كانت الأم تعتني جيداً بأبنائها، وتخاف
عليهم كثيراً.
كي تحميهم من حيوانات الغابة بنَتْ لهم
بيتاً فوق أغصان شجرة ضخمة، وصنعت لهم سريراً كبيراً ليناموا
واحداً قرب الآخر، وينعموا بالدفء والأمان.
لكنَّ أمراً واحداً كان يُحزن نورة، هو
أنَّها لم ترَ والدها قطّ.
سافر والد نورة حين كانت رضيعة ليعمل
في بلاد بعيدة، ولم يعد حتى اليوم.
كلّ يوم تسأل نورة أمّها: «أين أبي؟»،
فتجيبها الإجابة نفسها: «أبوك مسافر».
فتسأل نورة: «أين هو الآن؟»، ولأنّ
الأمّ لا تعرف مكانه تجيب: «في بلاد الله الواسعة».
تتخيّل نورة البلاد الواسعة، لكنّها لا
تعرف كيف تذهب إليها. وفي الليل قبل أن تنام، تنظر إلى القمر،
وتتمنّى أن يحملها لتبحث عن والدها.
كلّ صباح، قبل أن تغادر الأمّ لتجلب
الطعام لأبنائها، تسألهم: «ماذا تريدون أن أجلب لكم؟».
كان إخوة نورة يحبّون كلّ ما هو كرويّ
الشكل، فيقول الصبيّ الأوّل: "أريد
كرزة".
ويقول الثاني: «أريد خوخة»،
ويقول الثالث: «أريد تفاحة»،
ويقول الرابع: «أريد بطيخة»،
ويقول الخامس: «أريد يقطينة»،
أمّا نورة فتقول: «أريد القمر»،
تبتسم الأمّ وتخرج واعدةً أن تجلب ما
تقدر على جلبه.
تعود الأمّ حاملةً معها التوت والخوخ
والتفّاح والبطيخ واليقطين، لكنّها لا تجلب القمر، فتحزن نورة
كثيراً.
ربّتت الأمّ على كتف نورة, وقالت:
«القمر بعيد جداً، لا يمكنني الوصول إليه.. بعكس التفّاح واليقطين.. لمَ لا
تطلبين شيئاً غير القمر؟».
لكن نورة هزّت رأسها وقالت: «أريد
القمر فقط».
في إحدى الليالي، وبينما الأمّ
وأولادها الستة نيامٌ فوق سريرهم الكبير، امتدّت أشعّة القمر من النافذة
المفتوحة وحملت نورة وطارت بها.
حمل القمر نورة وطار بها فوق السهول
والبحار لترى والدها.
أطلّ القمر فوق البحر، وقال مشيراً إلى
رجل نائم فوق سطح سفينة: «هذا هو والدك يا نورة».
فرحت نورة برؤية والدها. تأمّلته
طويلاً ثمّ تمنّت له ليلةً سعيدة.
أعاد القمر نورة إلى مكانها في السرير
بين أخوتها وأمّها.
في الصباح لم تخبر نورة أحداً بما حدث.
في الليلة التالية تكرّر الأمر. مدّ
القمر أشعّته وأخذ نورة في رحلة جميلة بين النجوم ومرّ بها فوق سفينة
والدها لتراه.
استيقظت الأمّ فجأة. تلمّست أطفالها
بيدها. عدّتهم فإذا هم خمسة وليسوا ستة!
أعادت العدّ لتتأكّد: «واحد اثنان
ثلاثة أربعة خمسة!! أين السادس؟»
كان الظلام شديداً ولا أثر للقمر في
السماء، قامت الأمّ مذعورة من سريرها وكادت تصرخ... ولكن، قبل أن
تفعل ظهر القمر.
كان نور القمر قوياً جداً فأغمضت الأمّ
عينيها.
وضع القمر نورة في السرير، وحين فتحت
الأمّ عينيها عدّت أبناءها: "واحد
اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة".
هدأت الأمّ وظنّت أنّها كانت تحلم.
عادت إلى النوم بين أبنائها وهي تضمّهم بذراعيها، ثلاثة من كلّ جانب.
في الليلة الثالثة تكرّر الأمر. أخذ
القمر نورة لترى والدها.
أفاقت الأمّ تعدّ أطفالها في الظلام:
«واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة. أين السادس؟!».
قبل أن تشعل الأمّ المصباح أعاد القمر
نورة إلى السرير، وأضاء السماء والغابة. عدّت الأمّ أطفالها: «واحد
اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة».
في الليلة الرابعة ربطت الأمّ أقدام
أطفالها بخيط ناعم، وعلّقته بقائمة السرير وأوصدت النوافذ جيّداً.
لم يقدر القمر أن يدخل بيت نورة
ويأخذها معه.
حزنت نورة لأنّها لن تستطيع رؤية
والدها، وهمست للقمر: «احمل أبي إليّ كما أخذتني إليه».
ابتسم القمر وغاب خلف الغيوم واعداً أن يعود لاحقاً.
لم تعد نورة تلعب مع إخوتها أو تتحدّث
إلى أمّها، وأصبحت الأسرة حزينة.
ذات يوم، أتى رجلٌ يرتدي ملابس غريبة
إلى الغابة. خافت الطيور والنباتات منه، لكنَّ نورة صاحت من
نافذتها وهي تشير إلى الرجل: «إنّه أبي.. عاد أبي».
احتضن الأب أولاده طويلاً، ووعدهم ألا
يتركهم مرّة أخرى.
وفي المساء، اجتمعت الأسرة لتناول
العشاء على ضوء القمر، فسأل الأب ابنته نورة: «كيف عرفتني برغم أني
سافرتُ حين كنتِ رضيعة؟».
نظرت نورة إلى القمر وقالت: «القمر
أخبرني أنّك أبي».
قال الأب: «كلّ ليلة كنت أتحدّث مع
القمر، وأطلب منه أن يأتي إليكم ويعتني بكم».
نامت نورة تلك الليلة قرب أبيها،
لكنّها لم تنسَ القمر. وقبل أن تغفو أرسلت إليه قبلة كبيرة وشكرته.
بقي القمر يحرس أحلام جميع الأطفال،
وطبعاً أحلام نورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق