المنتجات الطبيعية
نواجهُ كمستهلكين، كلّ يوم، بمجموعة كبيرة من المنتجات التي يتم وصفها بـ «الطبيعية»، حيث يمكننا أن نبدأ صباحنا بقطعة من الخبز المحمّص عليها زبدة فول سوداني لزجة و«طبيعية»، ونغسل ملابسنا بمنظف الغسيل «الطبيعي» الذي يزيل الأوساخ بنعومة، ونشرب كوبًا من ذلك العصير «الطبيعي مئة بالمئة»، حسب ما هو مذكور على الملصق الموجود على غلاف وعائه الخارجي.
مما لا
شك فيه أن
«الاتجاه الطبيعي» اليوم
هو القوة المهيمنة
عبر الصناعات الاستهلاكية،
وخاصة قطاع الأغذية،
حيث نجد أنه
- عامًا بعد عام
- هناك زيادة مطّردة
في المنتجات الجديدة
التي تحمل علامات
مثل «عضوي» أو
«طبيعي» أو
«خالٍ من
المواد المضافة».
في عالم
التغذية، يستخدم المصطلح
للإشارة إلى الإحساس
بالاتصال بالأرض، وغالبًا
ما يهدف إلى
إثارة شعور بأن
الطعام يتم الحصول
عليه من «جنّة» مثالية
بعيدة عن عالمنا
الحديث غير الطبيعي
والملوث والمنفصل جدًا
عن الطبيعة.
ويتجلى هذا
الأمر بشكل بارز
في الإعلان والتسويق،
إذ غالبًا ما
تُستخدم صور لجوانب
مختلفة من الطبيعة
ووعود بأنّ العناصر
الموجودة فيها طبيعية
بالكامل، وفي بعض
الأحيان يتم حتى
تغيير لون العبوّة
إلى اللون الأخضر
في محاكاة واضحة
لخضرة الطبيعة.
ويشير المتخصصون
في مجال الصحة
إلى هذه الظاهرة
على أنها محاولة
لخلق «هالة صحيّة» حول
الطعام قد لا
تكون حقيقية في
معظم الأحيان لدفع
المستهلكين إلى اختياره.
فعلى سبيل المثال،
نجد أن علبة
من رقائق الذُّرة
تعرض صورة لمزرعة
صغيرة تضجّ بالخضرة
والأزهار، لكنها في
الحقيقة لا تشبه
أبدًا البيئة الزراعية
التي زُرعت فيها
حبوب الذرة التي
صنعت منها تلك
الرقائق، والتي تم
التلاعب بها وهندستها
بدرجة كبيرة، والتي
لا تشير، أيضًا،
لا من قريب
ولا من بعيد،
إلى عمليات التصنيع
العديدة التي خضعت
لها رقائق الذرة
الموجودة داخل العلبة
في رحلتها التي
أوصلتها إلى رفوف
السوبر ماركت.
المستهلكون وجاذبية كلمة «طبيعي»
تشير البيانات
التجريبية إلى أن
الإشارة إلى العناصر
الطبيعية لأيّ منتج
من المنتجات هو
عنصر حاسم في
شرائه بالنسبة لغالبية
المستهلكين،
وأن هذه الظاهرة
موجودة تقريبًا بجميع
الثقافات والبلدان في
العالم.
وفي هذا
الإطار وجد مسح
قام به المجلس
العالمي لمعلومات الأغذية
IFIC) عام 2019)
وهو المجلس الذي
يُجري مسوحات للمستهلكين
كل عام حول
مجموعة متنوعة من
الموضوعات، بما في
ذلك كيفية تأثير
العلامات المختلفة الموجودة
على المنتجات الغذائية
على سلوكهم الشرائي
- أن أكثر من
ثلثي المستهلكين يتأثرون
بملصق يشير إلى
أن المنتج الغذائي
«طبيعي» عند
التسوق، أكثر من
تأثرهم بعلامات أخرى
تشير إلى أنه
«عضوي» أو
«غير معدّل
وراثيًا».
ولا يقتصر
الأمر على زيادة
احتمال شراء المستهلكين
له فحسب، بل
إنهم إلى جانب
ذلك ينسبون إليه
مجموعة من الخصائص
الإيجابية الأخرى التي
قد لا تكون
موجودة فيه أصلًا.
فعندما طلب القيّمون
على ذلك المسح
نفسه من المستهلكين
المقارنة بين منتجين
أحدهما يحمل ملصق
«طبيعي بالكامل» والمنتج
نفسه من دون
ملصق اعتبر حوالي
70 في المئة من
المستهلكين أن المنتج
الأول كان صحيًا
أكثر، إضافة إلى
أنّه ألذّ بشكل
حاسم ومؤكد.
هل تعني
كلمة «طبيعي»
منتجًا أفضل دائمًا؟
من
منظور العلوم الطبيعية
لا تعني الإشارة
إلى الطبيعة، بالتأكيد،
أن الطعام أقل
خطورة أو أفضل
للصحة أو ألذّ.
فكلمة «طبيعي» لا
تضمن أن الطعام
آمن أو صحي،
إذ هناك العديد
من الأطعمة الطبيعية
التي يمكن أن
تكون سامة بما
في ذلك بعض
أنواع الفطر، مثل
«فطر قبعة
الموت»
الذي يبدو أبيض
وكبيرًا ولذيذًا، لكنّه
كما يوحي اسمه،
يمكن أن يكون
مميتًا. كما تحتوي
بعض الأطعمة الأخرى،
مثل اللوز وحبوب
الكرز وبذور التفاح،
على مادة السيانيد
التي يمكن أن
تكون قاتلة إذا
استُهلكت بكميات زائدة.
من
جهة ثانية، هناك
مشكلة أساسية من
حيث تعريف كلمة
طبيعي فيما يتعلّق
بالمنتجات الغذائية، إذ
إن إدارة الغذاء
والدواء الأمريكية حددت
كلمة «طبيعي» على
الملصق الغذائي، بكونه
خاليًا من الألوان
أو النكهات الاصطناعية
أو المواد الحافظة،
لكنّها لم تُشر
إلى المواد المستخدمة
لإنتاج مكوناته الغذائية،
مثل استخدام مبيدات
الآفات، كما أنها
لم تأتِ على
ذكر طرق تصنيعه،
مثل التقنيات الحرارية
أو البسترة أو
التشعيع، إضافة إلى
أنها لم تنظر
فيما إذا كان
مصطلح «طبيعي» يجب
أن يصف أيّ
فائدة غذائية أو
فائدة صحية أخرى.
إن إغفال
هذه الإشارات يُفسح
المجال لنطاق هائل
من التفسيرات الغامضة،
ويجعل تعريف أي
منتج بكونه طبيعيًا
غارقًا في الافتراضات
المشكوك فيها التي
يسهُل التغاضي عنها
والوقوع بفخّها في
أحيان كثيرة.
أسباب رواج المنتجات «الطبيعية»
هناك ما
يشير إلى أن
الوفرة في المنتجات
«الطبيعية»، وهذه
الجاذبية العاطفية التي
تحملها كلمة «طبيعي» لا
تنمو من فراغ،
بل إنّها تلبّي
تفضيلنا المتزايد باستمرار
وغير العقلاني لما
له علاقة بالطبيعة.
يعتقد الباحثون أن
هذا التحيز المؤيد
للطبيعة متجذّر في
الاعتقاد بأنّ كل
ما له علاقة
بالطبيعة هو ببساطة
أفضل، كما أنه
يجسّد رفضًا ضمنيًا
للحالة «غير الطبيعية» التي
ترتبط بالحداثة والتصنيع
وتزايُد الأمراض.
لذلك، فإن
كلمة طبيعي على
أيّ منتج من
المنتجات تعطي إحساسًا
تلقائيًا بالأمان والثقة
وعدم القلق، لا
يتمّ الإحساس به
عند شراء الأطعمة
أو مستحضرات التجميل
أو الأدوية التي
تحمل قوائم معقّدة
من المكونات الغامضة.
ومما لا
شك فيه أنه
من السهل فهم
وجهة نظر المستهلكين
هذه، إذ إنه
كل يوم تطالعهم
أخبار عن المبيدات
الحشرية الضارة المستخدمة
في المنتجات الغذائية
والمياه الملوثة، كما
أنهم يسمعون عن
العديد من المواد
الكيميائية والمواد الحافظة
والمكونات الاصطناعية والأطعمة
المعالجة التي تدخل
في صناعة الغذاء.
وكل ذلك
يزيد من القلق
على صحة وسلامة
أنفسهم وعائلاتهم وأطفالهم،
ويدفعهم إلى السعي
وراء المنتجات الطبيعية
وتفضيلها عن غيرها
حتى لو تمّت
طمأنتهم بأن هناك
أصنافًا أخرى من
النوع نفسه تحمل
المكونات والفوائد نفسها
أيضًا.
وهذا ما
أظهره بالفعل مسح
تبيّن من خلاله
أن الأشخاص يفضّلون
شرب مياه الينابيع
«الطبيعية» على المياه التي
تم تقطيرها وإعادة
تمعدنها لاحقًا، حتى
بعد أن أخبرهم
الباحثون أن النوعين
كانا متطابقين من
الناحية الكيميائية.
ولأنّ مسألة
التلوث تتحكم بشكل
كبير في قرارات
المستهلكين فيما يتعلق
بمشترياتهم للمنتجات الغذائية،
وجدت إحدى الدراسات
أن أحكامنا على
أي منتج وتقبّله
بأن يكون طبيعيًا
أو عكس ذلك
حسّاسة بشكل خاص
للتحولات التي تنطوي
على إضافة المكونات
عليه بدلًا من
إزالتها.
وبالتالي، فإنّ
عصير البرتقال المضاف
إليه اللبّ يكون
أقل طبيعية من
الذي أزيل عنه
اللب، والمحصول الذي
يحتوي على جين
مُدخل صناعيًا يكون
أقل طبيعية من
الذي تمت إزالة
هذه الجينة منه،
ويشير الباحثون إلى
أن هذا التحيّز
الغريب المضاد للإضافات
قد يعكس مخاوف
فطرية بشأن التلوث،
على الرغم من
أن انتشار هذا
التحيز والجذور التاريخية
له لم يتم
استكشافها علميًا بعد.
جذور فلسفية وتاريخية
من زاوية
أخرى، فإنّ انجذابنا
لكل ما هو
طبيعي له جذور
تاريخية وفلسفية أيضًا،
إذ إن تفضيل
الطبيعة لدى البشر
قد يكون مدفوعًا
جزئيًا بالعمليات التطورية
وقائم على افتراض
أنه نظرًا إلى
أنّ أسلافنا عاشوا
في الطبيعة واعتمدوا
عليها من أجل
البقاء، فقد طوّر
البشر انجذابًا متأصلًا
لها.
من ناحية
ثانية، فإنّ معنى
وأهمية مختلف مفاهيم
«الطبيعة» كانت
موضوعًا مستمرًا للنقاش
تاريخيًا في كل
من العلوم والفلسفة،
إذ إنه في
اليونان القديمة، لم
تكن قوانين الطبيعة
تعتبر على أنها
مجرد أوصاف عامة
لما يحدث في
الواقع بالعالم الطبيعي،
لكنّها كانت بمنزلة
معايير يجب على
الناس اتّباعها. وبالتالي
فإنّ الانجذاب إلى
الطبيعة بالنسبة للإنسان
كان يتمثّل بكونها
مصدرًا لقواعد السلوك
السليم.
أما في
العصر الحديث فقد
تحدّث الفيلسوف الفرنسي
جان جاك روسو
عن مزايا البيت
الريفي وحتى عن
الإعجاب بالثقافات «الأقل تقدمًا».
ومن هذا
المنطلق، فإنّه على
الرغم من أن
شخصية طرزان، الرجل
الذي يعيش في
الغابات ويتنقل بين
الأشجار، لم تكن
من اختراعه، لكنّ
روسو كان سيوافق
على مثل هذا
البطل الخيالي، إذ
إنه تحدّث عن
فكرة رجل البرية
الذي سيكون بطبيعة
الحال أفضل من
نظيره الذي يعيش
في العالم الحضري.
لذا، فإنّ
فكرة التحيز إلى
الطبيعة قائمة منذ
قرون، وبذلك فإنّ
زيادة المنتجات الطبيعية
لا تتعلّق فقط
بمحاولة الابتعاد عن
المواد المعدلة وراثيًا
أو تجنّب الاحتباس
الحراري أو الوقاية
من الأمراض، بل
لها علاقة بصرخة
ضد الحضارة نفسها.
وهكذا، فإنّ
إضافة ملصق «طبيعي» على
أي منتج من
المنتجات الغذائية أصبحت
من بين الأمور
الأساسية التي يسعى
إليها المستهلكون، حتى
أنهم يكونون على
استعداد لدفع مبالغ
إضافية من أجل
الحصول على الضمانة
الموعودة لمنتجهم «الطبيعي»، لكن
يجب توخّي الحذر،
لأنّ هذا الأمر
قد ولّد أساليب
جديدة وحاذقة في
التسويق تهدف إلى
جذب المستهلكين وتقدّم
وعودًا بالصحة والأمان
«الطبيعي» قد
لا تكون دقيقة
في كثير من
الأحيان.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ
أيضًا
الروائح مدخل للتسامح وفهم العالم
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً
وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق