الأربعاء، 13 أبريل 2022

• ثقافة عصر الـ «توكتوك‮»


توكتوك

تعد جميع وسائل النقل من أحد أهم متطلبات الحياة وعاملًا من عوامل تطور الحضارة البشرية، بل إن كثيراً من وسائل النقل واكب مراحل مهمّة من التاريخ البشري، وساهم في رسم منعطفات جديدة قادت الإنسان نحو العديد من الإنجازات المهمة في تاريخه.

لكنني لم أجد خلال تجوّلي خلال العصور السابقة لتاريخ النقل الإنساني، وسيلة نقل ومواصلات استطاعت أن تفعل ما فعله
الـ
«توكتوك» في ذلك الزمان البسيط، فبينما كان الجَمل وقوافله تخترق الصحراء، والجبال تصعدها البغال والحمير، والغابات تخترقها الخيول، والمدن تتصل بالقطارات والأتوبيسات والسيارات، والزحف على الجليد بالزلّاجات، وباطن الأرض يخترقه مترو الانفاق، والدول والبحار تعبرُها السفن والطائرات، والفضاء الخارجي والصعود للقمر بالصاروخ والمكّوك الفضائي، إلّا أن الـ «توكتوك»  لم يأتِ كوسيلة مواصلات، بل رمز لعصر كامل بدأ كل شيء فيه ينسحق ويتضاءل.

إذا كان الميكروباص هو الابن الشرعي لأتوبيس النقل العام - ليس في مصر فقط - بل في كثير من البلدان، حيث بدأ ظهوره في مصر مع بداية الثمانينيات، فإن الـ «توكتوك»  جاء كابن غير شرعي لكلّ هؤلاء، بداية من القدمين للسير، وصولًا إلى الصاروخ محلّقًا في الفضاء، فلا تستطيع أن تنسبه إلى أب شرعي؛ سواء من الحيوانات أو من الآلات، فقد جاء مميزًا في كل شيء، في دخوله لأماكن لن تستطيع أن تخترقها الأتوبيسات ولا السيارات.

 وبعيدًا عن تاريخه السرّي الحافل باللؤم والخبث في حياتنا، فقد جاء ومعه ثقافته، بل فرضها كوسيلة على مَن يقوده، وربّما العكس، فالـ «توكتوك»  لم يكن يريد أن يشاركه أحد، وبالتالي كما مصّ الهدوء من حياتنا، مصّ أيضًا العمال من مهن كثيرة؛ سواء في النجارة أو الحدادة أو النقاشة، وبالطبع كان مصدر جذب لهؤلاء العمال البسطاء، بسبب ربحه السريع، وعدم تكلفته.

في البداية، لم يعثر أحد على سبب تسميته بالـ «توكتوك»، لكن المؤكد أن صوت تلك التكتكة التي يُحدثها هو ما جعله يحمل هذا الاسم، فالـ «توكتوك» أو «الباجاج» أو «الستّوتة» أو «تكتك» نسبة إلى تسمية عراقية، هو «الركشة» بالهندية، ويبدو أن ظهوره المبكّر في بلاد آسيا، هو السبب في انتشاره ببلاد عربية كمصر والعراق والسودان.

و«الريكاشة»  اليابانية القديمة، هي أقرب تصوّر للـ «توكتوك»، وربما يكون هو التطور الطبيعي لها، رغم أن «الريكاشة»  كانت مصممة ليجرّها شخص على قدميه.

ولا أعتقد أن اليابان التي قدّمت للعالَم الكثير من الاختراعات، خصوصًا في العصر الحديث، هي السبب في انتشاره، لكنّ دولة مثل الهند بتعدادها الهائل، هي التي جعلته يتكاثر أكثر من سكان الأرض، وأكثر من أيّ مركبة سارت على سطح الكوكب أيضًا.

فالـ «توكتوك»  بحجمه الصغير والمميز - لن تجد له شبيهًا بتاريخ المواصلات في العالم - ذو الثلاث عجلات، هو في الأساس من المفترض أن يحمل راكبين بالمقعد الخلفي، إضافة إلى الشخص الذي يقوده، لكن بقُدرة قادر، استطاع الـ «توكتوك» أن يحمل أكثر من 7 أشخاص، وسنجد كثيرًا من الصور له في كثير من البلدان يحمل بضائع وحيوانات وأجهزة وأثاثات، وكأنه نملة صغيرة تحمل أكثر من وزنها بأضعاف!

وأولى الشركات المنتجة للـ «توكتوك»  هي شركة باجاج الهنــدية، وهي الشركة المنتجة نفسها للـ «فيسبا» التي انتشر استخدامها بصورة كبيرة في ثمانينيات القرن الماضي. ثم بدأت شركات أخرى بتصنيعه، خصوصًا في تايلاند والصين.

قدرات النملة وطموح الأفيال

بدأ ظهور الـ «توكتوك» في البلاد العربية بكثرة مع دخول الألفية الثانية، على الرغم من انتشاره بالهند في أوائل الستينيات، ومع قوته الضعيفة جدًا، فإنه يذكّرك بنملة تستطيع في صبر أن تبني جبلًا!

وميكانيكيًا يعتمد الـ «توكتوك» عادة على محرّك بنزين ذي سلندر واحد سعة 400  سي سي، وبه صندوق تروس بسيط شبيه للموجود بالدرّاجة النارية، إضافة إلى أنه يحتوي على غيار العكسي ليسمح له بالرجوع إلى الخلف، ونظام التوجيه فيه بدائي مثل الدرّاجات، يعتمد على «جادون».

عجز حكومي وفقر حضاري

كثير من الدول تعتبر الـ «توكتـوك» مَركبة غير مطابقــة للمواصفات الأمنية، وذلك لعدم اتّزانه وعدم صلابة هيكله الخارجي، فضلًا عن أن عدم وجود أبواب أو أحزمــة أمــان يعرّض الركاب للخطر في حالة الحوادث. وبالتالي ترفض كثير من الأنظمة المرورية صرف لوحات ترخيص للـ «توكتوك»، لاعتقادها بعدم صلاحيته للسير في طرق المدينة، فمــــثلًا في الســودان نجد أن المرور يمنع الـ «توكتوك» من عبور الكباري، قاصرين سيره على الشوارع والطرقات الجانبية والداخلية فقط، ولا تكفّ السلطات في كثير من الدول عن مطاردته أو محاولة تقنينه.

ولعل العشوائية التي انتشرت في كثير من البلدان، نظرًا للانفجار السكاني، هي السبب في انتشاره، ففي البداية كان يعمل حول تلك المناطق أو داخل شوارعها التي أقيمت دون علم أجهزة تلك الدول، بل إنني أتذكّر فرحة أبناء المناطق الحضارية عندما يذهبون إلى تلك المناطق لمشاهدة الـ «توكتوك» أو ركوبه، وكأنه شيء لم يحدث من قبل، وهذا هو الدهاء الذي يسير به الـ «توكتوك».

انتشار الـ «توكتوك» وثقافته

ينتشر الـ «توكتوك» عامة في البلاد النامية ذات الكثافة السكانية العالية، وذلك لانخفاض تكلفته وقدرته على السير في الشوارع والطرقات الضيّقة، وينتشر بصورة ملحوظة في البلاد التالية: بنجلادش، والهند، وإندونيسيا، وباكستان، والفلبين، والصين، وكوبا والسلفادور وبيرو، وإثيوبيا ونيجيريا، وفي الدول العربية نجده في العراق ومصر والسودان.

وقد ظهر في البلاد العربية نتيجة انتشار المناطق العشوائية التي ضربت كثيرًا من تلك البلاد، نتيجة الفقر وزحف الريف إلى المدن، وكانت السبب في نجاح الـ «توك توك» وانتشاره.

فالـ «توكتوك»  لدية ثقافة نشرها مع تجواله في تلك المدن، نجدها في أغنيات عالية وكلمات هابطة، ومطربين لم يجدوا إلا مجاله وتُربته للانتشار، وبالتالي صاحَبته مشكلات وجرائم لم نكن نسمع عنها، مثل جرائم الخطف والقتل والاغتصاب.

وربما لم أرَ مَركبة خلال تاريخ المواصلات في العالم قد كرهها العالَم مثل الـ «توكتوك»، وهو ما يدل على تخلّف الدول التي تستخدمه، ولا أعرف السرّ في ارتباطه بالتخلّف.

فالـ «توكتوك» لا يحمل أي نواحٍ إنسانية أو أي أمن لراكبه وقائده، إذ نجد أن معظم أو غالبية قائديه من مدمني المخدرات والبلطجية.

لكنّ كارثة الكوارث التي أضافها الـ «توكتوك»  أنه صار رمزًا للتخلف، وبالتالي تحاول الكثير من الدول التخلص منه، كابن غير شرعي، بإلغائه أو تبديله بمركبة أخرى تكون آدمية وعصرية وحضارية أيضًا.

وإذا أضفت الشعارات التي توضع على خلفيته، معبّرة عما وصل إليه التفكير، خاصة لناحيتي الرزق والحسد، ستجد أن مكوّن
الـ
«توكتوك» مغاير لكل الأمثال الشعبية والحِكَم التراثية التي تعارفنا عليها، بل جعل الأنانية هي المبدأ الصحيح، وجعل الفجاجة هي الأسلوب الأمثل للحديث، إنه مركبة لا تتناسب مع قيم حضارية لدول عظيمة تاريخيًا، مثل العراق ومصر والسودان.

إن الخجل الذي ظهر به الـ «توكتوك» - خاصة في مصر - لم يطُل، بل كان التمهيد المبكر لغزوه كل الأماكن وأي شوارع، حتى ولو كان أكثر الشوارع الحضارية، سوف تجد الـ «توكتوك» يمد عجلاته مخترقًا إياها ذات مرة.

كما أن ظاهرة قيادة الأطفال للـ «توكتوك»، جعلته يخترق الكثير من الحواجز والأفكار السيئة التي يمكن أن تأتي لعقولنا.

إن الـ «توكتوك» مع الأسف يعد الآن من أبرز وسائل النقل في بعض الدول العربية، وثقافة الـ «توكتوك» لن يعوقها هذا الخجل ولا قوانين المرور، وبالتالي سيبحث الـ «توكتوك» عن وسيلة يغزو بها بقية الدول العربية، لو لم نستطع استئصاله هو وثقافته.

سيظل الـ «توكتوك» ابنًا غير شرعي وُلد من دون شهادة ميلاد أو مرور، وتستطيع المجتمعات التي تجاهد نحو التطور أن تلفظه أو تطوّره لتثبت تقدّمها وقدراتها الحضارية.

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

نظرة مستقبلية لمتاحف الأطفال

تناقض الذات

متلازمة النصّاب وعلاقتها بالنساء الناجحات

الصوم راحة فسيولوجية

منصات التواصل الاجتماعي والنرجسية

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق