الأربعاء، 5 يونيو 2013

• أطفالنا والتلفزيون والإجازة الصيفية

     بدأت الإجازة الصيفية وبدأ معها التلفزيون يوسع من دائرة استحواذه على عيون وأدمغة صغارنا، فضلاً عن الكبار، وهو استحواذ يتطلب فهم آلياته لتدارك الحد الفاصل بين الضرر والفائدة. 
     
تطورت بيئة المعلومات والإعلام على مدى العقدين الأخيرين في العالم العربى بشكل واسع وسريع. وقد جاء بعض هذا التطور من خلال منجزات التقدم التكنولوجي الفائق الأخير مثل الإنترنت، في حين جاء جله، وهو الأهم، من خلال تقنيات أقدم عهداً مثل التلفزيون الذى يعتبر الوسيلة الإعلامية الأكبر في عالم الاتصالات لقدرته على الوصول إلى آخر أعماق المشاهدين، والذى يعد المصدر الأساسى للكم الأكبر من المعلومات والصور الذهنية المشتركة بين أفراد المجتمعات المختلفة، فهو يشكل البيئة  الرمزية التى نحيا فيها، حيث يلعب دورًا كبيرًا فى الطريقة التى يتم بها بناء التصورات حول الواقع الاجتماعى ، فنحن نقوم باكتشاف هذا الواقع من خلال ما يقدمه لنا التلفزيون من معلومات، صور، وآراء وأحداث قد لا تكون لنا بها صلة أو خبرة مباشرة، كذلك فهو يعد بمنزلة المرشد لبناء عالم الواقع الاجتماعى المحيط بنا، ولقد صور  ليبمان فى كتابه «الرأى العام» كيف أن العالم الموضوعي الذى يتعامل معه الإنسان يخرج من نطاقه وعقله، حيث يضع الإنسان لنفسه، فى رأسه صورة  معينة  للعالم الخارجى يتعامل على أساسها، أي مسلك الأفراد لا يكون على أساس المعرفة المباشرة، والمؤكدة بالعالم الواقعي إنما على  الصور التى  صنفوها بأنفسهم أو أخذوها عن طريق الآخرين، وقد كان ليبمان يكتب عن العلاقة بين الصحف والرأي العام، ومع ذلك فإن فكرته يمكن أن تمتد أيضا لتشمل التلفزيون. حيث لا وسيط ولا بحث يعد  التلفزيون مصدرًا رئيسيًا للمعرفة يزود الناس بالرسائل عن العالم الخارجى، ويستخدم تلك الرسائل لتشكيل الصور الفعلية عن العالم الذى يعيشون فيه، ويتميز عن غيره من الوسائط الفكرية مثل الكتب والمجلات والإذاعة المسموعة بامتلاكه ميزة مهمة، وهى الصورة حيث تشكل هذه السند الرئيسى للرسالة التلفزيونية، وهناك فارق كبير بين أثر كل من الرسالتين، ففى النص أو الرسالة المقروءة أو المسموعة تخضع الرسالة للوساطة، أما فى الصورة فلا وجود نسبيًا للوساطة، حيث يتضمن النص - الرسالة عمليتين: عملية ترميز، وعملية فك الرموز، فعندما يريد الكاتب أو المتحدث أن يعبر عن واقع ما بالكلمات، عليه أن يبحث عن الكلمات المناسبة، أي عن العلاقات اللغوية الكفيلة بالتعبير عن الواقع وعلى هذا فالقارىء يتعين عليه أن يفك رموز الكلمات وأن يقرن الكلمات بأفكاره، وأن يعيد فى فكره ترتيب الرسالة التى يتضمنها النص المطبوع والمقروء، وبهذا المعنى يشكل النص وساطة ، وعلى العكس من ذلك يرى المشاهد الصورة مباشرة على الشاشة الصغيرة كما لو كان موجودًا فى المكان حيث تسجل الكاميرا ولا وجود هنا لعملية ذهنية بين التصور والتعبير ثم بين الإدراك والفهم، وعليه فإن موقف مشاهد الشاشة الصغيرة يختلف كليًا عن موقف القارىء أو المستمع، إذ يكون القارىء أمام كتابه نشطًا، عليه أن يمارس فعل أن يختار الكتاب، وأن يوفر الظروف الملائمة للقراءة والتركيز، وأن يفك رموز الكلمات، أما مشاهد التليفزيون فلا يكون عليه سوى أن  يسترخي أمام جهازه ويستقبل الرسالة التى يبثها إليه، ولهذا فإن الرسالة التي تنقلها الصورة قادرة على إيصال دلالات لايعبر عنها لفظيا بسهولة، الصورة تؤثر في الدوافع العميقة، وتكمن  قدرتها على الإقناع فى التأثير على اللاوعى. فالصورة أبلغ تعبيرًا وأكثر نفاذًا إلى لاوعى المتلقى من النص المكتوب، ذلك أن حساسيته لها جد كبير، إنها تدق أبواب لاوعيه لأنه يسقط ذاته على القصة المصورة، فهى توضح النص وتمنح الشخصيات ملامحها ووجودها وهويتها من خلال موضوعها فى الزمان والمكان  والخصائص وتفاصيل الإطار الحياتى.
          وتزداد أهمية التليفزيون خاصة للأطفال، فهو إضافة إلى ماسبق يقدم لهم خبرات متنوعة وجذابة وثرية تسهم فى تشكيل شخصياتهم وقيمهم وطبيعة إدراكهم للواقع  المعيش المحيط بهم، هذا إلى جانب ما يشهده العالم الآن من ثورة معلوماتية كبيرة، كان التلفزيون أحد أهم أعمدتها، فالتلفزيون يمارس تأثيرًا عميقًا على مشاهديه، وخاصة مَن كانوا فى مرحلة الطفولة، التى تشهد عملية اكتساب الأطفال معارفهم وتشكيل اتجاهاتهم وقيمهم. فقد أصبح التلفزيون المصدر الرئيسى للمعلومات وللبناء الرمزى الذى نحيا فيه الآن، وهو يشكل إدراكًا للواقع الاجتماعى المحيط، وهذا العدد من الخصائص التى تميز بها، والتى من أهمها أنه يجمع كل المؤثرات من صوت وصورة ولون وحركة، وهناك قول مأثور «صورة واحدة تغني عن عشرة آلاف كلمة»،  حيث يبرز الأبطال والأحداث فى وضعية حية، يضاف إلى ذلك عمق تأثير التلفزيون فى العالم العربى، نظرًا لعدد الساعات المتزايدة، التى يقضيها الأطفال أمام شاشته، ليس خلال أوقات البث فقط، وإنما خارجها أيضا من خلال مشاهدة شرائط الفيديو والألعاب. لقد أصبح التلفزيون يمثل الوسيلة الرئيسية لقضاء أوقات الفراغ. إنه نافذة  ملايين  المشاهدين العرب من جميع الأعمارعلى العالم فى غياب التجهيزات الثقافية، التى تكون المجال الحيوى للإنسان خارج العمل مثل المتاحف  العلمية والتاريخية. وهكذا أصبحت شاشة التلفزيون هي البديل عن مشاركة الطفل في العالم الثقافى الرحب. وهي أيضا البديل عن أي نشاط داخل المنزل قد يزعج الأهل فيتخلصون منه بتسكين حيوية الطفل، إن لم نقل  تخديرها من خلال تسميره أمام التلفزيون لساعات لاتنتهى إلا بالأكل أو النوم
سلبيات وإيجابيات التلفزيون
          يعمل التلفزيون على تعميم الرموز، بحيث تصبح جماهيرية، ولهذه الخاصية جوانب إيجابية وأخرى سلبية، وتتمثل الجوانب الإيجابية فى المساهمة فى إيجاد نوع من أنواع الشحذ الفكرى، أما الجوانب السلبية، فتتمثل فى التقليل من الأنماط والقيم والتجارب الشخصية. وللتلفزيون أهمية خاصة في حياة الأطفال لأنه  قادر على الترفيه والتثقيف في آن واحد، ويعتبر أداة مهمة للتعلم المباشر، إذ ينقل إلى الطفل المعلومات والمعارف والأخبار المحلية والعالمية، ويقدم له الكثير عن عادات وتقاليد الجماعات والمجتمعات المختلفة ويحقق التليفزيون منفعة اجتماعية لما يتيحه من فرص المشاهدة الجماعية، وما يبثه من أفكار وقيم إلى مشاهديه صغارًا وكبارًا، وما يثيره من مناقشات فيما بينهم. ومن ثم لابد من انتهاج سياسة إعلامية صحيحة تقدم للطفل،  وانتهاج سياسة إعلامية صحيحة رهن بنوع الصور والتمثلات  المقدمة إليه وعنه، ذلك أن لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية  أنساقا من المعايير والقيم، التي يريد أن ينقلها للأطفال وينشئهم عليها، وهي في شق منها أيضا ترتبط بفهم الطفولة ودورها فى المجتمع كما يتصورها  الراشدون باعتبارهم الأفراد الذين يمثلون المجتمع أو القائمين على السياسة الإعلامية سعيًا لبناء المستقبل الذى  يرومونه بواسطة الأطفال. إن رواج الصور والقيم السلبية أو غير الصحيحة التى قد يقدمها التلفزيون من شأنه أن يؤدي إلى تزييف وعي الأطفال واغترابهم، إضافة إلى أنه يؤدي إلى تكريس وضع مشوه يعمم فى المجتمع عن طريق تناوله من خلال إحدى وسائل الإعلام المهمة فى عالمنا المعاصر، وهو التلفزيون، ويؤدي بالتالى إلى التعامل معهم بصورة خاطئة، وهذا لعدم تكوّن صور صحيحة عنهم،  إذ إن أسلوب إدراك الطفل ونوع تفكيرنا نحوه يؤثر تأثيرًا شديدًا في شروط حياته ووجوده، كما يؤثر أيضًا في وضعه وفي سلوك المسئولين نحوه،  فالأفكار والصور المرتبطة بالطفل فى أي مجتمع تنتظم وفق نسق من القيم والتصورات الجماعية لتشكل خطابًا متعدد الأبعاد تتولد لغة عند الطفل تفرض عليه تصوّرات معينة يعامل على أساسها. ويتوقع المجتمع من أفراده القيام بأدوار معينة واتباع قيمه وتقاليده، ولهذا فالأطفال عليهم تعلم كيفية أداء تلك الأدوار والتصرف فى المواقف الاجتماعية المختلفة وهم يتعلمون ذلك منذ سنوات حياتهم الأولى من خلال كثير من المؤسسات المنوطة بذلك وتسمى مؤسسات التنشئة مثل الأسرة والمدرسة وجماعات الرفاق ووسائل الإعلام.  ولكن يأتي التلفزيون فى مقدمة تلك المؤسسات لأن الأطفال يتعاملون معه منذ نعومة أظفارهم وقبل أن يتعلموا النطق بالكلمات لأن التعامل معه سهل يسير. هذا إلى جانب مقدرته على التأثير بصورة عفوية وغير مقصودة وهو يصنع ذلك من خلال الترفيه والصورة الجذابة والملونة.
التلفزيون ينافس الأب والأم
          إن غرس القيم والاتجاهات وتقديم المعلومات لا يتم من خلال الوعظ والتلقين والدعاية، بل يصنع من خلال نقل الأيديولوجية  الخفية، فالتلفزيون من خلال ما يقدمه يحمل رسالته نظامًا معينًا من القيم والأفكار، يؤثر من خلالها في  تشكيل معتقدات الأطفال وقيمهم والطرق التى يدركون بها الواقع الاجتماعى المحيط بهم، وتوقعاتهم لهذا الواقع ودورهم أيضًا. وقد أكدت دراسة للمجلس العربى للطفولة والتنمية أهمية وظيفة التلفزيون للطفل العربى باعتبارها تنافس وظيفة الأب والأم، مؤكدة أن برامج  الرسوم المتحركة المستوردة فى معظمها تؤثر سلبًا في الأطفال لكونها لا تعكس الواقع ولا القيم العربية ولا حتى تعاليم الدين.
          وذكرت الدراسة أن هذه البرامج تأتى حاملة لقيم البلاد التى أنتجتها، وتعكس ثقافتها، موضحة أن برامج الرسوم المتحركة تلقى درجة تفضيل عالية من بين البرامج والفقرات التلفزيونية لدى الطفل، وهو مايؤكد الأثر الواضح للتلفزيون على الأطفال.
          وأشارت في ذلك إلى ترديد الأطفال للألفاظ والأغانى والعبارات التى يسمعونها، وكذلك تقليد الحركات والأصوات التى تصور عن شخصيات أو عن حيوانات، إضافة إلى تقليد بعض اللهجات والشخصيات في سلوكها وفي أزيائها، مبينة أنه بالرغم من سلبيات بعض البرامج، فإنها مسلية للأطفال وتزودهم بالمعلومات وتنمى مواهبهم.
          وأكدت الدراسة أهمية الدور التربوى لأفلام الكرتون ومسلسلات الأطفال حيث يمكنها المساعدة فى نمو الطفل اللغوي والاجتماعي والوجداني والانفعالي، وإمدادهم بالخبرات الحياتية، وهو عكس ما تقدمه الأفلام والمسلسلات للأطفال.
          وأشارت إلى أن الأفلام والمسلسلات تعمل على بث المخاوف فى نفوس الأطفال، وتكسبهم القيم غير الملائمة للطفل العربى، ولا تساعد على تعديل سلوكه، كما أنها لا تراعى الخصائص النفسية للأطفال. وهكذا يلعب التلفزيون دورًا كبيرًا ومهمًا فى تشكيل مدركات المتلقين، والتأثير الكبير الذى يمارسه، خاصة على الأطفال، حيث تتشكل أبعاد عناصر ثقافتهم بما تحتويه من معارف واتجاهات وقيم  تؤهلهم  للتعامل مع الحاضر ومواجهة المستقبل.
 إقرأ أيضًا



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق