سارَعَتِ
الطُّيورُ تَمْسَحُ عِنْ عُيونِها آثارَ النَّوْمِ ، وَمَضَتْ في طَريقِها نَحْوَ
السّاحَةِ الكَبيرةِ ، مُحاوِلَةً أنْ تُخَمِّنَ سَبَبَ هٰذِهِ الدَّعْوَةِ
المُفاجِئَةِ ، وَعِنْدَما اكْتَمَلَ الحُضورُ ، انْبَرى الهُدْهُدُ يَتَكَلّمُ :
- أَنْتُم
تَعْلَمونَ أَيُّها الأعِزّاءُ ! أنَّ هٰذِهِ الغابةَ هِيَ مَوْطِنُنا وَمَوْطِنُ
آبائِنا وَأَجْدادِنا، وَسَتكونُ لأوْلادِنا وَأحْفادِنا مِنْ بَعْدِنا.. لٰكِنَّ
الأمورَ بَدَأتْ تَسوءُ مُنْذُ أنِ اسْتَطاعَتْ بُنْدُقِيَّةُ الصّيّادِ الوُصولَ
إلى هُنا ، فَأَصْبَحَتْ تُشكِّلُ خَطَرًا عَلَى وُجودِنا .
- كَيْفَ ؟ قُلْ لنا..
تَساءَل
العُصْفورُ الصَّغيرُ .
-
في كُلِّ يَوْمٍ يَتَجوَّلُ الصّيّادونَ في الغابَةِ
مُتَرَبِصينَ، وَلعَلَّكُمْ لاحَظْتُمْ مِثلي كَيْفَ أخذَ عَدَدُنا يَتَناقَصُ،
خُصوصًا تِلْكَ الأنواعُ الهامةُ لَهُمْ.
مِثْلُ ماذا ؟
تَساءَلَ الْبَبّغاءُ .
مِثْلُ الْكَنارِ والهَزارِ والكَرَوانِ ذاتِ الأصْواتِ
الرّائِعَةِ.. وَمِثْلُ الحَمامِ والدَّجاجِ والبَطِّ وَالإِوَزِّ وَالشَّحرورِ
والسِّمّانِ ذاتِ اللحمِ المُفيدِ، وَالْبَيْضِ المُغذّي ، وَمِثْلُكَ أيُّها البَبّغاءُ..
فَأَنْتَ أفْضَلُ تَسْلِيَةٍ لَهُمْ في البيوتِ ،
نَظَرًا لِحَرَكاتِكَ الجَميلةِ وتَقْليدِكَ لأصْواتِهِمْ .
وَقَفَ
الطّاووسُ مُخْتالاً ، فارِدًا ريشَهُ المُلَوَّنَ ..الأحْمَرَ ، والأصْفَرَ ،
وَالأخْضَرَ وَالأسْوَدَ ..
قالَ :
-
لا بُدَّ وَأنَّكَ نَسيتَني أيُّها الهُدْهُدُ! فَلَمْ
يَرِدْ اسْمي على لِسانِكَ ، مَعْ أنَّني أجْمَلُ الطُّيورِ الّتي يُحِبُّ
الإنْسانُ الحُصولَ عَلَيْها ، لِيُزَيِّنَ بِها حَدائِقَهُ .
-
لا لَمْ أنْسَكَ، وَكُنْتُ على وَشَكِ أنْ أذْكُرَكَ...
فَشْكْلُكَ مِنْ أجْمَلِ الأشْكالِ.. وَلٰكِنْ حَذارِ مِنَ الغُرورِ!
قالَ الحَجَلُ بِدّهاءٍ :
-
مَعَكَ حَقٌّ فيما قُلْتَهُ أيُّها الهُدْهُدُ! حَذارِ
مِنَ الغُرورِ!
نَظَرَ الطّاووسُ نَحْوَ الحَجَلِ بِغَضَبٍ شَديدٍ ،
اتَّجَهَ إليْهِ وَهُوَ يُؤَنِّبَهُ :
-
إنَّكَ لا تَقِلُّ خُبْثًا عَنِ الثَّعْلَبِ الماكِرِ ،
وَلِذا لَنْ أُعيرَكَ أيَّ اهْتِمامٍ .
حاوَلَ الحَجَلُ أنْ يَرُدَّ الإهانَةَ ، لٰكِنَّ
الهُدْهُدَ هَدَّأ مِنْ حالِهِ قائِلاً لَهُ :
-
دَعونا الآنَ مِنْ خِلافاتِكُمْ... فَأنْتُمْ أخْوَةٌ
وَيَجِبُ أنْ لا تَنْشَغلوا عَنِ المُشْكِلَةِ الكَبيرَةِ الَّتي تُواجِهُنا
جَميعًا .
قالَ الشَّحْرورُ :
-
أيُّها الصَّديقُ مَعَكَ حَقٌ.. لَقَدْ لامَسْتَ كَبَدَ
الحَقيقَةِ.. قُلْ لَنا ماذا نَفْعَلُ ؟
رَفَعَ الهُدْهُدُ وَجْهَهُ ، فَاهْتَزَّتْ ريشاتُهُ
المَغروسَةُ في رأْسِهِ... قالَ :
- لَقَدْ دَعَوْتُكُمْ لِنَتَبادَلَ الرَّأيَ في هٰذا
المَوْضوعِ.. فَلْيَذْهَبْ كُلٌّ مِنْكُمْ إلى عُشِّهِ الآنَ ، وَيَأْتي غَدًا في
مِثْلِ هٰذا الوَقْتِ بالتَّحْديدِ ، وَقَدْ حَمَلَ إليَّ حَلاً نَسْتَطيعُ بِهِ
حِمايَةَ أنْفُسِنا مِنْ بَنادِقِ الصّيّادينَ .
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق