هكذا
أصبحت شخصية الحشاش ونكته قدوة ومضرب مثل!
"محشش بيده مرآة، كان يشاهد وجهه فيها،
ويقول لصاحبه: يا أخي، هذا الوجه ليس غريبا علي"... الحشاش الثاني أخذ
المرآة، ونظر إلى وجهه، قائلا لصاحبه: يا غبي، هذا أنا!".
"محشش آخر بدأ ينازع... في إثر حادث مفجع ألم به... تجمهر حوله الناس،
قائلين له: الشهادة الشهادة، (انطق بالشهادة)... أجاب قبل موته: توجيهي راسب...
أنا توجيهي راسب...!"
"ثلاثة حشاشين استقلوا سيارة
تاكسي. علم السائق بأمرهم؛ فأوقف السيارة عقب إدارة محركها مباشرة، وقال لهم:
وصلنا! الحشاش الأول أعطاه "فلوس"، والثاني شكره، فيما صفعه الثالث على
وجهه. ارتبك السائق، ظنا منه أنه صاحٍ: وسأله، لِمَ ضربتني؟ قال المحشش: لا تسرع
هكذا مرة أخرة!".
"مرة، لحق محششان بفتاة. وقفت
وسألت الأول: لِمَ تلحقني؟ أجاب: معجب...أريد أن أخرج معك... فردت: أَخرجُ مع كلب
ولا أذهب معك... وسألت الحشاش الثاني، ماذ تريد أنت أيضا؟ قال لها: عو عو عو...!".
تلك نماذج عن "نكت" من العيار الخفيف، يتداولها الشباب بكثرة في
الآونة الأخيرة... فيفهمونها "عالطاير"، ولا سيما تلك التي تؤشر إلى
الجنس أو السياسة...أو السخرية، ويتفنن بعضهم في إضفاء المزيد من المبالغة لدى
تردادها...
وهكذا، باتت شخصية الحشاش في نكت الشباب، محبوبة؛ نظرًا إلى الأعمال الخارقة
التي تؤديها... وعزز انتشارها مؤخرًا شبكات التواصل الاجتماعي، والواتس آب... غازية
الكتابة والمشافهة، والأندية الثقافية، ومراكز العمل... ترى، ما بواعث انتشارها؟
وما سر جاذبيتها؟ وما عواقب تداولها؟ وكيف يمكن مواجهة آثارها السلبية...؟
مضمون خارق
المبالغة و"التبهير" يغلفان تلك النكات التي لا تقتصر على المضامين
الاجتماعية والحياتية، بل تمتد إلى الجنس والسياسة والاقتصاد والتربية، وغيرها.
مطلقها من كل الفئات العمرية والعلمية. الجامعيون والخريجون والموظفون والمثقفون
والأميون لا يسلمون من آثارها. يرى د.محمد الأفندي (اجتماع) أن لانتشارها أسبابا
اجتماعية بالدرجة الأولى؛ "فالبطالة تدفع المرء إلى البحث عن بدائل لطرد
الملل والهموم... والنظام السياسي مهترئ... فتكون النكتة انعكاسًا للقيم السائدة
التي تخرقها مصطلحات الفساد والغش والقمع والتزوير والتشبيح"، فيما ترى د.سمر
خوري (نفس) أن "البواعث النفسية لولوج تلك النكت تبقى المرجحة... وتحيل ذلك إلى
مفاهيم نفسية تتعلق بالكبت الجنسي واللاوعي...: "بتنا نعيش في عصر التناقضات،
فتصبح النكتة تنفيسًا عن الهموم، وطردًا للمكبوتات...؛ فيتسامى مطلق النكات
بغرائزه المقموعة... مطلقًا نكتة تفرحه، وتترك أثرًا مماثلاً لدى المتلقي الذي يتماهى
بالبطل/ الحشاش".
ويؤيدها الرأي د.عدنان صمدي، فيرى أن مطلق النكات يعوض عن نقص ما، فيجد في
شخصية الحشاش مصدر سلطة تقيه السقوط في هوة القلق والاضطراب... وقد يتماهى به،
فيعجب بتصرفاته...؛ لأنه يقدم له نشوة ورشوة، تحيله الى فردوس مفقود".
تحذيرات وعواقب
تحذر الدراسات من جعل هذه الظاهرة ثقافة ومصدر تسلية؛ ولذا، يرى منذر
الأيوبي (إرشاد) أن على التربويين أن يوضحوا لصغار السن، أن النكت والفكاهة
والتسلية لا علاقة لها بالمخدرات والمحششين..."
فالمحشش، في نظره، "لا يمكن أن يكون إلا مثار سخرية...لا مصدرًا للنكت
المضحكة... وهنا تلقى مسؤولية التوعية على كاهل المؤسسات التربوية والأمنية والإعلامية
والأهل..."
والواقع أن شخصية المحشش تكاد تصبح "أسطورية"، تصب عليها الرغبات
والأمنيات بقوالب قصصية وحوارية... ويؤكد الأيوبي هنا، أن فئة المراهقين والصغار
تتداول هذه النكات، "لما تتضمنه من أساليب حوارية شائقة، وسيناريو محكم...
وسرد ملطف...وحبذا لو يستخدم هذا الأسلوب لنشر قيم إيجابية بدل السلوكيات
المتناقضة والحيل والغش... وبالتالي، الترويج المجاني للمخدرات والحشيش...والجنس".
سرّ نجاح نكت الحشاشين!
يعود سر إقبال الناس على مثل هذه النكت، إلى جاذبيتها اللغوية والسردية
وحسن التلاعب بالألفاظ، فضلاً عن الأناقة البديعية والتكرار والحوار الرشيق... ومع
ذلك، يلاحظ أن الركاكة تغلف التركيب، فيصبح الأسلوب مبتذلاً وعاميًا... "لكنه،
في رأي وائل جابر، يبقى شائقًا، وانعكاسًا للغة المحكية..."، يروي وائل ممثلاً:
"أوقف المحشش الباص. صافح الركاب فردًا فردًا... وقبّل السائق وقال له:
عارفني؟، قال السائق: لا..."، المحشش: مش متذكرني، السائق: والله لا... قال
المحشش: بحياااة الله مو متذكرني... نفذ صبر السائق: والله والله لا، فقال المحشش:
أنا اللي أشرتلك قبل شوي!
وفي رأي مريانا مدد المضمون هو الذي يجذب؛ لأنه قائم على المفاجأة والدهشة
وانقلاب الأدوار...: "لا يهمنى أن تكون اللغة فصيحة، بمقدار أن تكون الفكرة ممتعة،
فنحن الأصدقاء نتبادل تلك النكات بشكل روتيني، ولدينا صديق يحبكها جيدًا، وهو
مهضوم، يضحكنا عندما نشعر بالضجر، فينشر العشرات منها أسبوعيًا، وننشرها لأصدقائنا
عبر المحمول والفايس بوك..."
بعض الشباب التائه، يجد في نكت الحشاشين، قشة نجاة وفشة خلق، والأمر سيان
في رأي مرفت طالب، لدى العاطلين عن العمل، والموظفين: "شاهدت صديقتي تضحك
وحدها، سألتها... قالت لي بشغف: تعالي واسمعي.. فضحكت معها". وتؤكد أنها لا
تزال تحفظ تفاصيل نكت الحشاش مع أن ذاكرتها ضعيفة؛ منها: "وحدة طلعت مع حشاش
مسطول، قالت له: نادي الشباب... قال لها ناديهم أنت وأنا شو دخلني!"...
وفي نظر سعاد، نكتة الحشاش تفتح خيوط الخيال، وبالتالي تنسجم مع عالم
المراهق، وأحلام اليقظة، وتجعلنا نسافر إلى أماكن نائية وفردوس..."
بين مؤيد ومعارض
تنوعت المواقف من هذه الظاهرة... روي مجدي ينتقدها بشدة؛ لأنها مسخرة
ومضيعة للوقت، وتافهة وسطحية، وصاحبها سطحي التفكير... وتؤيده نادية: "لِمَ
نشجع الحشاشين ونجعلهم مثار ابتسامة؟ إنهم مرضى مدمنون، أو مدانون. المفروض وضعهم
بمصحات لا الترويج لكلامهم المغلف بالهذيان..."
بدورها، تحبذ سمية سماع تلك النكات خلال أوقات الفراغ، للترويح عن النفس،
ومواجهة الضغوط، على أن تبتعد من الإباحية: "أنتقد زميلاتي اللواتي يتبادلن
نكات حشاشين حول الجنس؛ لكن أؤيد النكت الخفيفة على شاكلة: قالت فيروز: سألتك
حبيبي لوين ريحين؟ أجاب حشاش يستمع للراديو: خلينا بالبيت حبيبي ما في بنزين!".
وتؤكد أن تلامذة المدارس، حتى الفتيات، يتورطون بهذه الآفة: عبر الخلوي، أو
توزيع أوراق، أو لقاءات جانبية: "الأستاذ ضبط مرة تلميذا يقرأ أحد حكايا
الحشاشين، فابتسم!".
والحق أن مراهقين كثرًا يجدون في مطلق نكت الحشاشين شخصية محببة.. كحال
سليم موسى: "نتحلق حول صاحبنا وهو يخترع نكتًا تغمينا من الضحك... فنطرد
الهموم؛ لأن الحشاش والمروج لنكته مهضومان وكوميديان!".
واللافت أن أُسرًا محترمة تخصص حيزًا لشخصية الحشاش في أوقات السمر والسهر:
"الأب أو الأولاد يؤدون دور الراوي لقصص حشاش... فيعم الفرح المنزل!"
ولا يجد علي سمعان حرجًا من الاستماع لنكت الحشاشين؛ لأننا نستمع ولا نقلد.
وأفضل تلك النكت على أخبار السياسة والقتل المتفشي في عالمنا العربي... وبالتالي،
حديث الحشاش أفضل وأمتع من حديث الرؤساء الكاذبين؛ على الأقل هو حشاش معروف وصادق
بغياب وعيه..."
وفي أثناء الفراغ المدرسي أو نقاهة العمل، تجمع نور ما تيسر من نكات
الحشاشين: بصراحة أطلع أيضًا على نكت أبو العبد البيروتي والمسطول وغيرهما؛ لكن
لنكت الحشاشين نكهة خاصة، خصوصًا تلك التي تنتقد الزعماء الدجالين والطائفية...
ويكفي أن يقال لنا حكي الحشاش، لنضحك ونتشوق لما سيأتي".
لعلاج هذه الظاهرة، تدعو منال إلى
ملء الفراغ بمطالعة الكتب الهادفة، والقصص المفيدة، وإيجاد نواد وأماكن لهو
ومكتبات... وتربط بين ضياع أعداد كبيرة من الشباب وتلك الظاهرة: "بصراحة، هذه
الثقافة الساذجة، ضاعفت أعداد المدمنين على المخدرات! والآتي أعظم!!!"
إعـداد:
د. أنـور الموسـى
كلية الأداب/ الجامعة اللبنانية
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع
تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات
معبرة وقصص للأطفال
إقرأ أيضًا
الطفل ووالديه.. كيف
تنسج العلاقة بينهم؟
قصص الأطفال: الأسد
والقنفد
إختر مهنتك: الهندسة
المعمارية
قصة غريبة: كيف يمكن
للأعمى أن يقود أعمى!
الأهرامات.. من بناها؟
كيف تم بناؤها؟ ومن أين أحجارها؟
نشأة النظام الأبوي
للمزيد
حدوثة
قبل النوم
كيف
تذاكر وتنجح وتتفوق
قصص
معبرة
معالجة
المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
مراهقون:
مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
تربية
الأبناء والطلاب
مواضيع
حول
التنمية البشرية وتطوير الذات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق