الأحد، 3 نوفمبر 2013

• عمالة الأطفال: الواقع، الأسباب، الوقاية والعلاج


       ليس من الإنصاف وضع الأطفال في أعمال طافحة بالقذارة والقسوة، ترهق كاهلهم، وتفوق قدراتهم الجسمية والعضلية والنفسية والذهنية. فالأعمال الشاقة والكئيبة لا تعطي فسحة للأطفال للتمتع بطفولتهم، وتغلق في وجوههم كل بارقة أمل للتطور والتمدرس.

يؤكد علماء الاجتماع أن الطفولة المؤلمة قد تدفع الناشئة لارتكاب جنح جسيمة وقد تولد لديهم آفة بغيضة من الحقد والحسد وشهوة الانتقام من المجتمع فيتسمم الأمن الاجتماعي.
فالطفل كائن اجتماعي قاصر، غير مكتمل التكوين من الناحية الجسمية والعقلية والسلوكية والانفعالية والشعورية والنفسية، يكون شديد الاعتماد على الأبوين والأسرة والأهل والأقارب والبيئة الاجتماعية المحيطة به. حيث تمتد مرحلة الطفولة من يوم ولادته إلى سن البلوغ (15 سنة)، حيث يدخل مرحلة جديدة تسمى بمرحلة المراهقة، وتطرأ على المراهق تغيرات مهمة ويشهد نموًا واضحاً بدنياً وجنسياً واجتماعياً وعقلياً وانفعالياً وسلوكياً.
وعمالة الأطفال هي محل إدانة ورفض على المستوى العالمي، لأنها تتناقض مع الطفولة والوداعة الحالمة، ومع حقوق الطفل، ولقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الطفل (1959م)، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، حق الطفل في السعادة والعيش الكريم والصحة والنمو السليم، بعيداً عن المشقة والفقر والعمل القاهر الذي يهدر طاقة الأطفال ولا يمكنهم من الطفولة السعيدة والهانئة. فموقع الأطفال في هذه السن المبكرة المدرسة وليس مواقع العمل والإنتاج، حيث يشير الإعلان العالمي لحقوق الطفل إلى حق الطفل في التعليم وخاصة المرحلة الأساسية من التعليم. وتشير إحصاءات منظمة العمل الدولية إلى أنه يوجد اليوم ما يقارب من 250 مليون طفل عامل تسربوا من المدارس واتجهوا صوب سوق العمل، وأن 56% من الأطفال العاملين في بلدان العالم الثالث هم من يقعون تحت سن 14 سنة، وفي الهند وحدها ما يقارب 55مليون طفل عامل، وأن الأطفال العاملين في البلدان العربية يقدر عددهم ما بين 18 - 19 مليون طفل.
وعمالة الأطفال يمكن القول إنها وجدت في كل المجتمعات البشرية بصور شتى وبمستويات مختلفة، تختلف من مرحلة تاريخية إلى أخرى، وازدهر سوق عمالة الأطفال إبان وأثناء الثورة الصناعية في أوربا وتحديداً في نهاية القرن الخامس عشر، وبداية القرن السادس عشر الميلادي حيث كان الأطفال والنساء يعملون ما يقارب 10 - 16 ساعة يومياً في ظروف حياتية واجتماعية ومعيشية وصحية صعبة للغاية، لا تتوافر فيها شروط العمل الصحية والنفسية والجسدية والأخلاقية السليمة، ومن دون حقوق ورعاية صحية... ففي أثناء الثورة الصناعية في أوربا ازداد عدد الفقراء والمتشردين والمتسكعين والمتسولين في الشوارع، وتدهورت الحياة الاجتماعية ونما عدد السكان الذين يعيشون في العراء وأطفال الشوارع، وازدادت الانحرافات الاجتماعية وازدادت الأحوال سوءًا خاصة في صفوف الأطفال والنساء. الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى إصدار قانون في إنجلترا عام 1819م، يحد من عمل الأطفال والنساء ويعاقب أرباب العمل الذين يوظفون الأطفال ويستغلونهم بطرق غير إنسانية.
وامتداداً لهذا القانون أصدرت أغلب البلدان ومنها الجمهورية اليمنية، قوانين تحد من عمل الأطفال وحدد القانون في الجمهورية اليمنية سن العمل بـ 18 سنة، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت قوانين تمنع استيراد البضائع من المصانع والمعامل والورش والمزارع في البلدان الأخرى التي يثبت أنها تشغل الأطفال وعلى هذا المنوال تتجه البلدان الأوربية صوب تطبيق مثل هذه الإجراءات العقابية.
الأطفال.. خدم البيوت
من الصعب الإتيان بتاريخ دقيق ومحدد لبداية عمل الأطفال، ولكن على الأرجح كانت بداية عمل الأطفال مرتبطة بالأشغال المنزلية ومعاونة الأسرة في الحقل والري والزراعة وبعض الحرف اليدوية الخفيفة أو المتعلقة بالبيع والشراء، وهذه الأشغال كانت ومازالت موجودة حيث تمارس منذُ فترة زمنية سحيقة متلازمة بتكون وتطور الأسرة والعشيرة والقبيلة والدولة. حيث كانت تلك ظاهرة تطفو على السطح حيناً، وتختفي بهذا أو ذاك في أحايين أخرى، وإن كنا نبحث عن تأصيل وتحديد حديث لها يمكن أن نقول إنها وجدت في الفترة الحديثة وخاصة في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين في عدن، حيث انتشرت ظاهرة عمالة الأطفال في البيوتات العدنية الغنية، وشكلت ظاهرة واضحة للعيان في ذلك الزمان، ومرد ذلك يعود إلى النهضة الحضارية والاقتصادية المدنية لمدينة عدن مما فتح شهية الفقراء في الأسر اليمنية للبحث عن مصادر رزق يرتزقون بها فيدفعون بأطفالهم للاشتغال في بيوت المدينة الناهضة.
إلا أنه في عقد التسعينيات من القرن العشرين ازدادت الأحوال الاقتصادية سوءًا مما حدا ببعض الأسر إلى الدفع بأبنائها للاشتغال في صنوف وألوان الأشغال المتعددة نتيجة للفقر حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى:
·      أن نسبة الأسر الفقيرة من إجمالي الأسر 35%.
·      نسبة الأسر التي تعاني الفقر الحاد 27%.
·      نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط فقر الغذاء 17.6%.
·      نسبة السكان الذين يعانون الفقر بأبعاده المختلفة 41.8%.
·      نسبة الفقراء الذين يعيشون في الريف 83%.
·      متوسط نصيب الفرد الناتج المحلي الإجمالي بالريال 560 ريالاً و75%.
·      نسبة الأسر التي يقل متوسط دخلها الشهري عن 10 آلاف ريال 40%.
وتقدر بعض الدراسات أن نسبة القوى العاملة من الأطفال 5 و6%، أي ما يقارب نحو مليوني طفل ولا توجد إحصاءات دقيقة يمكن الركون إليها.
فالأطفال دون سن 14 سنة يشكلون أكثر من نصف سكان الجمهورية اليمنية البالغ عددهم 18.68 مليون، وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الأميين 64% من السكان، وأن معدل الالتحاق بالتعليم الأساسي 57.6%، ومعدل التسرب من الصفوف الدراسية الأولى 15%، ونسبة الأطفال خارج التعليم الأساسي 38%.
وتشير إحصاءات عام 1994م إلى أنه يوجد300،693،4 طفل عامل في اليمن دون سن 14 سنة، وعدد الأطفال العاملين في المدن اليمنية حسب إحصائية لعام 1999م يقدر بـ 701 433 طفل.
وفي دراسة مولتها المنظمة السويدية لرعاية الأطفال (رادا بارني) حول عمالة الأطفال في اليمن، تبين أن :
- 96% من الأطفال العاملين هم من سكان الأرياف اليمنية.
- 42% يقومون بإعالة أسرهم.
- 41% يساعدون أسرهم المحتاجة.
- 56% من الأطفال العاملين هم من المتسربين من التعليم.
- 5.45% تسربوا ما بين الصفين الرابع والسادس.
4.38%  من الأطفال يتعرضون لمضايقات مختلفة في أماكن عملهم.
52%  يتعرضون لتحرشات أخلاقية.
32%  يتعرضون لتحرشات عادية.
2.1%  يتعرضون لتحرشات أخرى.
32%  من الأطفال العاملين يتعاطون القات في فترات متفاوتة ويصاحب ممارسة الأطفال لهذه العادة السيئة تدخين السجائر بكميات كبيرة، تصل من (10 - 20 سيجارة يومياً).
3.28%  من عمالة الأطفال يعملون في الشوارع بما يسمى بالباعة المتجولين.
24%  من الأطفال تتراوح فترات عملهم ما بين (6 - 10) ساعات يومياً.
39%  تتراوح ساعات عملهم مابين (11 - 17) ساعة يومياً.
أسباب عمالة الأطفال
هناك أسباب مختلفة لعمالة الأطفال وتأتي على رأس هذه الأسباب العوامل الاقتصادية والفقر، التي تؤدي بالأطفال للاشتغال في الأشغال المختلفة والمضرة من الناحية الصحية والأخلاقية (أحياناً). فالأطفال بوجه عام يشتغلون في المنازل، وفي المزارع والورش والمصانع والمتاجر، وقوارب الصيد البحرية مع الصيادين، وبيع الخضار والفواكه والقات وتلميع الأحذية، وفي المغاسل الأتوماتيكية للألبسة، وتنظيف السيارات، وبيع المقتنيات المنزلية والمواد الاستهلاكية وألعاب الأطفال والحلوى والآيس كريم والمواد الغذائية... ويتم أحياناً استغلال الأطفال والصبايا في مهن منحطة كالجنس والدعارة وترويج وبيع الخمور ولربما المخدرات، علاوة على تعرض الأطفال باستمرار للتحرشات والمضايقات ولربما للاعتداءات الجنسية.
أما عن أسباب عمالة الأطفال فيمكن إيجازها في:عُسر الحياة الاقتصادية (الفقر)، الصراعات السياسية، فقر الأسرة، التفككات العائلية، الانفجار السكاني، الأمية وتردي الخدمات العامة، وتدني المستوى التعليمي، والتسرب من المدرسة.
العمل النزيه والمفيد وغير المضر يكون مقبولاً إلى حدٍ ما خاصة إذا ما دعت الحاجة الماسة إلى ذلك، ولكنه من غير المقبول الدفع بالناشئة (الأطفال) لأعمال فوق طاقتهم لا يتواءم والطفولة ويحتاج إلى جهد شاق ولساعات طويلة لا تمكن الطفل من اللعب وتنمية مواهبه ومداركه ولا تتيح له مجالاً للراحة والاسترخاء والتعلم، مع حصول الأطفال على أجور غير منصفة مقابل الأعمال الشاقة طوال اليوم في ورش السمكرة واللحام والحمالة وفي عرض البحر في السفن وقوارب الصيد، ووسط ضجيج آلات المصانع والحدادة والنجارة وازدحام الأسواق وضوضاء المواصلات ووسط ظروف صحية غير مأمونة بحيث يكون الطفل عرضة للأمراض المعدية جراء عدم توافر الشروط الصحية للأعمال وعدم قدرة جسم الطفل على مقاومة الأمراض الفتاكة، والأمراض التي قد تظهر أخيرًا وتؤثر في مستقبله، فالأعمال الشاقة التي يمارسها الأطفال لها نتائج سلبية على صحتهم فقد يصابون بالضعف الجسمي العام والتوترات النفسية والعصبية، وتشوش في السمع وضعف البصر وقصر القامة وإعاقات نفسية وجسدية يدفع فاتورتها الطفل آجلاً أم عاجلا. ولا ننسى في هذا السياق الإشارة إلى أن هناك استغلالاً غير نزيه للأطفال حيث يتم استخدامهم في أشغال مهينة حيث تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 800 موقع على شبكة الإنترنت للترويج لدعارة الأطفال.
ومن المفيد الإشارة إلى أن الالتحاق المبكر للأطفال بالعمل واختلاطهم بالكبار قد يكسبهم عادات وسلوكات غير راشدة حيث يقلدون الأكبر منهم في تعاطي الشم والتدخين وشرب الخمر وتعاطي بعض المسكنات ومضغ القات، ولربما الدخول في ممارسات جنسية غير مشروعة، وتعلم عادات وسلوكات بذيئة خاصة إذا ما اشتغلوا مع جماعات عمل غير سوية والتي تحترف السرقة والصعلكة والسوقية والاحتيال منهاجاً لها في حياتها اليومية.
ماذا نفعل؟
1)  على الجهات المسئولة القيام بعملية إحصائية يبقى أن نسأل الآن: ما الذي يمكن أن نعله? لعدد العاملين من الأطفال والفتيات، حيث مازالت القاعدة المعلوماتية بهذا الشأن ضعيفة وغير دقيقة ولربما غائبة.
2)  لابد من تفعيل الأنظمة والقوانين وخاصة فيما يخص الأطفال، ولابد أن يعاد النظر بالسن القانونية للعمل، بحيث تكون سن 15 سنة بدلاً من 18 سنة تماشياً مع الأوضاع الحياتية والمعيشية وظروف وواقع المجتمع اليمني.
3)  على مؤسسات الدولة المختصة السعي من أجل تطبيق إلزامية التعليم وخاصة في المرحلة الأساسية ورفع المستوى النوعي للتعليم تجنباً لتسرب الأطفال من المدرسة.
4)  لابد من الاهتمام بالتعليم المهني والفني والمعاهد الفنية والمهنية المتوسطة لإكساب الناشئة والشباب المؤهلات العلمية المطلوبة في سوق العمل.
5)  انتشار ظاهرة عمل الأطفال يتطلب عملا مستمرا من قبل الجهات المختصة، ورسم استراتيجية خاصة بمكافحة عمالة الأطفال وخاصة الحالات التي تستدعي ظروفهم القاهرة الالتحاق المبكر بسوق العمل، واستحداث دائرة مع موظفين وأخصائيين اجتماعيين في وزارة العمل والخدمة المدنية مهتمين بهذه المسألة.
6)  على المراجع المسئولة النزول الميداني الدوري إلى مواقع عمل الأطفال والنظر في ظروف العمل التي يعمل فيها الأطفال وساعات العمل والراحة والأجر الذي يتقاضاه الطفل بما يتواءم مع قانون عمل الأطفال.
7)  على الجهات المسئولة تقديم تصور بالمهن المسموح مزاولتها من قبل الأطفال، والمهن الخطرة والمضرة التي يجب عدم التحاق الأطفال بها.
8)  على الدولة تقديم العون للأسر الفقيرة لإعادة التوازن الحياتي إليها، مما يجنب دفع أطفالها إلى سوق العمل.
سمير عبد الرحمن الشيري
 تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال
إقرأ أيضًا





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق