من أكثر السلوكيات المزعجة
التي تثير غضب المعلم داخل الصف هو الرد الوقح من الطالب، قد يفاجأ المعلم عند
طلبه من أحد الطلاب أمرًا ما، أن يرد الطالب وبسهولة أن هذا ليس من شأنك، أو أنا
حر فيما أفعل.. كما قد يفاجأ حين يسمع أحد الطلاب وهو يوجه ملاحظة له بأنه لا يعرف
التدريس، أو ردًا غير وارد على الإطلاق.. هي أمور تستنزف قدرة المعلم على الصبر
والتحكم في النفس، وربما تفقده السيطرة على أعصابه، وتجعل إكمال شرح الدرس أمرًا
مستحيلاً.
وحين نتناول
هذا السلوك بالتحليل، نجد أن لا معنى آخر له سوى الرغبة بتقليل الاحترام للمعلم
وكسر هيبته أمام الطلاب، الأصعب في هذا الأمر هو رد فعل المعلم حيال هذا
الأمر.. فبإمكانه أن يبدأ بإعطاء الطلاب
درسًا في الأخلاق، أو يقوم بإنزال العقوبات وخاصة التهديد بالعلامات، أو أن تبدأ
بعض الملاسنات بين الطرفين، وفي كل الحالات ستنتهي كل الحكاية بانتصار الطالب في
النهاية.
من المهم
للمعلمين أن تكون مثل هذه الأمور قد دخلت ضمن توقعاتهم، ومن المهم الاستعداد الجيد
لها، لذا تبدو دراسة دوافع الطلاب من ذوي الردود الوقحة قبل وقوعها من الأمور التي
ينبغي التعرف عليها، لنكون جاهزين لها، ويشير الكثير من المتخصصين النفسيين إلى أن
بعض الطلبة يقوم بمثل هذا السلوك لأنه يريد أن يلفت الأنظار كي يجذب انتباه
الآخرين، ولكن البعض قد لا يكتفي بمجرد لفت الانتباه، وإنما يكون حريصًا جدًا على
إثارة وإشعال غضب المعلم، وتشتيت انتباهه عن الدرس، ويؤكد المحللون لهذه الظواهر
أن الطلاب لا يلجأون لهذه الأساليب مع الجميع، وإنما مع معلم لا يحبونه ولا يرغبون
كثيرًا بمادته، أو معلم يعاملهم بعدم الاحترام، فيكون هذا السلوك محاولة لأن
يثبتوا للمعلم أنه لا يستطيع أن يسيطر عليهم أو يخضعهم لسلطته، وخاصة إذا كانوا في
مرحلة المراهقة، ويحفّزهم على هذا الشعور أن لديهم رغبة بإظهار نوع من الشجاعة
والتبجح أمام الطلاب الآخرين، حيث يعتبر هذا الأمر بين الشباب والمراهقين تميزًا
يعطيهم مظهر القوة ويجمع حولهم المعجبين من زملائهم.
من أخطاء ردة الفعل..
قد يجد بعض
المعلمين أنه من الصعب ألا يكون هناك ردة فعل مباشرة، أو ألا يكون هناك محاضرة
أخلاقية، أو الاستعانة بالإدارة من أجل
تطبيق العقوبات وكل هذه الاستجابات في الغالب لا تحل المشكلة، وإنما قد تزيد من حدّتها
وتجعل الطلاب يلجأون لأساليب جديدة وأكثر عدوانية، وخاصة فيما لو شعروا أن المعلم
قد أعلن الحرب ضدهم، وقد لا تخلو الأمور من فقدان السيطرة على النفس وتبادل بعض
الألفاظ التي قد يندم عليها المعلم قبل الطلاب.
لابد من مواجهة المشكلة
الاحترام أولاً
من المهم أن
نبدأ بإظهار الاحترام، وأن يكون المناخ العام داخل غرفة الصف تسوده المحبة والهدوء
والقبول والدعم، والأكثر أهمية أن ينجح المعلم بإدارة الصف مع الطلاب، وأن يحاول
منذ بداية العام أن يجعل الطلاب أنفسهم يبدون رأيهم حول كيفية إدارة الصف
وتحديد قوانين العقوبات، وآليات التعزيز والتكريم
للمتميز وخلافه.. كما أنه من المهم للمعلم أن يجعل من سياسته اليومية داخل الصف
الثناء على الطالب والاحتفاء بأي إنجاز له حتى لو كان بسيطًا، كي يوسع دائرة
الاحترام والتعامل والتقارب مع الطلاب.
الخصوصية والسرية
من الأمور المحببة
للطلاب، أن تحادثهم على انفراد بأي شأن أو حدث ما قد حدث أثناء الصف، حيث يشعرهم
ذلك بالاحترام ويجنبهم الحرج أمام زملائهم خاصة إذا أزال المعلم من نفس الطالب
حالة التشنج والخوف، وبادره بالودّ والقبول والتشجيع، ومن المستحسن لأي معلم قد
واجه تصرفًا خاطئًا من طالب وبادله بالمثل أن يحاول الحوار معه على انفراد لأن ذلك
يجعل الطالب ممتنًا لهذا الأمر كثيرًا، فالمراهقون والشباب دائمًا ما يشعرون
بتهميش الكبار لهم، وتأدية هذا الدور معهم سيجعلهم منتمين جدًا للمعلم.
تنبيه الطلاب بالهدوء وبالحزم
إن أسلوب
التهديد والوعيد لم يعدْ يُجدي، ولكنه سيزيد من سوء الأمور، لذا على المعلم أن
يجعل نبرات صوته هادئة أثناء الحديث مع طلابه، وأن يستخدم أثناء التهجم عليه
أساليب تحرج بعض الطلبة وخاصة حين يسمع منهم تعليقات مشينة، فيطلب من الطالب بهدوء
أن يكرر ما يقوله لأنه لم يسمعه جيدًا في المرة الأولى، ومن المهم عدم الرضوخ
كثيرًا لطلبات الطلاب، وإنما يمكن للمعلم تعليقها وتأجيلها أو تحويلها لجهة متخصصة
في المدرسة تتولى إدارتها.
ليس الأمر شخصيًا..
من الطبيعي أن
يسمع المعلم الكثير من التعليقات والهجوم على شخصيته أو طريقته وتعامله وحتى لبسه
وشكله أحيانًا، فمن المهم ألا تؤخذ هذه الأمور على محمل شخصي، وأن يتأكد المعلم أن
هذا هو سلوك الطلاب مع المعلمين وليس هو بالذات.
دوِّن ووثّق ما يحدث
من المهم أن
يوثق المعلم أحداث الصف ولو بشكل بسيط، وأن يضع بعض العلامات على أسماء الطلاب
مثيري الشغب والوقاحة داخل الصف، ومن المهم أن يوضح معنى هذه العلامات للطلاب، أو
ماذا يسجل فيها ليؤخذ الأمر على محمل الجد، كما أنه يفترض بالمعلم تبليغ مدير
المدرسة إذا أبدى الطالب عبارات تحمل تهديدًا جادًا، لأنه يبدو هنا أن وضع الطالب
يحتاج إلى دراسة نفسية واجتماعية، وربما يحتاج إلى تحويله لجهات ذات اختصاص.
حافظ على المسافة بينك وبينهم..
كي لا تخرج
بعض الأمور عن السيطرة، على المعلم أن يضع بينه وبين الطالب مسافة وخاصة في حالات
الغضب، وأن يحاول أن يقلل من حدة الحالة بأن يشارك الطالب مشاعره بتكرارها كأن
يقول له «أعرف أنك غاضب مني، ولكنني أحاول معرفة سبب ذلك لنستطيع معًا حل المشكلة»
فهذا أسلوب تهدئة وامتصاص، وسيكون المعلم بارعًا لو شتت حالة الاضطراب السائدة بأن
يفتح موضوع محبب للطلاب مثل مباراة محلية أو دولية لكرة القدم، وأن يترك المجال
للطلاب بالحديث عنها ليصرف حالة الحنق والغضب السائدة، ومن الممكن في وقت لاحق
التحدث مع الطالب وإقامة مناقشة أكبر وأكثر هدوءًا لمعرفة أسباب غضبه أو
انفعاله.
تجاوز عن الأمر..
ليس هناك أجمل
من العلاقات الإنسانية التي تُغَلَّفُ بطابع المغفرة والنسيان، فمهما كانت حالة
الغضب عارمة فمن المهم للمعلمين تدريب أنفسهم على استخدام «الممحاة» ليستطيع معها
الاستمرار والتجاوز، وأن يكون قدوة للطلاب في هذه المسألة، فلا أسوأ من علاقة متدهورة
مع الطلاب في هذه المرحلة، ووسائل التواصل متعددة وكفيلة بتغيير ما يعلق في النفس،
وفي حالات معقدة قد تحدث ربما يكون من الأفضل انتقال المعلم لتدريس فصول أخرى أو
في مدرسة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق