الأربعاء، 2 يوليو 2014

• تفوق الأبناء.. ومسؤولية الأسرة


كثير من العلماء والفنانين كانوا من وجهة نظر معلميهم نموذجا للغباء وعدم القدرة على الاستيعاب فاضطرت الأسرة للقيام بواجبها التربوي والتعليمي تجاههم، وإذا بهم بعد سنوات تتفتح مواهبهم ويزدهر نبوغهم.
هذا الكلام لا يعني أبداً التقليل من أهمية الدراسة الأكاديمية، والتفوق مع وجود موهبة خاصة، وروح وثابة ومتطلعة للتمييز ستساعد الطالب على تكوين رؤية منهجية منظمة، ترفع به إلى أعلى قمم النجاح.

التفوق الدراسي إذن مسألة مهمة، لكن السؤال الأهم هو: كيف نساعد أولادنا على إحراز هذا التفوق؟
سؤال توقفت طويلا أمامه عندما وصل ابني البكر إلى الثانوية العامة، خاصة أنني أنا شخصيا كنت إحدى ضحايا تلك الشهادة "المأزق"، ولهذا وجدتني أسترجع أحداث تلك الأيام لأستخرج منها العبرة علني أتجنب سلبيات تجربتي وأنا أتعامل مع ولدي قدر الإمكان.
أعترف، ببعض الألم ، بأن تجربتي مع الشهادة الثانوية لم تكن فيها أية إيجابيات، فبرغم أنني كنت الابنة البكر لأبوي، ومناط حبهما ورعايتهما، ربما إلى حد المبالغة، إلا أن هذا الحب تحول إلى قيد خانق تجلى واضحا في تلك السنة التي كنت استعد فيها لنيل تلك الشهادة. فجأة، وفور أن مر على السنة الدراسية شهر واحد فقط أعلنت حالة الطوارئ في البيت وطبقت أمي بصرامة شديدة لائحة من الممنوعات لا أول لها ولا آخر: التليفونات ممنوعة، وأمي فقط هي التي لها حق الرد على المكالمات.. "التلفاز" نقلته إلى غرفة نومها، ورفعته فوق الخزانة لأنه - من وجهة نظرها - يهدر الوقت فيما لا يفيد. الخروج ممنوع فيما عدا يوم الخميس، على أن يمنع نهائيا في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وحتى الزيارات العائلية تكفلت بمنعها تماما، بعد أن أشعات أن أخي الصغير قد أصيب بالجدري، وأنها تخشى على زوارنا من العدوى وكانت المحصلة النهائية هي أنني دخلت الامتحان وفي داخلي كم من القلق والرعب لا حدود لهما، كثفه في أعماقي رؤيتي لزميلاتي، وهن يرتجفن هلعا حتى قبل أن يدخلن لجنة الامتحان بالإضافة إلى نظرات المراقبين التي بدت لنا صارمة، ولا تتسم بأي ود أو تعاطف إنساني، مما أشعرني بأنني أواجه التتار وحدي في معركة لا تكافؤ فيها على الإطلاق، وكان لا بد أن يحدث المحظور، فرسبت في أربع مواد، كنت - وهذا هو المحير - أحصل في كل منها على الدرجات النهائية في الامتحانات الشهرية خلال نفس السنة.
الحب والسلوكيات الخاطئة
الآن، وأنا أسترجع تلك الأحداث أتفهم جيداً أن الحب وحده كان هو الدافع لهذه السلوكيات الخاطئة، فأبواي كانا - كأي أبوين - يحلمان لي بمستقبل غير عادي. كانا يخططان ويقرران، لكنهما لم يتركا لي أي فرصة لأن أحلم فيها لنفسي سلبا مني حقي في أن أحلم. فمات داخلي الحافز، ملاحقتهما لي كل دقيقة، وكل تلك القائمة من الممنوعات أشعرني بأنني يجب أن أنجح من أجلهما، وليس من أجل نفسي. خوفهما الذي وصل إلى حد الهلع من توقع الفشل انعكس علي ففقدت ثقتي في نفسي، وكانت النتيجة هي أنني دخلت الامتحان وأنا مهزومة سلفا.. أحد أبناء عمومتي أصر والده على أن يلتحق بشعبة العلوم. لماذا؟ لأن الوالد يمتلك عيادة ويريد إلحاقه بكلية الطب، ليرث نفس المهنة من بعده، حاول المسكين إقناع والده بعشقه للفن وأنه يحلم بالالتحاق بكلية الفنون الجميلة إلا أن الوالد أصم أذنيه وأعلنها بوضوح: أريد لابني أن يكون امتدادا لي.. وكانت النتيجة فشله الذريع في الحصول على الثانوية العامة لأربع سنوات متتالية، وفي النهاية التحق بالقسم الأدبي بعد أن هدد بالتوقف عن الدراسة نهائيا، ولم يكن أمام الأب إلا أن يوافق.
أسر كثيرة ترتكب نفس الخطأ مع الأسف تحت شعار الحب والقدرة الأكثر على قراءة المستقبل، وهو شعار ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، ولا يكون ضحيته في النهاية إلا أحب الناس إلينا، ألا وهم أبناؤنا.
لماذا نغتال أحلامهم؟
الدوافع كثيرة، وقد ندركها أو لا ندركها، فهناك الأب الذي حرم من دراسته بسبب ظروف اجتماعية أو مادية قاهرة، فاضطر إلى الاعتماد على نفسه، ونراه بعد أن تصبح له أسرة وأبناء تواقا بشدة إلى تحقيق حلمه القديم الذي حرم منه في أبنائه. يريد أن يرى فيهم الصورة التي كان يتمناها لنفسه لذا يبدأ بالضغط من موقعه كأب ليوجههم إلى الطريق الذي يؤدي في النهاية إلى تحقيق هذا الحلم.
وهناك أب مقتدر مالياً، ويمتلك مؤسسات ذات طابع خاص، ولذا يرغب في توجيه ابنه وجهة علمية معينة تؤهله في النهاية لإدارة مؤسساته من بعده.
وعلى الجانب الآخر نجد نماذج من الأمهات ترى الواحدة منهن في تفوق أبنائها مسألة حياة أو موت أسباب لا علاقة لها بمستقبل الابن نفسه، مثلا الأم التي لم تنل حظا من التعليم، وتشعر في أعماقها بالنقص لأنها أقل من نسيباتها أو جاراتها الموظفات مما يجعلها تتصور أن تفوق أولاده هو رد فعل عملي لها، وشهادة دامغة لها على أنها كأم قد تفوقت على الجميع. وأم أخرى هجرها زوجها أو طلقها، وتريد أن تثبت له من خلال أولادها أنها أم وسيدة عظيمة لم ينتبه لقيمتها بدليل أنه برغم تخليه عنها قد ساندتهم حتى وصلوا إلى أعلى قمم النجاح.. أي أنها خرجت بثروة لا تعادلها أي ثروة أخرى، وأنه في معركته معها كان الخاسر الوحيد.
الحالات السابقة قد تكون إحداها هي الدافع لمبالغة الأم أو الأب في ملاحقة الطالب لكي يذاكر، ويجلس إلى مكتبه بغض النظر عن ظروفه النفسية هو شخصيا.
ولكل هذه الأسباب حرصت على أن أتعامل مع ابني منذ بداية مرحلته الثانوية على أساس مختلف تماما، تركته يختار الشعبة، التي يرغب في الالتحاق بها، بغض النظر عما أرغبه أنا أو يتمناه والده، وكنت أنقل إليه ما أود أن يفعله بأسلوب غير مباشر، مع تصيد اللحظة المناسبة للحديث معه، حتى لا يشعر بأنه هو المقصود بكلامي، وأذكر أنه حكى لي مرة بألم عن حالة صديق يلاحقه أبواه بشكل استفزازي لكي يذاكر ويرفضان بشدة أن يذاكر مع أي زميل آخر.. فكانت فرصتي الذهبية لأن أقول له إن أبويه مخطئان، فالنجاح قضية الطالب وحده، وليس من حقهما أن يحلما ويخططا بالنيابة عنه.. عليهما فقط أن يكتفيا بدور التوجيه الهادئ ومد يد العون والمساندة، كلما احتاج إليها أما عن المذاكرة الجماعية فأنا أعتقد أنهما على حق، ففي تصوري أن المذاكرة الفردية تعطي الطالب يعتاد عادة على المكان، والظروف التي تحيط به اللهم إلا إذا كان يفتقد الجو المستقر الهادئ في بيته، وإن كان هذا لا يمنع أن ينسق مع زميله، بأسلوب تنافسي جميل مشبع بالتعاون الحقيقي. أيضا كنت أتعمد أن أقول في وجوده كلما جرنا الحديث إلى الامتحان إنني لا أفهم سر هذه الضجة، وحالة الرعب التي تصيب الطلبة فالثانوية العامة مجرد امتحانات عادية وإن كانت تحتاج فقط إلى مزيد من التركيز المكثف لارتباطها بالمجموع الذي يؤهل الطالب لدخول الكلية التي يريدها، وعندما سألني ذات مرة بقلق: وماذا لو رسبت؟ قلت، وأنا احتضنه بحنان: سأحزن طبعا من أجل سنة ستهدر من عمرك، لكنها لن تكون نهاية العالم، وما من إنسان لم يجرب الفشل وأنا شخصيا تعثرت فيها ثلاث سنوات متتالية، لكني واثقة من نجاحك أنت بالذات، فأنت ذكي، ومقاتل كوالدك، ظروفنا نحن كانت مختلفة، وعالمنا كان محدودا، وأنتم الآن لديكم الفيديو، و"التلفاز" والكمبيوتر، وقنوات فضائية لا تحصى.. وكلها وسائل خصبة للمعرفة لو استثمرناها جيداً.
الطالب وأسرته
لا يحتاج الطالب إلى أكثر من مكان مناسب، وجو نفسي هادئ.. المكان قد يكون ركنا في غرفته أو في أي مكان من البيت، بشرط أن يكون جيد الإضاءة والتهوية وبعيداً تماما عن الضجة التي قد تشتت انتباهه، وتقلل من قدرته على التركيز. وعلى الأم أن تراعي البساطة الشديدة في مكونات الغرفة، بمعنى ألا تكون مزدحمة بتفاصيل كثيرة، وأن يكون ظهر الطالب أثناء الدراسة للفراش، حتى لا يغريه منظر الفراش بالنوم.
أما الجو النفسي الذي يحتاج إليه، فيمكن تحقيقه لو تعاون كل أفراد الأسرة. على الأبوين أن يجمعا كل أفراد الأسرة، ويتفقا معهم على التصرف الهادئ الرقيق كل منهم مع الآخر، والحد من مسببات الشجار، والكف عن الصراخ والحوار بصوت عال، وهذا لن يتأتى بالطبع إلا إذا كان الكبار أنفسهم قدوة حسنة، أيضا لا داعي لأن نزج بالطالب في هذه المرحلة في مشاكل أسرية قد تتعرف لها الأسرة وألا نعوقه بطلبات يمكن أن تؤجل، أو أن يقوم بها أي شخص آخر نيابة عنه. وإذا كان الفتى من النوع الذي يشرد كثيراً ويركز بصعوبة، يمكنك مساعدته، اطلبي منه عقب الانتهاء من مراجعة كل فصل أن يلخصه كتابة، وبعد أن ينتهي من التلخيص قومي بقراءته على أن يتابع معك القراءة من الكتاب، فإذا ما اكتشف هو أنه قد نسى تسجيل إحدى النقاط، اطلبي منه أن يعيد قراءتها بروية، وتذكري دائما يا سيدتي ان الإنسان لا ينسى أبدا معلومة استعمل في جمعها معظم حواسه الخمس (اليد والعين والأذن)، ويا حبذا لو طلبت منه أن يقوم بتسجيل النقاط المهمة على شريط كاسيت ليقوم بسماعها في لحظات فراغه.
وعلينا - كآباء وأمهات - ألا ننسى أن الجسد المرهق يعني ذهنا عاجزا عن الاستيعاب، فإذا ما لاحظت يا سيدتي أن علامات الإرهاق بادية على وجه فتاك فاطلبي منه أن يغفو قليلا ليريح جسده ولا تعتبري الفترة التي سينامها فترة مهدرة لأن المعلومات عادة تزداد. ترسخا أثناء النوم، وإياك أن تربطي بين عدد الساعات وحصيلته في الاستيعاب لأنه لا علاقة بينهما، فهناك طالب يستوعب فصلا كاملا في ساعة واحدة، وآخر لا يستوعب سطراً واحداً في نفس الفصل خلال ثلاث ساعات، أو أربع.. فالإرهاق البدني، والذهني يؤثران في قدرته على الاستيعاب بالإضافة إلى أحلام اليقظة التي تداهم معظم الطلبة في أثناء المذاكرة وهي حالة هروبية لا شعورية، يلجأ إليها الطالب، تعد من المعوقات الخطيرة التي تؤثر في عملية الاستيعاب، لذا ينبغي ألا تشعري بالتوتر والضيق إذا ما صارحك بأنه في حاجة للتريض، أو زيارة صديق لبعض الوقت، وإذا ما حدث وخرج من غرفته ليجلس بينكم ليشاهد التلفاز، اجعلي له مكانا بينكم، ودعيه يتصرف بالشكل الذي يريده، دون ضغوط أو تعليقات مستفزة، اللهم إلا إذا جاوزت رغبته في الاسترخاء حدود المعقول.. حينئذ يمكن أن تلفتي نظره برفق، ودون عصبية.
نوعية الغذاء
يمكنك يا سيدتي أن تقدمي له من آن لآخر بعض العصائر اللذيذة المغذية كالليمون، والكركديه، أو التمر هندي، فتلك النوعية يمكن أن تمده بالطاقة، والحيوية والغذاء في نفس الوقت، ولا تقدمي له الحليب أو الخس إلا إذا قرر أن ينام لفترة طويلة واحرصي على تقديم الأغذية الخفيفة التي لا تصيبه بالتخمة، والكسل، ويا حبذا لو كانت وجبات صغيرة وعلى فترات.. المهم أن يحتوي طعامه بشكل عام على الفيتامينات والمعادن التي يحتاج إليها الجسم، وأكثري من تقديم العسل، والنشويات فهما يساعدان على التركيز.
كيف تتصرفين إذا ما فاجأك ابنك قبل الامتحان بفترة بسيطة قائلا بأن مادة ما أو أكثر يشعر أنه سيحتاج فيها إلى مساعدة خارجية كي يستوعبها لأنه لا يفهمها بالمرة؟
هل تثورين عليه وتقولين له بغضب: وأين كنت طوال الفترة الماضية؟ ألم تكتشف هذه الحقيقة إلا الآن؟
أنا شخصيا عندما فعلها ولدي معي، كظمت غيظي، وقلت له بهدوء: أنا أعلم أن هذه المادة صعبة فعلا، لكني واثقة من أنك ستجد حلا ما.. والأفضل طبعا أن تشاركيه عملية البحث عن حل: صديق للعائلة متخصص في المادة التي يعاني منها.. جار أو قريب أو حتى زميل لابنك يكون متفوقا في هذه المادة بالذات.. قولي له أيضا: إنك على ثقة من أنه حاول أن يستوعبها بتركيز أكبر فيستوعبها وحده فهو يتمتع بذكاء حقيقي.. وعلى كل إذا ما تأكدت من احتياجه إلى مساعدة خارجية حاولي العثور على أستاذ متخصص يقبل تدريسه في الفترة القليلة المتبقية.
ويا أعزائي الآباء والأمهات، أنتم وحدكم من يستطيع أن يمد طالب العلم بالثقة والشعور بالتوازن النفسي اللذين سيقودانه إلى بر الأمان وتحقيق طموحه.. فجروا قدراته الكامنة بالحب والرعاية الصحية والنفسية، وبمزيد من الشعور بالثقة التي هي البنية الأساسية لأي نجاح، في أي مجال.
 زينب الكردي 
 تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال

إقرأ أيضًا

للمزيد

حدوثة قبل النوم

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص معبرة

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق