التفكير الإيجابي
تسعى عديد من المنظمات اليوم إلى تنمية نوع جديد من رأس المال، يعرف برأس المال النفسي الإيجابي، وهو يتجاوز رأس المال المادي (ما نملك)، ورأس المال البشري (ما نعرف من مهارات وخبرات مكتسبة من التعلم والتدريب)، ورأس المال الاجتماعي (من نعرف والفرص التي تتيحها لنا شبكة العلاقات). على اعتبار أن هذا النوع من رأس المال ميزة تنافسية فريدة ومنظور جديد لفهم الذات ولإدارة الموارد البشرية بصورة تجلب النجاح والسعادة.
يُعرف
رأس المال النفسي بحالة الإنسان النفسية الإيجابية، التي من ملامحها التمتع بالثقة
بالنفس وبالكفاءة الذاتية - بالقدر الذي يشجع المرء على بذل الجهد اللازم لأداء
مهمات مثيرة للتحدي والنجاح فيها - والتمسك بالتفاؤل، وتوقع النجاح في الحاضر
والمستقبل، والتسامح مع الماضي وتقدير الحاضر والسعي وراء فرص المستقبل، والتسلح
بالأمل القائم على تأطير أهداف محددة ووضع استراتيجيات لتحقيقها، ثم تحفيز الذات
للمبادرة بالعمل والاستمرار في ذلك حتى بلوغ الأهداف، والتحلي بالمرونة والقدرة
على التأقلم عند مجابهة الصعاب على طريق النجاح، ومواجهة مواقف اليأس وخيبة الأمل،
وإيجاد طرق جديدة للوصول للهدف، إضافة إلى موارد أخرى كتقدير الذات والشعور بموفور
الطاقة. وجميعها عناصر أساسية للشعور بالسعادة في العمل. أي أن المنظمات تتمتع
بأداء أفضل، إذا كان لدى موظفيها مشاعر إيجابية تجاه أنفسهم وتجاه زملائهم، ومثل
أي رأس مال، يتطلب رأس المال النفسي الكثير من الوقت والجهد لبنائه وتعزيزه.
خرج مفهوم رأس المال النفسي من مظلة علم النفس الإيجابي، وهو واحد من فروع علم النفس الجديدة التي تركز على مساعدة الناس على عيش الحياة بصورة صحية وسعيدة. وأول من ناقش مفهوم رأس المال النفسي مارتن سيليغمان، الذي اهتم بموضوع التشاؤم والشعور بقلة الحيلة، ودرس التفاؤل في العام 1991، وعندما انتخب بالإجماع لترؤس جمعية علم النفس الأمريكية في العام 1996، اختار علم النفس الإيجابي كفكرة رئيسة تدور حولها المؤتمرات، وفي نهاية التسعينيات، قاد نقاشًا حول أهمية رأس المال النفسي، وتطور هذا المفهوم فيما بعد على يد لوثانس وزملائه.
لقد صمم مفهوم رأس المال النفسي في البداية للمنظمات، حيث رأى لوثانس، وجود حاجة للتركيز على التطور النفسي في أماكن العمل، أكثر من الاهتمام بالتطور التعليمي والمهني، من أجل تحقيق النمو. وأثبتت دراسات أن لهذا النوع من رأس المال علاقة وثيقة بزيادة الإنتاجية، وبالشعور بالرضا الوظيفي والرضا عن الحياة عمومًا، وغير ذلك من مخرجات الصحة والسعادة، وتسعى جهات عديدة اليوم إلى دعم البحث والتدريب والتعليم في هذا المجال، كما هي الحال في مركز علم النفس الإيجابي بجامعة بنسيلفينيا، الذي يساهم في تقديم المعونة لمن يود عيش حياة ذات معنى، ومساعدة الناس على تنمية أفضل ما لديهم، وتعزيز خبراتهم في الحياة والعمل، وتمكين الأفراد والأسر والمجتمعات من النماء والازدهار عبر مصادر علمية وبرامج لمقررات ودرجات علمية تمنح في هذا التخصص.
السعادة في العمل
تعني السعادة في العمل امتلاك عقلية تسمح للمرء بتعظيم أدائه وإظهار إمكانياته. وذلك بإدراك الإنجازات والإحباطات أثناء العمل منفردًا أو مع مجموعة. ومن مفاتيح السعادة في العمل، طريقة العمل والوعي بها، حيث من المهم الوعي بالإنجازات ونقاط القوة لدى الفرد أو المجموعة تمامًا، كالوعي بالإحباطات الواضحة ونقاط الضعف. فعادة ما يسمح إدراك مختلف الجوانب بتكوين منظور شامل للوضع، مما يعني التعامل مع المواقف بصورة أفضل. ومن المهم أيضًا معرفة أن أي نمو يتضمن قبول الشعور بعدم الراحة والصعوبات كجزء من عملية التطور، وأن السعادة في العمل لا تعني الشعور الرائع طوال الوقت، وغياب المشاعر السلبية كالغضب والإحباط وخيبة الأمل والفشل والغيرة؛ لأن مثل هذه المشاعر، التي لا يمكن تجنبها، تحث على العمل لاتخاذ تدابير مختلفة للعودة إلى طريق السعادة، كما أن اللحظات التي تجلب لنا الشعور بقلة الحيلة والعجز عن المواكبة هي التي تساعدنا على إظهار إمكانياتنا.
عناصر السعادة في العمل
وفقًا لجيسكا بريس-جونس في كتابها االسعادة في العمل، تعظيم رأس مالك النفسي من أجل النجاحب، بينت دراسة أجريت على آلاف المشاركين في 79 دولة، أن السعادة في العمل تقوم على عناصر خمسة: المساهمة، التي تتعلق بالجهد المبذول وإدراكه، والقناعة وما يتعلق بالدافعية بغض النظر عن الظروف، والثقافة التي تعني اتساق الموظف وتوافقه مع بيئة العمل، والالتزام، الذي يعني مدى اندماج الموظف في عمله، والثقة، التي تعني الإيمان بالذات وبالعمل، هذا إلى جانب عناصر ثانوية أخرى كالشعور بالفخر والثقة وتلقي التقدير، حيث يرتبط الفخر بالعمل بالمؤسسة بالشعور بالثقة بها، ويتضمن التقدير الاعتراف بالجهد المبذول والتمتع بعائد هذا الاعتراف، وفي قلب هذه العناصر الأساسية والثانوية يكون إظهار الموظف لإمكانياته الكامنة.
وقد اتضح أن الأشخاص الأسعد في العمل، أكثر إنتاجية من زملائهم الأقل سعادة بنسبة 47 في المئة، وهم نادرًا ما يأخذون إجازات مرضية، ويتمتعون بطاقة تفوق غير السعداء بـ 180 في المئة، وتجذب طاقتهم الإيجابية الناس إليهم للاستفادة من حماسهم ودافعيتهم المرتفعة، كما يتمتع الموظفون السعداء بالسعادة في العمل وفي الحياة بنسبة تفوق سعادة زملائهم الأقل سعادة في العمل بنسبة 155 و180 في المئة على التوالي، كما يتمتعون بنسبة رضا أعلى من سواهم بـ 82 في المئة، ومستوى دافعية أعلى بنسبة 50 في المئة. ويشعرون أنهم قد كشفوا عن إمكانياتهم بصورة أكبر بنحو 40 في المئة. وهم يتلقون احترام زملائهم ومديريهم بنسبة 28 و31 في المئة أعلى من أقرانهم الأقل سعادة. كما ترفع كفاءتهم في العمل بنسبة تقترب من 30 في المئة. ويزيد إيمانهم بأنفسهم بمعدل 25 في المئة مقارنة بسواهم.
حياة سعيدة
اقترحت عديد من الدراسات استراتيجيات لتعظيم رأس المال النفسي، لتحقيق النجاح والسعادة، سواء في أماكن العمل أو على مستوى الحياة عمومًا، كعقد دورات تدريبية لتعزيز عناصر رأس المال النفسي، ووضع سيليغمان، من جانب آخر، نموذجًا نظريًا للحياة السعيدة -عرف بنموذج PERMA- يمثل كل حرف عنصرًا من العناصر الخمسة التالية:
- المشاعر الإيجابية: التي تتضمن مدى واسعًا من العواطف والمشاعر، كالشعور بالمتعة والفرح والاهتمام والحب والتعاطف والامتنان والفخر، وغيرها مما يمكن بناؤه وتنميته، رغم تدخل جيناتنا، فبتخيل النجاح في المستقبل، مثلًا، يمكن لطرق التفكير أن تكون أفضل، ويتطلب بناء هذه المشاعر الإيجابية إنفاق بعض الوقت للبحث عن أشياء نكون ممتنين لها في حياتنا، والتأمل فيما نراه جميلًا، ومدى مساهمتنا في خلق هذا الشيء الجميل، كما يساعد قضاؤنا بعض الوقت مع أشخاص يهمنا أمرهم، والقيام بأنشطة تبعث على السرور كهواياتنا القديمة، واللعب مع الأطفال أو الأصدقاء، والاستماع إلى موسيقى نحبها وتثير حماسنا، على رفع مستويات مشاعرنا الإيجابية.
- الاندماج: الذي يعني الشعور الغامر بالتدفق أثناء أداء مهمة أو نشاط محبب ومثير للتحدي يتلاءم مع مهارتنا وقدراتنا، كالقراءة أو الكتابة أو الرسم أو الاستماع إلى الموسيقى، أو ممارسة صنعة، حيث نفقد شعورنا بالزمن وبمن حولنا، ونعيش اللحظة الراهنة بصورة كاملة، ولهذا تساهم معرفة نقاط قوة الموظفين وإسناد المهمات المناسبة لهم في تعزيز شعورهم بالسعادة، كما يمكن تعلم الاندماج عبر أنشطة التأمل والتفكر والتواصل مع الطبيعة، ومران التركيز على اللحظة الراهنة والوعي بكيفية استخدام الوقت، وتحديد نقاط القوة في الشخصية.
- العلاقات: التي تعني التفاعل مع الآخرين، كالشركاء وأفراد الأسرة ورؤساء وزملاء العمل، وأعضاء المجتمع المحيط، وتتضمن مشاعر حب ومساندة وتقدير يمكن أن تترك أثرها الإيجابي على صحة الجسد والنفس، ويمكن تنمية العلاقات بتشارك الأخبار السعيدة والاهتمامات والتواصل المستمر.
- المعنى: لكي يكون لحياتنا معنى ينبغي أن نشعر بأهمية ما نقوم به، ويكون انتماؤنا لشيء نراه أكبر من ذواتنا، وعلينا اكتشاف ذواتنا الحقيقية لنعرف مصدر المعنى لدينا، وأن تكون لدينا أهداف تعيننا على التركيز على ما هو مهم حقًا عندما نواجه بتحديات، ولا يهم أن يكون هذا المعنى في أعمالنا، أو في أوقات فراغنا، كأن نتطوع، أو نمضي وقتًا مع أشخاص يحتاجون الرعاية.
- الإنجاز: يأتي الشعور بالسعادة من شعورنا بالإنجاز، عندما ننظر وراءنا ونرى ما حققنا من أهداف، ولتنمية هذا الشعور علينا الاستمرار في وضع أهدف وتحفيز أنفسنا لبلوغها، وليس بالضرورة أن تكون أهدافنا كبيرة، حيث يكفي أحيانًا هدف صغير قابل للتحقيق لإثارة شعورنا بالرضا والسعادة، وعلينا بعد كل انتصار أن نعرف مصادر قوتنا وعوامل نجاحنا حتى نؤكد عليها.
وقد أضاف مركز السلامة والمرونة بمعهد الصحة والبحوث الطبية بجنوب أستراليا ــ SAHMRI ــ عناصر أخرى كالنشاط الرياضي، والتغذية، والنوم، ليصبح إطار العمل الجديد PERMA+، فلا يمكن الشعور بالسعادة مع إهمال النشاط الجسدي لوجود رابط بين السعادة والصحة الجسدية، وعادة ما يعاني الأشخاص غير النشطين من مشكلات صحية كأمراض القلب والسمنة، ولهذا ينصح بالبحث عن فرص للنشاط وتكوين عادات طيبة كالمشي واستخدام الدرج بدلًا من المصعد، وكذلك الحال بالنسبة للتغذية، وتأثيرها على صحة الجسم والذهن، فالتغذية الخاطئة تورث أمراضًا جسمية وذهنية كتلك الخالية من الخضراوات والفاكهة، كما تؤثر ساعات النوم على المزاج ونوعية التفكير وعمليات التركيز والتذكر، ويورث الحرمان من النوم الاكتئاب، وتؤثر كل من العوامل السابقة على بعضها كأن يساعد الشعور بالتفاؤل على التمتع بالمرونة، وتساعد المرونة على العيش بصحة أفضل.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
رهاب القذارة:
الأعراض، الأسباب والعلاج
ألعاب تساعد على
زيادة تركيز الأطفال
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق