الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

• قصص الأطفال: البنت التي خبأت القمر في فطيرة


كَانَتْ لَيلَى تُرَاقِبُ أمَّهَا وهِيَ تَصْنَعُ الفَطَائِرَ المَحْشُوّةَ بِالسَّمْنِ والقِرْفَةِ وحَبَّاتِ اللَوْزِ المُكَسَّرَةِ - حَيْثُ تَقُومُ بِتَحْضِيْرِهَا قَبْلَ أذَانِ الفَجْرِ - لِتَتَمَكّنَ مِنَ الذَّهَابِ إلَى فُرْنِ الحَيّ القَدِيمِ ثُمَّ تَدْفَعُ بِهِا إلَى مَحِلّ الفَطَائِرِ القَابِعِ وَسَطَ البَلَدِ.

لَيلَى يَتَمَلَّكُهَا شَغَفٌ وهِيَ تُرَاقِبُ العَجِينَ والأمّ تَلُتّه وتَقْبِضُ عَلَيهِ بِكِلْتَا يَدَيْهَا وتَضْرِبُهُ بِقُوةٍ بِجِدَارِ المَاجُورِ، تُكَرّرُ ذَلكَ مَرّاتٍ ومَرّاتٍ وتَرى يَدَيْهَا وهِيَ تَرْتَفِعُ بِالعَجِينِ ثُمَّ تُكَوّرُهُ وتُقَرّصُهُ دَوَائِر مُتَرَاصَةً فِي الصَّاجَاتِ المَعْدَنِيَّةِ. ثُمَّ حَدَثَ ذَاتَ لَيلٍ شِتْويٍّ طَوِيْلٍ  أنْ هَبّتْ رِيْحٌ بَارِدَةٌ قَوِيَّةٌ تَسَلّلَتْ لِعِظَامِ الأُمّ الوَاهِنَةِ فمَرِضَتْ ورَقَدَتْ بِالفَرَاشِ، تَنْظُرُ لَيلَى مِنَ النَّافِذَةِ فَتَجِدُ القَمَرَ يُشْبِهُ فَطَائِرَ أُمّهَا الرَائِعَةِ.. تَقُولُ لِنَفْسِهَا: كَيفَ يُمْكِنُنِي الحُصُولُ عَلى القَمَرِ لأَجْلِ أُمِّي حتَّى أُخَبّئهُ فِي فَطِيْرَةٍ كَبِيْرَةٍ كَبِيْرَةٍ!
حِيْنَمَا سَمِعَهَا القَمَرُ ضَحِكَ طَوِيْلاً حتّى اهْتَزَّتِ النَّجْمَاتُ وتَنَاثَرَتْ بِالسَّمَاءِ وجَلَسَ يُفَكّرُ طِوَالَ اللَيلِ فِي مُسَاعَدَةِ لَيلَى الَّتي تُحِبُّ أُمَّهَا كَثِيْرَاً. لِقَدْ سَمِعَهَا وهِيَ تَبْكِي وتَدْعُو اللهَ بِصَوْتٍ هَامِسٍ قَائِلَةً: أنَا أُحِبُّ ماما كَثِيْراً وأَتَأَلَّمُ حِيْنَمَا أَرَاهَا تَتَأَلَّمُ، أَتَمَنَّى أنْ تَنْهَضَ وتَصْنَعَ الفَطَائِرَ وأرَى ابْتِسَامَتَهَا مَرَّةً أُخْرَى.. اِبْتِسَامَتَهَا الَّتي تُشْبِهُ القَمَرَ المُنِيْرَ في السَّمَاءِ.
ثُمَّ اسْتَطْرَدَتْ قَائِلَةً: لا شَيء سِوَى القَمَرِ سَوْفَ يُسْعِدُهَا.
نَادَى علَيهَا القَمَرُ قَائِلاً: سَتَكُوْنِينَ البِنْتَ الَّتي خَبَّأَتِ القَمَرَ في فَطَائِرِهَا ولنْ يَبْتَهِجَ النَّاسُ بِاللَيلِ والسَّمَاءُ مُظْلِمَةٌ بِدُوْنِي، سَيَحْزَنُ النَّاسُ لِغِيَابِي يَا لَيلَى.
قَالَتْ لَيلَى: لَكِنَّنِي أُرِيْدُ أنْ تَسْعَدَ أُمِّي.
قَالَ القَمَرُ: أنَا والشَّمْسُ نَتَعَاقَب بِالظِّهُورِ حتَّى يَكْتَمِلُ اليَوْمُ، بِاللَيلِ النَّاسُ تَنَامُ وفِي النَّهَارِ يعملون. حَزِنَتْ لَيلَى وقَالَتْ: لَنْ أَشْعُرَ بِالسَّعَادَةِ إذَا حَزِنَ النَّاسُ بِسَبَبِي.
اِبْتَعَدَ القَمَرُ ونُوْرُهُ يَخْبُو شَيْئَاً فَشَيْئَاً، نَادَتْ عَلَيِهِ لَيلَى وسَأَلَتْهُ عَنِ السَّبَبِ فَقَالَ لَهَا: أَظْهَرُ في السَّمَاءِ على شَكْلِ هِلاَلٍ فِي بِدَايَةِ الشَّهْرِ فتُطْلِقُوْنَ عَلَيهِ الشَّهْرَ القَمَرِيَّ أوِ العَرَبيَّ، ثُمَّ أَسْتَدِيْرُ وأُصْبِحُ بَدْرَاً مُنِيْرَاً في مُنْتَصَفِ الشَّهْرِ تَقْرِيْبَاً.. ثُمَّ مُحَاقَاً فِي آخِرِ الشَّهْرِ ويَغْمِرُنِي الظَّلامُ وأَنْتَظِرُ دَوْرَتِي مِنْ جَدِيْد، والَّتي تَبْدَأُ فِي الشَّهْرِ التَّالِي.
كَانَتْ لَيلَى تَسْتَمِعُ بِانْتِبَاهٍ وقَالَتْ حِيْنَمَا غَابَ القَمَرُ عَنْهَا تَمَامَاً وأَظْلَمِتِ السَّمَاءُ: هَلْ أَنَا فِي حُلُمٍ؟
فَرَكَتْ عَيْنَيْهَا بِقُوْةٍ وأَفَاقَتْ عَلَى صَوْتِ أُمِّهَا الضَّعِيْفِ وهِي تَطْلِبُ بَعْضَ المَاءِ لِتَنَاولِ الدَّوَاءِ. وفِي صَبَاحِ اليَومِ التَّالِي لاَحَظَتْ صَدِيْقَاتِ لَيلَى حُزْنَهَا بِسَبَبِ مَرَضِ أُمِّهَا فَاتَّفَقْنَ عَلَى مُسَاعَدَتِهَا فِي تَجْهِيْزِ العَجِينِ وعَمَلِ الفَطَائِرِ.
تَعَاوَنَتِ الصَّدِيْقَاتُ مَعَ لَيلَى فِي هِمَّةٍ ونَشَاطٍ وأَتْمَمْنَ عَمَلَهُنَّ ولَم تَنْسَ لَيْلَى أَنْ تَبْتَسِمَ مِثْلَ القَمَرِ وهَيَ تَخْلِطُ الدَّقِيقَ بِالزُّبْدِ والسُّكَّرِ النَّاعِمِ وكَأَنَّهَا تُخَبِئ قَمَرَهَا بِالعَجِينِ حتَّى يَنْضُجَ ويُصْبِحَ طَعْمُهُ حُلْوَاً لَذِيْذَاً.
اسْتَيْقَظَتِ الأُمُّ عَلَى صَوْتِ الصَّاجَاتِ وهِيَ تَتَدَافَعُ فَوْقَ رُءوْسِ الصَغِيْرَاتِ تَقُوْدُهُنَّ لَيلَى وتَرْشُدِهُنَّ إلى مَكَانِ الفُرْنِ الَّذِي تَعْرِفُ عُنْوَانَهُ جَيِّدَاً.
ابْتَسَمَتِ الأُمُّ في صَفَاءٍ قَائِلَةً: أشْكُرَكُنَّ جَمِيْعَاً أَيَّتُهَا الفَتَيَاتُ الرَّائِعَاتُ، لَقَدْ شُفَيْتُ مِن مَرَضِي وحَانَ الوَقْتُ لِمُسَاعَدتكُنَّ.
تَعَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أنْ تُسَاعِدَ أُمَّهَا فِي المَطْبَخِ والتَّنْظِيفِ في سَعَادَةٍ ومن دُونَ تَذَمُّرٍ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ تُرِيْدُ أنْ تُحَضِّرَ القَمَرَ لأُمِّهَا.
تابعونا على الفيس بوك
إقرأ أيضًا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق