقَاسِمٍ أَمِين، صَاحِبِ أَوَّلِ دَعْوَةٍ لِتَحْرِيرِ الْمَرْأَةِ
في الوَطَنِ العَرَبِيّ، وَأُخْرَى لاِبْنِ بَطُوطَة، الَّذِي اشْتَهَرَ
بِرِحْلَتِهِ حَوْلَ العَالَم، وَبِكِتَابِهِ «تُحْفَةُ النُّظَّار»، وَأُخْرَى
لِبِتْهُوفْنْ، الْمُوسِيقَارِ الأَصَمّ، وَأُخْرَى وَأُخْرَى...
أَخَذُوا
يَنْظُرُونَ إِلَى الصُّوَرِ بِإِعْجَاب، وَهُمْ يُرَدِّدُون:
هَذَا شَاعِر.
وَهَذَا
فَيْلَسُوف.
وَهَذَا
مُخْتَرِع.
وَهَذَا فَنَّانٌ
تَشْكِيلِيّ.
وَهَذَا عَالِمٌ
في الفِيزِيَّاءِ النَّوَوِيَّة.
وَهَذا رَجُلُ
سِيَّاسَةٍ حَرَّرَ بَلَدَهُ مِنَ الاِسْتِعْمَار.
وَهَذَا...
وَهَذَا...
مَثُلَتِ
الصُّوَرُ أَمَامَهُمْ، فَأَحَسُّوا كَأَنَّهُمْ قَدْ أَصْبَحُوا
يُجَالِسُونَ كُلَّ هَؤُلاَء.
لَفَتَتْ
نَظَرَهُمْ عِمَامَةُ أَبِي الْعَلاَءِ الْمَعَرِّيّ، وَنَظَّارَةُ
طَهَ حُسَيْن السَّوْدَاء، وَنَظَرَاتُ أَيْنْشْتَايْن الْخَارِقَة، وَالشَّامَةُ
الَّتِي عَلَى خَدِّ نَجِيبٍ مَحْفُوظ، وَقُبَّعَةُ وَعُكَّازُ تَوْفِيقٍ
الحَكِيم، وَشَارِبُ سَلْفَادُورْ دَالِي، فَأَخَذُوا يُقَلِّبُونَ الصُّوَر.
اِقْتَرَحَ
وَائِلٌ على أَصْدِقَائِهِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مَزِيدًا مِنْ
صُوَرِ الأُدَبَاءِ وَالْمُخْتَرِعِينَ وَالْفَلاَسِفَةِ وَالْفَنَّانِين،
وَأَنْ يَتَبَارَوْا فِي ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ وَعَنَاوِينِ كُتُبِهِمْ أَوْ
إِنْجَازَاتِهِمْ وَاخْتِرَاعَاتِهِم، فَقَبِلُوا اقْتِرَاحَه، وَبَدَأُوا
فِي التَّبَارِي. كَانَ وَائِلٌ كُلَّمَا لَمْ يَعْرِفْ أَصْدِقَاؤُهُ الْجَوَابَ
أَوِ اخْتَلَفُوا فِيهِ يُخْرِجُ وَرَقَةً كَتَبَ عَلَيْهَا الْمَعْلُومَاتِ
الصَّحِيحَة.
سَأَلَهُ حَمْزَة:
مِنْ أَيْنَ
حَصَلْتَ عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ وَهَذِهِ الْمَعْلُومَات؟
رَدَّ عَلَيْهِ
وَائِل:
مِنَ
الإِنْتِرْنِت.
وَعَلَّقَ
أَحْمَد:
أَجَلّ، مِنْ
خِلاَلِ دُخُولِنَا إِلَى شَبَكَةِ الْمَعْلُومَاتِ نَسْتَطِيعُ أَنْ
نَحْصُلَ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْمَعَارِفِ فِي مُخْتَلِفِ الْمَجَالاَت.
وَقَالَ سَمِيرٌ
مُتَحَمِّسًا:
هَيَّا بِنَا
إِلَى الإِنْتِرْنِت.
فَرَدَّ عَلَيْهِ
وَائِل:
لَيْسَ الآن.
أَنْتُمْ فِي ضِيَّافَتِي.
لَكِنَّ مُرَادًا
طَرَحَ سُؤَالاً أَرْبَكَ الْجَمِيع:
كَيْفَ
يُمْكِنُنَا يَا أَصْدِقَائِي أَنْ نُصْبِحَ مِثْلَ هَؤُلاَء؟
فَغَرَ (فتح)
الأطفالُ أَفْوَاهَهُم. وَقَالَ حَمْزَة:
نُصْبِحُ
مُخْتَرِعِينَ وَعُلَمَاء؟
وَقَالَ أَحْمَد:
نُصْبِحُ
أُدَبَاءَ أَوْ فَنَّانِينَ أَوْ فَلاَسِفَة؟
وَقَالَ سَمِير:
نُصْبِحُ...
نُصْبِحُ...
قَالَ مُرَاد:
كَيْفَ نُصْبِحُ
مِثْلَ هَؤُلاَء؟
فِي تِلْكَ
اللَّحْظَة، جَاءَتْ أُمُّ وَاِئلٍ وَفِي يَدِهَا صِيِنِيَّةٌ
عَلَيْهَا أَكْوَابُ عَصِيرِ الْفَوَاكِهِ وَصَحْنٌ مِنَ الْحَلَوِيَّات.
تَطَلَّعَتْ إِلَى الصُّوَّر، فَسَأَلَهَا مُرَاد:
خَالَتِي، كَيْفَ
أُصْبِحُ عَالِمًا فِي الْفِيزِيَّاء؟
وَسَأَلَهَا
حَمْزَة:
وَأَنَا يَا
خَالَتِي كَيْفَ أُصْبِحُ كَاتِبًا كَبِيرًا أَوْ فَنَّانًا
تَشْكِيلِيّا؟
وَسَأَلَهَا
أَحْمَد:
وَأَنَا يَا
خَالَتِي كَيْفَ أُصْبِحُ رَجُلَ سَلاَمٍ أُخَلِّصُ العَالَمَ مِنْ
هَذِهِ الْحُرُوب؟
وَضَعَتْ أُمُّ
وَائِلٍ مَا فِي يَدِهَا عَلَى الْمَائِدَة، وَقَدْ بَاغَتَتْهَا
(فاجأتها) أَسْئِلَةُ الأطْفَال. نَظَرَتْْ إِلَيْهِمْ بِإِعْجَابٍ وَهِيَ
تَبْتَسِم. قَالَت:
يَا أَبْنَائِي،
السِّرُّ فِي ذلِكَ هُوَ الطُّمُوح. إِذا كَانَ الإِنْسَانُ
طَمُوحًا فَلاَبُدَّ أَنْ يُحَقِّقَ هَدَفَه. يُلَخِّصُ ذَلِكَ الْقَوْلُ
الْمَأْثُور:
مَنْ سَارَ عَلَى
الدَّرْبِ وَصَل.
سَأَلَهَا مُرَاد:
- وَمَا هُوَ
الطُّمُوحُ يَا خَالَتِي؟
شَرَحَتْ لَه:
- الطُّمُوحُ هُوَ
أَنْ تَكُونَ لِلإِنْسَانِ الإِرَادَةُ الَّتِي بِهَا يُحَقِّقُ
هَدَفَه، وَأَن يَكُونَ لَهُ الصَّبْرُ لِلْوُصُولِ إِلَى غَايَتِه.
وَذَلِكَ مَا يَتَطَلَّبُ الْكَثِيرَ مِنَ التَّضْحِيَّة.
غَادَرَتْ أُمُّ
وَائِلٍ الصَّالُون، وَبَقِيَ وَائِلٌ وَأَصْدِقَاؤُهُ
يَتَأَمَّلُونَ مَا قَالَتْه. أَخَذُوا يَشْرَبُونَ الْعَصِيرَ وَيَتَنَاوَلُونَ
الْحَلَوِيَّاتِ وَهُمْ فِي حَالَةِ شُرُود، يَحْلُمُونَ بِأَنْ يَكُونَ
لَهُمْ هَدَفٌ فِي الْحَيَاة، يَسْعَوْنَ إِلَى تَحْقِيقِهِ بِطُمُوحِهِمْ وَصَبْرِهِم.
ظَلُّوا
يَنْظُرُونَ إِلَى صُوَرِ الْعُظَمَاءِ نَظْرَةً مُتَرَدِّدَةً
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُفَكِّر:
هَلْ سَأَكُونُ
مِثْلَ هَذَا، أَمْ مِثْلَ هَذَا، أَمْ مِثْلَ هَذَا؟
قَالَ حَمْزَة:
أَرْغَبُ يَا
أَصْدِقَائِي فِي أَنْ أَكُونَ كَأَبِي الْعَلاَءِ الْمَعَرِّي،
شَاعِرًا كَبِيرًًا.
وَقَالَ أَحْمَد:
أَرْغَبُ فِي
أَنْ أَكُونَ كَأَيْنْشْتَايْنْ، عَالِمًا وَمُخْتَرِعًا.
وَقَالَ مُرَاد:
أَرْغَبُ فِي
أَنْ أَكُونَ كَابْنِ بَطُوطَةَ رَحَّالَةً أَكْتَشِفُ مَجَاهِلَ
عَالَمِنَا، أَوْ كَآرْمْسْتْرُونْغ، رَائِدًا لِلْفَضَاء.
وَقَالَ سَمِير:
عَلَيَّ أَنْ
أُفَكِّرَ طَوِيلاً فِيمَا سَأَكُون، فَأَنَا لَمْ أَخْتَرْ بَعْد.
سَأَلُوا
وَائِلاً عَمَّا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ فَقَال:
أَنَا أَيْضًا
مِثْلُ سَمِير، لَمْ أَخْتَرْ بَعْدُ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُون.
أَخَذَ وَائِلٌ
يَلُمُّ الصُّوَرَ وَيُرَتِّبُهَا عَلَى نَحْوٍ خَاصّ: الفَنَّانِ مَعَ
الفَنَّانِين، وَالفَيْلَسُوفِ مَعَ الفَلاَسِفَة، وَعَالِمِ الْفِيزِيَّاءِ
مَعَ العُلَمَاء...
تَأَمَّلَ
حَمْزَةُ حَرَكَاتِ أَصَابِعِ وَائِلٍ وَهُوَ يَلُمُّ الصُّوَرَ وَقَال:
مَتَى نَذْهَبُ
إِلَى نَادٍ لِلإِنْتِرْنِت، لِنَكْتَشِفَ بَعْضَ الْمَعْلُومَاتِ
عَنْ حَيَاةِ الْعَبَاقِرَةِ وَالْعُظَمَاء؟
فَرَدُّوا
عَلَيْهِ جَمِيعًا:
فِي يَوْمِ الأحَدِ
الْمُقْبِل.
وَدَّعَ وَائِلٌ
أَصْدِقَاءَهُ وبَقِيَ مُنْشَغِلاً بِسُؤَال:
مَاذَا سَوْفَ
أَكُون.
فِي يَوْمِ الأحَدِ
الْتَقَى وَائِلٌ مَعَ أَصْدِقَائِهِ: حَمْزَةَ وَأَحْمَدٍ
وَسَمِيرٍ وَمُرَاد، فِي نَادٍ لِلإِنْتِرْنِت، وَتَحَلَّقُوا حَوْلَ الشَّاشَةِ
الصَّغِيرَة، ثم دَخَلُوا الطَّرِيقَ السَّيَارَ لِلْمَعْلُومَات، فَاكْتَشَفُوا
الكَثِيرَ عَنْ إِنْجَازَاتِ الْعُلَمَاءِ وَالأُدَبَاءِ وَالْفَناَّنِينَ
وَالْمُؤَرِّخِينَ وَالرَّحَّالَة وَالْفَلاَسِفَة، كَمَا بَحَثُوا فِي
سِيَرِ حَيَاتِهِمْ بِهَدَفِ مَعْرِفَةِ مَسِيرََتِهِمْ وَمَا تَكَبَّدُوهُ
مِنْ مَشَاقَّ مِنْ أَجْلِ الْوُصُولِ إِلَى مَدَارِجِ مَا وَصَلُوا إِلَيْه،
فَجَنَوْا فَوَائِدَ كَثِيرَةً مِنْ حَدِيقَةِ تِلْكَ الْمَعْلُومَات.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق