الخميس، 28 أبريل 2022

• الحسد... المارد الذي يخشاه الجميع


الحسد

يتسرّب الحسد وينتشر في النفوس والعقول والقلوب، ليتراكم ويصبح ظاهرة واضحة وأساسية في التاريخ والعقائد والأغاني والطعام والإنجاب والموت والأفراح.

جميعنا يحتكّ بتلك الظاهرة، ويستعيذ بالله، ثم بالتمائم والأحجبة، من قوتها ومن تأثيراتها، لذا فإن الحسد أصبح أحد المظاهر التي نتحدث بها في حياتنا اليومية، سواء كنّا فقراء أو أغنياء.

فعاطفة الحسد والغيرة من أهم العواطف التي تؤثر في الإنسان، بل وتتحكم في سلوكه بشكل عام، سواء كانت بالمعنى الاجتماعي أو على المستوى الفردي.

وبينما تكتسي كلمة «الغيرة» بعض المعاني الحميدة أحيانًا، فإن كلمة «الحسد» توحي دائمًا بمعانٍ كريهة تحمل في طياتها الضرر والشر والإيذاء.

على مستوى دلالات اللغة ومفرداتها لا نجد في الحسد سوى مشاعر الحقد، والرغبة في الاستيلاء على ما يمتلكه الغير، أو حرمانه منه وتدميره على أقل تقدير.

فتعريف الحسد لغويًا هو: تَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةِ الغير، وهو غير «الغبطة»، المقصود بها تمنّي المرء نعمةً يتمتع بها غيره، مع نية خالصة بعدم زوال هذه النعمة من غيره.

وهناك العديد من الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ بمصطلح الحسد، منها: «الحقد»، وهو غَضبَ لَزِمَ كَظْمُهُ لِعَجْزٍ عَنْ التَّشَفِّي، فاحْتَقَنَ فِيهِ والْحَسَدُ ثَمَرَتُهُ، و«الضغينة»، وهي الحقد المصحوب بالعداوة، و«الغِل»، وهو الحقد الكامن في الصدر، و«الشَّمَاتَةُ»، وهي الْفَرَحُ بِمَا يَنْزِلُ بِالْغَيْرِ مِنْ الْمَصَائِبِ، وهي ملازمة للحسد، و«العين»، وهي النظرة التي ينظرها الإنسان لنفسه أو لغيره، إما حسدًا، أو إعجابًا، وتؤثر سلبًا بالضرر.

وينبهنا علم النفس إلى أن الحسد مؤشر لاضطراب في الشخصية، وهو حصيلة تحكّم العديد من الانفعالات السلبية كالغضب، والخوف، والكراهية، وعدم المقدرة على المواجهة، والضعف، والشعور بالعجز، وعدم الثقة بالنفس. وظاهرة الحسد، وإن كانت لها جذور في النفس البشرية، إلا أنها ليست غريزة؛ بل هي ظاهرة نفسية ترجع إلى عوامل تربوية، اجتماعية، وثقافية، ومتفاعلة كالحرمان والنقص والطرد الاجتماعي، فهي محاولة سلبية لتعويض مُرَكَّب نقْصٍ مادي أو اجتماعي أو تعليمي أو ثقافي.

أنواع الحسد

يتفاوت الحسد بين الأفراد ومقدرتهم على الضبط الذاتي لانفعال الحسد، فقد يبقى عند البعض على مستوى الانفعال الذاتي دون أن يتحول إلى فعل، وقد يتحول عند آخرين إلى فعل رافض للمجتمع، وقد يأخذ هذا الفعل الرافض للمجتمع شكلاً سلبيًّا قد يصل إلى أن يكون حالة مرضِيَّة لا يتردد الأطباء النفسيون في النصح بعزل صاحبها في المصحات المتخصصة لعلاجه من رفضه الاستجابة لواقعه الاجتماعي.

وتوصّل علماء النفس، أخيرًا، إلى أن الحسد بشكل عام يقسم إلى حسد ضار وحسد إيجابي يشكّل قوة محفزة إيجابية.

أما على المستوى الاجتماعي، فإنَّ الحسد هو تعبير ذاتي فردي عن اختلال موضوعي اجتماعي للتوازن في العلاقة بين الفرد والمجتمع، وأن الأصل في العلاقة بين الناس في المجتمع أصبح هو الصراع لا المشاركة.

أما على مستوى الموروث الثقافي، فإن أمم الأرض جميعًا جعلت الحسد مرادفًا للشر الاجتماعي، فهو يولّد العداوة والبغضاء، ويسبب الألم والضرر للأفراد، كما أنه يشعل حرائق الحروب والغزوات، ويتسبب في إراقة الدماء والتخريب على مستوى الأمم والشعوب والقبائل.

وفي تراث الأمم جميعًا ترتبط بالحسد ممارسات ثقافية/ اجتماعية، كما يؤثر الحسد في السلوك الاجتماعي الكلّي والفردي، بل إن بعض الثقافات أسبغت على هذه العاطفة السلبية بُعدًا دينيًا، باعتبارها من الممارسات الشريرة التي ينهى عنها الدين والأخلاق، وباعتباره من الممارسات الضارة للأفراد والجماعات على السواء.

ففي الديانة المسيحية نجد الحسد - كشعور - موجود، لذا تختتم صلاة الشكر بقول «كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان انزعه عنّا».

بُعد ديني

وجاء ذكر الحسد في القرآن الكريم باعتباره شرًّا من الشرور التي يجب على المسلمين أن يستعيذوا بالله من ضررها، ومن ثمّ أخذت عاطفة الحسد السلبية ذلك البُعد الديني، ونتذكر هنا قوله - تبارك وتعالى - في سورة الفلق ومن شر حاسد إذا حسد، وقول رسول الله ، عن أنس بن مالك أن قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث».

فقد دعا الدين الإسلامي إلى فلسفة اجتماعية توفق بين الفرد والجماعة؛ فالمجتمع بالنسبة للفرد بمنزلة الكل للجزء لا يلغيه، بل يحدده فيكمله ويغنيه، ويقول الرسول: «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

فعندما يمتزج الموروث الثقافي بالمعطيات الدينية، نجد الحسد يترك بصماته على كثير من الممارسات الاجتماعية والعادات والتقاليد وجميع مجالات الحياة، كما نراه يحكم تصرفات الأفراد في كثير من الأحيان.

فعند التجول في شوارع مدينة كالقاهرة مثلًا، لا تخطئ أعين المارة تلك العبارات المدونة على واجهات السيارات المختلفة، فنرى سيارة أجرة «تاكسي» قد كتب على زجاجها الخلفي عبارة «محروسة من العين»، بينما نرى سيارة ميكروباص قد دوّن على ظهرها تلك العبارة «عضّة أسد ولا نظرة حسد»، في حين أضاف صاحب «توك توك»  - تلك المركبة التي انتشرت في كل مكان منذ سنوات - مقولة «من العين يا رب سلّم».

درء الحسد

هذا على مستوى تلك المهن، التي تحمل ثقافات أقرب لثقافات المهمشين أو غالبية الفقراء، بينما نجد طريقة درء الحسد وصدّ العين تختلف كلما ارتفع المستوى المعيشي للإنسان، فنجد في السيارات الفارهة يعلّق البعض الكفّ، التي تسمى «خمسة وخميسة»، أو «خرزة زرقاء»، أو آية قرآنية من مثل «قل أعوذ برب الفلق». بينما يقوم بالذبح في المناسبات أو عند بدء مشروعه الجديد، خوفًا من هذا المارد الذي لا نراه، وأقصد الحسد.

وإذا نظرنا تاريخيًا للحسد نجده مرتبطًا بالإنسان منذ خروجه من الجنة وهبوطه على الأرض، فأول حاسد كان إبليس ضد أبينا آدم عليه السلام فور أن خلقه الله، لتبدأ تلك الكارثة التي أودت بآدم وزوجه إلى الهبوط من الجنة إلى الأرض، ثم كانت ثانية حالات الحسد في واقعة قابيل وهابيل، التي وصلت إلى أن يقتل الأخ أخاه، كما أن الحسد هو البطل في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته.

وأكثر الشعوب حسدًا على ظهر الأرض وفي عمق التاريخ نجد الشعب اليهودي، إذ يحسدوننا على أي حضارة أنشئت على صحارينا، ويتمنون زوالها أو اقتباسها أو سرقتها لحسابهم، بل إن كل الصراعات العربية - الإسرائيلية تخفي الحسد خلف كل مقوماتها، وحربيًّا لا نستطيع أن نغفل الحسد في قيام الكثير من الحروب والصراعات، فالحرب التي أشعلها الزعيم النازي أودلف هتلر في جسد العالم، كانت بسبب نظرته الحاسدة منه في الارتقاء بجنس شعبه، بصفته متفردًا، وجميع الشعوب درجة ثانية أو ثالثة!

وفي كثير من الأغاني يقف الحسد كأنه جبل بين المحبين «يا حاسدين الناس مالكم ومال الناس» لمحمد عبدالمطلب، أو «حسدوني وباين في عينهم» لمحمد عبدالوهاب.

إن الحسد لم يترك شيئًا أو مجالًا إلا اخترقه، حتى الضحكة من القلب تجد من يحسدك عليها، فكل شيء وأي شيء معرّض للحسد، ولنظرة عين قاسية تقسمه وتحطمه، من كل ما سبق، ظهرت أشكال الأحجبة والرقيا وأشكال العين واستخدمت بعض آيات القرآن الكريم، باعتبارها أدوات مادية لاتقاء شر الحسد من ناحية، وقد تجلّى في سلوك المجتمع والأفراد نمط من أنماط ما يمكن تسميته «ثقافة الحسد» من ناحية أخرى. كما أن أدبيات المجتمع وحكاياته وفكاهاته لم تخلُ من الإشارة إلى الحسد بشكل أو بآخر.

إن الحسد عاطفة سلبية يشترك فيها البشر جميعًا ويخشون ضررها، ويحاولون اتقاء شرورها، وجميعنا نبتهل إلى الله أن يحفظنا من شر الحاسدين والحاقدين... اللهم آمين.

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

الخوف من طبيب الأسنان

تكنولوجيا الشيخوخة

حكمة التقشف

عيناك تدل عليك

5 مهارات اجتماعية علموها لأطفالكم باكراً

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

 






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق