استخدامات الزئبق
الزئبق هو معدن سائل شديد السميَّة يدخل في العديد من استخداماتنا اليومية، ويأتي في مقدمتها حشوات الأسنان من الأملغم، إضافة إلى وجوده في البطاريات والمصابيح المدمجة والمصابيح الفلورية ومستحضرات التجميل والكريمات والصوابين المنظفة والعلاجية والأسمدة والمبيدات الحشرية، وموازين الحرارة وأجهزة قياس الضغط التقليدية ومصابيح الإضاءة المُوَفرة للطاقة.
نظرًا
لخطورة معدن الزئبق وانعكاساته على صحة الإنسان والبيئة، فقد حظي باهتمام العديد
من الأفراد والمؤسسات العلمية والمنظمات الدولية، وباتت مسألة تقنين استخداماته من
القضايا المهمة في العالم، وخاصة بعد إجراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة بالمشاركة
مع الحكومة اليابانية في عام 2001 تقييمًا عالميًّا
شاملا لمصادر الزئبق ووجوده وانتقاله بعيد المدى في الأجواء والتربة والبحار، وآثاره
الصحية وكيفية الوقاية من أضراره.
وكانت اليابان قد تعرّضت لكارثة كبيرة، بسبب التسمم الحاد بالزئبق الذي انطلق من مصنع للكيماويات كان يطرح نفاياته في مياه الخليج بجوار مدينة ميناماتا في جنوب اليابان.
وكان هذا المصنع قد بدأ بإنتاج الأسمدة عام 1908، ثم توسّع عام 1932، وصنّع مادة الأسيتالدهيد التي تدخل في صناعة البلاستيك، والتي أُضيف إليها مركب كبريتات الزئبق كمادة مُحَفّزة.
وأخذ إنتاج المصنع من مادة الأسيتالدهيد بالتزايد تدريجيًّا، وأصبح يشكل أكثر من 50 في المئة من إجمالي إنتاج اليابان، حيث انعكس ذلك بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني.
وخلال السنوات التالية لإنتاج الأسيتالدهيد، بدأت أعراض غريبة تُشاهد على الحيوانات والسكان تحدث لأول مرة في مدينة ميناماتا، تتظاهر بتشنّجات عضلية وصعوبة في المشي وحدوث اختلاجات وشلل، وينتهي بعضها بالموت.
سبب المشكلة
بعد البحث والتقصي من الجهات الحكومية والصحية، تبيّن أن سبب هذه المشكلة هو احتواء النفايات التي كانت تُطرح في مياه الخليج على مركّب ميثيل الزئبق العضوي الشديد السميّة، والذي كان يتراكم على الأسماك والمحار الموجودة في خليج ميناماتا، والتي يأكلها السكان كغذاء رئيس لهم، مما أدى إلى إصابتهم بالتسمم الحاد.
وفي مارس 2001، اعترفت السلطات المحلية بهذه المشكلة رسميًّا مع وجود 2265 ضحية (توفي منهم 1788)، إضافة إلى إصابة آلاف من السكان بأمراض مختلفة وإعاقات وتشوهات لدى الأطفال حديثي الولادة، هذا إلى جانب تدمير خطير في البيئة الطبيعية والتربة والمزروعات التي أصبحت ملوثة بمادة ميثيل الزئبق، التي تتحول في الجسم إلى الزئبق العضوي الشديد السميّة. ومما زاد من تفاقم هذه المشكلة هو تأخر السلطات الحكومية حتى عام 1968 في إغلاق هذا المصنع.
وقد شكلت هذه الكارثة درسًا قاسيًا للحكومة اليابانية التي اتخذت عديدًا من الإجراءات لحماية السكان والبيئة في اليابان، وأعلنت عن برنامج دولي لتعزيز مراقبة التلوث وإدارة النفايات المختلفة على ضوء الخبرات التي اكتسبتها من تجربتها في كارثة الزئبق ودعمت برنامج الأمم المتحدة للبيئة حول الزئبق في العالم، وأصدرت «اتفاقية ميناماتا حول الزئبق» التي نوقشت بمدينة كوماموتو في اليابان، ووافقت عليها غالبية دول العالم بما فيها الدول العربية.
برنامج الأمم المتحدة للبيئة حول الزئبق
ذكرت اتفاقية ميناماتا التي صدرت عام 2013 أن مادة الزئبق هي مادة كيميائية خطيرة، ولها آثار سلبية على صحة البيئة والإنسان. وطالبت الاتفاقية دول العالم بضرورة خفض كميات الزئبق ومركّباته في الاستخدام المنزلي والصناعي بشكل تدريجي، ثم حظرها بحلول عام 2020. ويتضمن ذلك إيقاف استيراد الزئبق والاتجار به، وتقييد استعماله في حشوات الأسنان من الأملغم، وصناعة البطاريات والمصابيح المُدمجة والمصابيح الفلورية، ومستحضرات التجميل، والصوابين المُنظفة والعلاجية، والأسمدة والمبيدات الحشرية، ومصابيح الإضاءة المُوَفرة للطاقة واللمبات، وموازين الحرارة الزئبقية، وأجهزة قياس الضغط التقليدية.
الزئبق في حشوات الأملغم
تُستخدم حشوات الأملغم في ترميم الأسنان المصابة بالتسوس منذ ما يزيد على 160 سنة، ولاتزال تشكل حوالي 75 في المئة من كل الترميمات التي يطبّقها أطباء الأسنان لدى المرضى في أغلب دول العالم، وذلك بسبب صلابتها وديمومتها في الفم وسهولة تطبيقها، وتكلفتها القابلة للتحمّل.
تتألف خليطة الأملغم من الزئبق بنسبة 50 في المئة، ويكون بشكل سائل، ومن مسحوق بنسبة 50 في المئة يحتوي على معادن رئيسة عدة، وهي الفضة بنسبة 40 ذ 70 في المئة، والقصدير بنسبة 12 - 30 في المئة، والنحاس بنسبة 12 - 24 في المئة.
ينطلق الزئبق بشكل أبخرة أثناء مزجه مع المسحوق بواسطة جهاز المزج الآلي، وفي أثناء وضع الحشوة في السن، وفي أثناء إزالتها مستقبلًا عند الحاجة. ولا شك في أن مقادير هذه الأبخرة زهيدة جدًا، وهي تدخل الجسم بالطرق التالية:
· يتحلل القسم الأكبر من الأبخرة في اللعاب الذي يذهب إلى جهاز الهضم، ثم يتم امتصاصه إلى الدم الذي يتوزع إلى أعضاء الجسم ويتموضع بشكل رئيس في الكلية.
· يُستنشق قسم آخر من أبخرة الزئبق وغبار الأملغم عن طريق الأنف ويتموضع في الرئتين خلال ساعات قليلة.
· ينطلق قسم ثالث بشكل مباشر إلى الدماغ عن طريق الفم والأنف.
· يمكن أن تتسرب شوارد الزئبق عبر الأقنية العاجية إلى حجرة اللب (العصب) في حال عدم وجود مادة مبطنة تحت حشوة الأملغم.
الآثار الضارة للزئبق في حشوات الأملغم
يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى الزئبق في الجسم الذي يكون بشكل مركّب ميتيل الزئبق، ولو كان بمستويات منخفضة، إلى حدوث مشاكل صحية في الدماغ والقلب والكليتين وضعف في المناعة لدى بعض المرضى.
وكان للإعلام دور كبير في إثارة الخوف والهلع لدى الناس منذ ثمانينيات القرن الماضي، وظهر لدى البعض منهم ما يسمى «مرض الأملغم»، حيث ازداد طلب المرضى من أطباء الأسنان إزالة حشوات الأملغم القديمة الموجودة في أفواههم، بسبب مظهرها غير الجمالي، والخوف من أضرار الزئبق فيها، وإن 32 - 52 في المئة من أطباء الأسنان في أمريكا توقفوا عن استخدام الأملغم في ممارستهم، حفاظًا على صحتهم وصحة العاملين في العيادة والمرضى.
وفي السنوات الأخيرة أخذ العديد من كليات طب الأسنان في أوربا وأمريكا بإلغاء تعليم الطلاب وتدريبهم على استعمال الأملغم في ترميم الأسنان واستبدالها بمواد مرممة بديلة بلون الأسنان جرى تحسينها وتطويرها لتكون أكثر صلابة ومقاومة.
وأعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أنه يمكن لحشوات الأملغم أن تطلق كميات صغيرة من بخار الزئبق، وأنها تُعتبر آمنة للبالغين، لكنها قد تكون مثيرة للقلق لدى النساء الحوامل والوالدين الذين لديهم أطفال دون سن السادسة من العمر. وقد وافق الاتحاد الأوربي على عدم تطبيق تلك الحشوات لدى الأولاد تحت الخامسة عشرة من العمر ولدى الحوامل والمرضعات، بدءًا من يوليو 2018. كذلك توقفت الدول الإسكاندافية وسويسرا واليابان عن استعمال الأملغم. وأخذت تظهر في أمريكا مبادرات مماثلة تدعو إلى إيقاف استخدام الأملغم لدى الأولاد مثل «إعلان شيكاغو» الذي أصدرته جامعة إيلينوي في شيكاغو، ووافق عليه العديد من المؤسسات العلمية والصحية في الولايات المتحدة.
مواد بديلة
وحول توصيات اتفاقية ميناميتا بضرورة التوقف بشكل تدريجي عن استخدام حشوات الأسنان من الأملغم، فقد نشر الاتحاد الدولي لأطباء الأسنان بمشاركة من منظمة الصحة العالمية، والاتحاد الدولي لبحوث طب الأسنان، والاتحاد الدولي لصناعة مواد طب الأسنان، تقريراً أوصت فيه أطباء الأسنان بالإقلال التدريجي من استخدام حشوات الأملغم، بدلًا من حظرها بحلول عام 2020، واستبدالها بالمواد البديلة التي لا يدخل الزئبق في تركيبها، والتي أخذت تُحقق المواصفات المطلوبة من الصلابة والجمالية.
وأشار التقرير إلى إمكان قيام أطباء الأسنان في استخدام حشوات الأملغم بأمان عند الحاجة وضمن إطار اتفاقية ميناماتا. وفي حال نجاح تطبيق هذه الإجراءات والسياسات فستكون نهاية الأملغم من العالم قبل نهاية هذا القرن.
وكان الاتحاد الدولي لأطباء الأسنان ومنظمة الصحة العالمية قد أعلنا أن المراجعات العلمية للدراسات والأبحاث أظهرت عدم وجود أي آثار ضارة لحشوات الأملغم في الفم على جسم الإنسان، كما لم يُشاهد تأثيرات سلبية من أبخرة الزئبق لدى وضع الحشوات في الأسنان أو لدى إزالتها.
وأعلنت جمعية طب الأسنان الأمريكية، وهي أهم مؤسسة مهنية وعلمية لطب الأسنان في الولايات المتحدة، أن المعلومات العلمية المتوافرة تنفي وجود آثار ضارة للأملغم على صحة الإنسان، وأنه آمن وفعال، ويمكن الاستمرار في استخدامه ولا يوجد مبرر لإيقافه. وقد توصل عدد من المؤسسات العلمية المعروفة إلى نتائج مشابهة. وما تزال حشوات الأملغم تشكّل النسبة الكبرى بين الترميمات المطبقة في عيادات طب الأسنان في أمريكا.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
5 مهارات اجتماعية
علموها لأطفالكم باكراً
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق