الصراع النفسي
ينشأ الصراع النفسي عن تصادم رغبتين متعارضتين أو دافعين متضادين، في نفس المرء، وتكون الرغبتان والدافعان متساويين في درجة قوتهما، ما يجعل من الصعب أو المستحيل إرضاءهما أو إشباعهما معاً لتناقضهما وتساويهما في القوة.
والصراع قد
يكون وقتياً سريع
الزوال، كالصراع الناشئ
عن الإكراه على
البقاء في البيت،
أو زيارة شخص
ما لا يحتمله
الفرد، وهي أسباب
خارجية في الغالب
ومتأثرة بنزوع شخصي،
وهذا الصراع يزول
بزوال الظروف الناشئة
عنه. أما الصراع
المزمن، فتكون أسبابه
ثابتة في الشخصية،
أو قديمة، قد
تعود إلى مرحلة
الطفولة.
الصراع النفسي
في الطفولة هو
السبب الأول لسوء
التوافق، ويخلف آثاراً
وندوباً عميقة في
نفسية الطفل. وقد
أشارت دراسات وأبحاث
عدة إلى أن
الصراعات النفسية العنيفة
التي لم تحل
في الطفولة تؤدي
إلى تغيرات خطيرة
في الشخصية، وتجعل
التوافق في المستقبل
أكثر مشقة وعسراً.
ففي التوافق السوي
يسعى الطفل إلى
إشباع حاجاته وإرضاء
دوافعه، أما في
التوافق غير السوي،
فإن دافع الطفل
لا يكون إشباع
الحاجات، بقدر ما
هو السعي إلى
خفض القلق. فالسلوك
غير السوي عند
الأطفال ينزع إلى
خفض القلق الناتج
عن صراع لديهم.
الحدة الانفعالية
لذا نجد
الأطفال الذين يعانون
الصراعات، يصبحون مسرفين
في الانفعال، إلى
درجة أنهم يفقدون
الضبط العقلي لسلوكهم،
ويحار الآباء والأمهات
في فهم أبنائهم
ويتضايقون من حدتهم
الانفعالية وسلوكهم، ولا
يجدون بداً من
معاملتهم بقسوة للتحكم
فيهم وتربيتهم وضبط
سلوكهم، وذلك ما
يؤدي إلى مضاعفة
وزيادة تدهور حالة
الأطفال المحتاجين إلى
المساعدة، ويزيد من
حدة الصراعات التي
يعانونها وتعرضهم لمزيد
من التوترات التي
قد تصل إلى
درجة القلق في
حالات كثيرة، قلق
ينتج عن التهديد
بالأذى الجسدي وتهديد
بتحقير الذات.
إن المواقف
الصراعية التي يتعرض
لها الأطفال خطيرة،
وللتخلص من هذه
المواقف غير السارة
يلجأ الأطفال إلى
الحيل الدفاعية، وهي
كثيرة ومتنوعة ومختلفة،
يراها الآباء سلوكاً
جانحاً ولا يعون
ما يمكن أن
تخفي وراءها من
أسرار نفسية، مثل
الميل إلى العدوان،
والانطواء والنكوص والسرقة
والتخريب وغيرها، فلا
يحسنون التعامل معها.
الحيل الدفاعية
يطلق عليها
في علم النفس
اسم الميكانيزمات أو
الحيل العقلية، يعرِّفها
حامد زهران بقوله
اهي وسائل وأساليب
توافقية لا شعورية
من جانب الفرد،
من وظيفتها تشويه
ومسخ الحقيقة، حتى
يتخلص الفرد من
حالة التوتر والقلق
الناتجة عن الإحباطات
والصراعات التي لم
تحل، والتي تهدد
أمنه النفسي، وهدفها
وقاية الذات والدفاع
عنها والاحتفاظ بالثقة
بالنفس واحترام الذات
وتحقيق الراحة النفسية
والأمن النفسيب، فليس
الهدف من هذه
الحيل هو نتائجها
المباشرة، بل الغاية
منها خفض القلق،
وتخفيف حدة التوتر
الناشئ عن الإحباط
واستمراره مدة طويلة.
وهذه الميكانيزمات
حيل لاشعورية، أي
عمليات عقلية لا
يعيها الفرد نفسه.
فحين لا يستطيع
الفرد التغلب على
المشكلات العاطفية أو
النفسية، يقوم تلقائياً
بتحوير الصراع عن
طريق اختلاق حلول
وسطى للمشكلات التي
يعجز عن حلها
بواقعية ووعي، حتى
تتمكن الذات العاقلة
الواعية من غض
الطرف عن الصراع
الحقيقي وتجاهله للتعايش
معه بأدنى قدر
ممكن من الأضرار.
فالصراع قد
يتسبب للطفل في
خبرات مؤلمة، كالحصر
النفسي، أو إضعاف
احترامه لنفسه. ولا
يستطيع بوعيه وإدراكه
أن يخفف من
وقع الحصر، أو
يقوي احترامه لذاته
ورضاه عن نفسه،
فإمكاناته وقدراته لا
تمكنانه من ذلك،
فيقوم اللاشعور باختلاق
الحلول الوسطى التي
يدفن فيها الطفل
مشاعره المؤلمة.
هناك حيل
دفاعية عدة يختلف
إحصاؤها وتحديدها بحسب
الباحثين، كما أن
هناك عدداً من
التصنيفات التي ترتب
هذه الحيل، منها
التصنيف بحسب نوع
الحيلة، كالإسقاط الذي
يرتب ضمن الحيل
الخداعية، ويرتب النكوص
ضمن الحيل الهروبية،
في حين يعتبر
التقمص حيلة استبدالية.
وهناك تصنيفات أخرى
تأخذ بعين الاعتبار
طبيعة الحيل الدفاعية
من حيث البساطة
والتعقيد، فترتبها في
حيل ذهانية تتضمن
الإسقاطات الذهانية الوهمية،
وحيل بدائية أو
بسيطة، كالإسقاط والعدوان
السلبي والإنكار، وحيل
عصابية، وحيل ناضجة
كالإيثار والتسامي أو
الميل إلى السخرية.
وتصنيف آخر يرتبها
ضمن مجموعتين، مجموعة
الحيل الأولية، ومجموعة
الحيل الثانوية. وفيما يلي
تعريف موجز بأهم
الحيل الدفاعية التي
يبديها الأطفال في
سلوكهم اليومي، وهي التقمص
والنكوص والإسقاط، التي
قد تطرح حولها
الأمهات والآباء علامات
استفهام كبيرة، ويحارون
في فهمها والتصرف
السليم في مواجهتها:
التقمص
لكي يخلص
الطفل نفسه من
الشعور المؤلم الناتج
عن الإحباط، يتوق
إلى غايات وأهداف
حققتها شخصية محببة
إليه، فيتقمص هذه
الشخصية ويدمج نفسه
فيها، فينقل إلى
نفسه صفاتها المحببة
كالنجومية والشهرة والقدرات
الخارقة أو الصفات
البدنية.
فالتقمص أو
التماهي حيلة عقلية
دفاعية لاشعورية، يحاول
بها الطفل توحيد
نفسه ودمجها مع
فرد آخر بتماهي
جانب أو خاصية
أو صفات من
هذا الآخر، وجعلها
جزءاً مكوناً لشخصيته
اقتداء بذلك الشخص،
فيحصل تغير كلي
أو جزئي على
مستوى شخصيته؛ حتى
يحس أكثر بالأمن
المنشود. ولهذه العملية
دور مهم في
نمو الذات وتكوين
شخصية الطفل، ويعتبرها
أصحاب مدرسة التحليل
النفسي ضرورية لتشكيل
الأنا الأعلى، خاصة
عندما يتم التماهي
مع الوالدين.
هذه العملية
تبدأ من المحاكاة
اللاشعورية،
وتتلاحق بالتمثيل ثم
الاجتياف (الاستدخال أو
التَّقَمُّص)
للنموذج. فيتبنى الطفل
مشاعر شخص آخر
واتجاهاته كما لو
كانت مشاعره وأفعاله
هو، دون أن
يعي الطفل نفسه
أنه يتبنى سلوك
ذلك الشخص ومشاعره
واتجاهاته. فالتقمص يختلف
عن سلوك التقليد
الذي يكون صادراً
عن وعي وإدراك،
بحيث يمكن للراشدين
المربين أو المعالجين
تعديله وتغييره في
الطفل بسهولة. أما
السلوك الذي يَتَمَثَّلُهُ
الطفل عن طريق
التَّماهي، فإنه يكون
ثابتاً نِسْبِياً، لا
يمكن تعديله أو
تغييره بمعزل من
العلاج النفسي الشامل
للطفل.
كما أن
التقمص يقوم على
التوحد النفسي والتعاطف
الكاملين للطفل بالشخصية
التي يتماهى معها،
وتقبل شامل لكل
سماتها. لأنه يؤسس
على ارتباط قوي
وحميم بين الطرفين،
ليس بالضرورة علاقة
تبادلية، فالشخصية المتقمصة،
قد يكون أباً
أو قريباً آخر
أو مدرساً أو
بطلاً رياضياً، فناناً
أو زعيم عصابة،
كما قد يكون
شخصية وهمية من
شخصيات التلفزيون أو
السينما أو الرسوم
المتحركة؛ يحس الطفل
بوضوح معالم هذا
الشخص وبتشابهه معه
وباشتراكهما
معاً في بعض
الانفعالات والسمات، فيرتبط
به الطفل بروابط
عاطفية وعلاقة دافئة،
ويتمتع بالنسبة له
بجاذبية قوية. ولكي
يبرز سلوك التقمص
ويرسخ يحتاج إلى
تعزيز واضح أو
ضمني، سلبي أو
إيجابي من الآخرين،
فإبداء الآخرين القبول،
بل وحتى الرفض
أحياناً، يعمل كمعزز
لهذا السلوك.
النكوص
لفظ النكوص
في علم النفس
يعني عودة أو
ارتداد الشخص صوب
مرحلة أولية سبق
أن مر بها
وتخطاها. فخلال مسيرة
نموه، يجتاز الطفل
مراحل معلومة مميزة،
فمثلاً من غير
المقبول أن يمص
طفل الابتدائي أصبعه،
لأن هذا السلوك
مرتبط بمرحلة نمو
سابقة؛ وذلك قد
يحصل أحياناً، فيعود
الطفل إلى أساليب
في التعبير والسلوك
تجاوزها خلال نموه
وتقدمه نحو النضج.
الطفل الذي
تواجهه صراعات نفسية
قوية يعجز عن
حلها بوعيه، قد
يتعرض للنكوص، أي
يتقهقر في نموه
النفسي والعاطفي، ويعود
مجدداً إلى أنماط
التعبير البدائية الملازمة
لمرحلة نمو سابقة،
فيستعمل آليات صبيانية،
في حين ينتظر
منه والداه أنماط
تعبير تتميز بالنضج
والتطور وتلائم عمره
الزمني.
ومن مظاهر
النكوص المنتشرة ظاهرة
التبول اللاإرادي في
الفراش ليلاً، والذي
قد يعود إليه
الطفل أو الطفلة
بعد أن يكونا
قد تركا هذه
العادة، وقد يعودا
إلى التشبث بالأم
والاعتماد عليها في
قضاء مختلف الحاجات
وتلبية الطلبات، بعد
أن يكونا قد
بدآ يستقلان عنها.
أو قد يصبح
طفلاً بَكّاءً يكثر
من الشكوى والتذمر،
أو قد يحبو
مجدداً، مقلدًا من
يصغره سنًا، مع
العلم بأنه يستطيع
المشي على قدميه؛
أو قد يتناول
رضَّاعة شقيقه الصغير
أو مصاصته.
كما أنه
من السهل ملاحظة
بعض المظاهر السلوكية
النكوصية على بعض
الأطفال عند ميلاد
إخوة لهم، فيثيرون
غيرتهم الشديدة حين
يستحوذون على كل
رعاية الوالدين واهتمام
الأسرة. والنكوص قد
يكون ظرفياً وعابراً،
كما في حالات
المرض العابر الذي
يقوي صورة الطفولية،
وأحياناً يكون النكوص
مستداماً في حالات
هستيرية بالخصوص، حيث
يكون عاملاً قوياً
من عوامل تشكيل
المرض العقلي. كما
أن تكرار السلوك
النكوصي عند الطفل
أو الطفلة يدل
بقوة على خلل
في نضج الشخصية.
الإسقاط
هناك مجموعة
من الصفات أو
المشاعر أو الرغبات
الطفولية التي يحملها
الطفل، ولكنه في
قرارة نفسه لا
يحبها، أو يشعر
بأنها مرفوضة اجتماعياً،
فيحاول التخلص منها
وطردها بنقلها إلى
العالم الخارجي، إلى
أشخاص آخرين ناعتاً
إياهم بها، ونافياً
إياها عن ذاته.
سعياً منه إلى
تبرئة الذات المهددة.
فهذه الأوالية
النفسية البدائية تعتبر
بمنزلة عملية دفاعية،
يُسْقِطُ بها الطفل
صفاته التي يكرهها
على غيره وينسبها
إليهم، كنعتهم بالنقص
لصرف الأنظار عن
نفسه إليهم، لأنه
يريد القول إنه
ليس الوحيد الذي
يتصف بالنقص، فالآخرون
لديهم نواقص مماثلة.
وعندها يشعر في
قرارة نفسه بارتياح
خفي. تتطهر الأنا
من الظواهر النفسية
غير المرغوب فيها،
والتي إن بقيت
سببت الألم للأنا.
والإسقاط ينتشر بكثرة
في الحياة العادية
للأطفال، وكثير من
العمليات الإسقاطية يعدها
الوالدان كذباً، ويكثر
تكرار استعمال الإسقاط
في كثير من
الاضطرابات النفسية العادية
غير المرضية، فالإسقاط
حيلة نفسية دفاعية
فعالة ضد أنواع
كثيرة من القلق،
لأنه يؤدي إلى
تصريف الضغوط النفسية
الداخلية، ولكنه يحرف
ويشوه العلاقات مع
الآخر، ويمكن أن
تترتب عليه مشكلات
في العلاقات والتفاعلات
الاجتماعية للطفل.
خاتمة
إن الذي
يجعل الطفل يتجه
نحو التقمص أو
النكوص بدل غيره
من ردود الفعل،
هو التاريخ التعزيزي
للسلوك، أي الظروف
السابقة المشابهة التي
جرب فيها رد
الفعل ولقي تعزيزاً،
وليس ضرورياً أن
يكون التعزيز في
شكل مكافأة أو
سكوت، بل يكفي
أن يحقق للطفل
حاجته لتأكيد ذاته،
فتأكيد الذات عند
الطفل وحمايتها موضوع
رئيس، وهدف لجميع
استجاباته السلوكية وردود
فعله، ولو لقي
في سبيل ذلك
الضرب والأذى، فهذا
العقاب يصبح في
هذه الحالة تعزيزاً
ويؤدي في أغلب
الأحيان إلى تثبيت
الاستجابة السلوكية؛ وما
أكثر ما يتعرض
أطفالنا لهذا الشكل
من العقاب البدني
القاسي أحياناً كثيرة،
على الرغم من
آثاره النفسية الوخيمة
عليهم.
وهذه الحيل
الدفاعية النفسية الغاية
منها إحداث التوافق
النفسي، وإزالة التوتر
الناتج عن الإحباطات
والصراعات التي تهدد
أمنه النفسي ولا
يجد لها حلاً
جذرياً عقلانياً وسليماً،
فالحيل النفسية بمنزلة
أسلحة الدفاع النفسي،
للحفاظ على التوازن
النفسي وتخفيف درجة
القلق، وهي عادية
وسوية في حياة
كل إنسان، ويجب
ألا تدعو للقلق،
بل يجب التعامل
معها بحكمة وعقلانية
وذكاء.
بل والأخطر
هو أن فشل
الحيل النفسية الدفاعية
في تحقيق غاياتها
قد يؤدي إلى
نتائج وخيمة لا
يمكن التحكم فيها،
أسهلها وأبسطها المرور
إلى الفعل المباشر،
وهو في الغالب
العدوان البدني على
الذات أو الآخر،
وأسوأها على الإطلاق
الاضطرابات النفسية والعقلية
المرضية العميقة، كالعصاب
والذهان، وأنواع الاكتئاب
المعقدة، التي تشهد
على فشل ميكانيزمات
الدفاع النفسي في
فترة الطفولة.
ولأجل ذلك،
وحماية للأطفال من
مخاطر الاضطرابات النفسية
التي تهددها، ينبغي
على الوالدين والمربين
التفاعل والتعامل بحنان
شامل مع الأطفال،
وتفهم حيلهم الدفاعية،
ومراقبتها وتقبلها، ومعالجة
الطفل بلطف بالغ،
والاستعانة بالاستشاريين والأطباء
النفسيين للتحكم في
السلوكيات الضارة المقلقة
.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
8 أساليب خفيّة
يستخدمها المتنمرون ضد الأطفال
كيف تجعلين ابنك
المراهق يتناول الطعام الصحي
هل يمكن أن يصاب
النرجسي بالاكتئاب
كيف تساعدين أطفالك
على فهم عملية التعلّم
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق