السبت، 8 فبراير 2014

• هكذا صار الـ"واتس آب" شريكاً في "الجريمة"


تحقيق للدكتور أنور عبد الحميد الموسى
استخدم في عمليات "الغش" في الامتحانات الجامعية. أنقذ عشرات الطلاب من مأزق الرسوب الحتمي. اضطرت إحدى الكليات إلى تكثيف التفتيش عنه صعوداً ونزولاً، حتى جلباب المحجبات وعلب سجائر الشباب. والطامة الكبرى لكل من ضبط بحوزته ولو سهواً، لأن العقوبة قد تصل إلى الطرد من الامتحان، أو المنع من تقديم امتحانات أرصدة أخرى، فضلاً عن التشهير، وتعليق اسم "الجاني" في باحات الكليات!

تأفّف مئات الطلاب من إجراءات التفتيش عنه في القاعات خلال الامتحانات! سرعان ما عدلت بعض الإدارات من إجراءاتها، فاستقدمت أجهزة تشويش متطورة لإبطال مفعوله، مع علمها أن تلك التقنيات لا تمنع "الغشّ!"
لا نتكلم على فايروس عادي أو خطير؛ إنما هو "وباء" الهاتف الخلوي الناتج عن استثمار ذلك الجهاز في "تجارة الغش."
القضية حقيقية، انتشرت مؤخرًا في غير كلية، ورافقتها جملة "روايات"، يقول رمزي ناصر (ماجستير، فرنسي): "سمعت أن سبب تلك الإجراءات وجود عصابة، تدفع لها 100 دولار، فتؤجرك جهازاً، وتسهل لك بث أجوبة الامتحان عن بُعد، بعد توجيه رسالة لها حول المطلوب، ويستعين صاحب المعونة بسماعات "لا سلكية" كي يسمع الإجابة". يقاطعه زميله عائد جعفر (ماجستير إنكليزي): "سمعت بأن تكلفة العملية كانت عالية، ربما تصل إلى 500 دولار. العملية نجحت لوقت قصير قبل أن يحبطها أحد المراقبين!". كيف؟ يجيب: "أحب المراقب ممازحة أحد الشباب، فربَّت على ظهره ورقبته، فهب الشاب صارخًا من الألم، ليتبين أن سببه وضع "الجهاز" في الأذن اليسرى."

    إنها إذًا طرائق مبتكرة للغش، بطلها اليوم جهاز الخلوي وبرامجه وملحقاته التي لم تتردد الدول ومخابراتها في استخدامها لأعمال التجسس والمراقبة، ولا تجد المؤسسات الإعلامية أيضا مفراً من استغلالها أداة لمراسليها في نقل الأخبار وصور الأحداث لحظة بلحظة، فكيف لا يستثمرها الطالب الجامعي "الذكي" في أعمال الترفع والنجاح."
"الرواية" السابقة تشرِّع الباب أمام التطور الهائل الذي طال الخلوي، وتنعكس تأثيراته المباشرة، في سلوك الشباب والأطفال وأساليب الحياة، والعادات والتقاليد، حتى تبلور الشخصية.. لكن، هل ينظر الشاب الجامعي دائماً إلى القضية من هذا المنظار؟ وما النهضة الكبرى التي أحدثها الـ"واتس آب" في حياته؟
رحلة الشباب مع "الفيروس"
يقول روي الأشقر (علوم اجتماعية): "لا أستطيع العيش من دون الـ"واتس آب" والخلوي، بات صديقي الحميم، الملازم لي، ومن دونه أشعر بالضياع"، لافتا إلى أن تطبيقات الخلوي غزت قلوب اللبنانيين وأيديهم، وأضحت كالقوت اليومي الذي وصلت تأثيراته إلى كل مناحي الحياة.
كلام روي تؤيده الوقائع والمشاهدات، فأينما تتجه، تجد شبانا ومراهقين وأطفالا يطأطئون رؤوسهم لجهاز العصر وتطبيقاته. الأسرة لا تسلم في المنازل، وأماكن الرحلات من ذلك "الفيروس"، فبعدما كانت ملجأ لأفرادها في النقاش وعرض المشكلات، بدأ الفرد فيها يشعر بالانعزال والوحدة، والتعلق بعوالم نائية أو افتراضية. تقول الجدة أم جمال جشي (60 عاما): "سهراتنا لم تعد حميمة، فأحفادي عند التجمع مساء، يتلهون بالخلوي والـ"واتس آب"، لا يكلمون أهلهم، ولا يتمازحون أو يتبادلون الآراء، ولم يعودوا يستمعون للقصص الدافئة."
أسر جمة تجتمع، إذًا، وقلوب أبنائها شتى نتيجة ذلك "الفيروس". وفي أثناء السهرات، وجلسات الأنس، يؤازر جهاز الخلوي التلفاز في التشرد العائلي وتفكك العلاقات، لكن للهاتف خصوصية، لأنه في نظر سعد سلمان (إعلام)، يجمع خصائص عدة وسائط (ملتميديا)؛ ففيه الراديو والتلفاز والاتصال وحتى الإنترنت، والتواصل المباشر بالصوت والصورة والدردشة.. لكنه، مع ذلك، يضيف، "قد يكون ضيفاً ثقيلاً، ولا سيما في أوقات العمل، أو القيادة، أو المناسبات. قد يوقع صاحبه بحرج شديد."!
شبان يعملون بالأفران وغيرها، صرفوا من العمل، أو تعرضوا لاهانات نتيجة إدمانهم على الـ"واتس آب". يشرح سلمان: "طردني الدكتور من القاعة؛ خلال المحاضرة؛ لأنني أحببت التواصل مع صديقتي، ومع ذلك، لا أرتدع."
ويبدي الشاب نعيم امتعاضه من سلوك زوجته: الـ"واتس آب" يجعلها بعيدة عني كثيرا؛ ففي كل لحظة يرن التلفون إيذانا بفتح حديث قد يطول، أو دردشة مع جاراتها وصديقاتها وأقربائها، والمشكلة أنها قد تصاب بإحراج عند امتناعها عن التواصل والرد". ويستغرب كيف أنه وقف مرة عشر دقائق ينتظر "الخضرجي" ريثما ينهي الدردشة عبر الـ"واتس آب."
واللافت، أن أسرًا فقيرة، تخصص جزءا كبيرا من ميزانيتها لأعمال الخلوي وخدماته. تقول فاطمة غندور: "مدخول زوجي متدنٍ، نخصص جزءا كبيرا منه لـ"تشريج" هواتف أبنائي الخمسة؛ فابنتي جامعية، لا أطمئنّ عليها بلا خلوي، وابني عذبنا كثيرا لشراء جهاز، لأن أصدقاءه معهم أجهزة، ينقلون عبرها صورا مجانية وغيرها."
تلامذة المدارس ذكورا وإناثا لا يسلمون من هذا "الفيروس"، فميرفت الحسن (بروفيه)، لا تستغني عنه: "أتصل عبر "الواتس أب" بصديقاتي، وأدخل عبر الخلوي للإنترنت للبحث والتسلية، ومعرفة الأخبار، وإنشاء مجموعات"، تستدرك: "بعض زميلاتي يستخدمنه للتعارف مع شباب، أو لمشاهدة لقطات إباحية، أو فيديو كليبات هابطة."
ويبدي الشاب منير العبد امتعاضه من الرسائل الترويجية التي ترسل عبره من دون استئذان: "إعلانات لسلع، أو تخفيضات للأثاث، أو الإعلان عن شقة أو قروض". يتابع: "هناك رسائل نصب واحتيال؛ من قبيل: اتصل على الرقم كذا، لأنك ربحت جائزة كبرى. هدفها إما تجاري، أو سياسي."
للكلام السابق ما يسوغه في ميدان التجسس والتجنيد للعمالة والموضة، تقول زينب كيال: "نحن العرب، ننبهر بالموضة، فجارتي الجامعية تغير كل مدة جهازا، غير مكترثة لوضع أهلها؛ لأنها تلهث وراء التطور، على حساب وضعها الاقتصادي". ويوافقها الرأي حسام بركة: "بعض الناس يخدعون بالإعلانات المروجة للهاتف، فيشترون أجهزة لا يحدث عليها التغيير، بذريعة أن تطورا عظيما طرأ عليها."
آراء الاختصاصيين
تقول ريما جشي (علم نفس): "الواتس آب يوفر للمرء خدمات جمة على صعيد تبادل المعلومات والصور والتفاعل العائلي. فالطلاب يجدون فيه خير معين اقتصاديا وثقافيا. أنا أؤيد استثماره، لكن ليس على حساب العمل والواجبات المنزلية.. والعلاقة الزوجية". فيما يؤكد الدكتور رمزي العابد أن الانغماس بالتكنولوجيا والهاتف، جعل الفرد يشعر بالانعزال. الاتصال من بعد، لا يغني عن اللقاء الاجتماعي وجها لوجه، والفرد يحتاج إلى تواصل يبرز المشاعر والانفعالات عبر لغة الجسد. وبالتالي، فإن الانغماس بالخلوي وخدماته الجديدة، قد يسبب مشكلات نفسية تطرأ على الإنسان، فتجعله أسير الإحباط والقلق.
ويعيد الدكتور حسام الهاشم سبب تعلق الشاب بالـ"واتس آب"، إلى "جملة من الإحباطات التي منينا بها، نتيجة الفساد والطائفية والفراغ والبطالة وسوء استثمار الوقت، فيجد الطالب في تلك التكنولوجيا عالما افتراضيا وهميا، يعوضه من النقص الراهن". ويتابع: "أشبه تعلق الإنسان بالخلوي وبرامجه بتعلق الطفل بأمه، وكلاهما يبحث عن سند أو تعويض عاطفي ووجداني."
دعاء الأمين (ماجستير تربية) تؤكد أن التكنولوجيا عامة، والخلوي خاصة، سلاح ذو حدين. ويتوقف استخدامه على التربية. وتشير إلى أن المراهق أو الشاب، قد يجد في الخلوي بديلا عن العطف المفقود في الأسرة أو المجتمع؛ ولذا، هناك ضرورة لمواكبة الطفل أو المراهق، وتثقيفه جنسياً كي لا يحصل على تلك التربية من طرق خاطئة عبر الهاتف (بلوتوث، أو فيديو، أو إنترنت.)
الخلوي إذًا، أحدث خططا جديدة للغش أو التفوق، وقد تطال تأثيراته الامتحانات الرسمية. وهذه القضية تفتح نوافذ على "الحداثة والعصرنة"، من مرحب بإنجازاتها إلى معارض لـ"تفاهاتها" أو متحفظ.. بانتظار الضيف "التقني" القادم لأجيالنا.

تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال

إقرأ أيضًا

عشر كلمات تدمر أبناءنا

الفخار: أصله، تركيبه، صناعته، استعمالاته

قصة وعبرة: الأمور الخطيرة لا تنتظر حتى الغد

الأطفال الممتنون أكثر سعادة

شخصية الحشاش ونكت الحشاشين.. وتأثيرها على الشباب

قصص الأطفال: لَسْتُ بِحاجَةٍ لِمُعلّمٍ!


للمزيد

حدوثة قبل النوم

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص معبرة

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق