الأحد، 30 سبتمبر 2012

• روضة الطفولة ووظيفة معلّم الأطفال

          المعلّم في نظر تلميذه الطفل هو عالم من المعرفة والنضج والقدوة، وعلى هذا المفهوم يتولد شعور بالتبجيل والتقدير في نفوس هؤلاء التلاميذ تجاه معلميهم، فهو يعرف ما لايعرفون، ويدرك ما لا يدركون، ويرى ما لا يرون، والتلميذ في نظر معلمه مهما كان متقدما في الصفوف، فإنه مثل طير وليد يتعلم الطيران للتو، ولذلك فإن أي تلميذ وفي أي مرحلة دراسية يحب أن يكون معلمه قدوة له.
 
ملامح الأبوة التربوية
          عندما يتعامل الطفل مع معلمه، فإنه يشم رائحة الأبوة من هذا التعامل، لكنها هذه المرة أبوة الدراسة والتعليم والتحرر من الأمية، وتعلم القراءة والكتابة، والانفتاح على معارف ومعلومات جديدة يدركها لأول مرة.
          يلمس شيئا من الأبوة التربوية والتعليمية والمعرفية في شخصية وسلوك معلمه إلى جانب منارة القدوة الحسنة والتخيّل بأنه ذات يوم سوف يقف في مقامه، وعلى ذلك فإن المعلم الماهر لا يكون منارة وقدوة للطفل إلا على قدر ما يلمس شيئا من البنوة لديهم، إنه يعيش معهم بالفعل حميمية مشاعر الأبوة.
إمام العِلم
          عندما يدخل المعلم أي بيت يكون دخوله كدخول إمام، ينظر إليه الناس على أنه إمام المعرفة، فيفتحون أبوابهم أمامه، ويسلمونه فلذات أكبادهم مطمئنين بأنه يحمل تجاههم مشاعر أبوية.
          يحدث ذلك سواء أقام المعلم بزيارة اجتماعية، أو قام بزيارة بيت لإعطاء أحد الأطفال درسًا منهجيًا، أو درسًا على مستوى الهواية مثل التعلم على آلة موسيقية، أو الحاسوب، أو تنمية موهبة الرسم، أو تعلّم حفظ، وتجويد القرآن الكريم.
          المعلم يقوم بمهمة اجتماعية وإنسانية وتربوية وبنائية سامية، إنه يضع لبنات الإنسان، ويبني عمارة المجتمع والمستقبل.
          من هذه الوقائع الحميمية تكتسب شخصية المعلم وقارًا خاصًا لدى تلاميذه ولدى أغلبية الناس، ومهما كبر التلاميذ، وبلغوا مراحل النضج الجسمي والفكري، بل حتى لو أصبحوا معلمين، فإن هذا الوقار يبقى يزيّن جدلية العلاقة التي تربطهم بمعلميهم، وتلبث ذكراهم عطرة طيبة في كل مناسبة، وقد يتحدثون لتلاميذهم هؤلاء عن تلك المزايا الحميدة والخصال الطيبة التي كان يتمتع بها معلموهم الكبار الذين انتقلوا إلى رحمة الله، أو الذين تقاعدت بهم السنون.
وظيفة المعلم
          يؤدي المعلم وظيفة مهمة في بنية المجتمع، ويسهم في صناعة جيل مستقبلي جديد، وأي مرحلة متقدمة من المراحل المزدهرة التي تقوم بها المجتمعات من ثورات فكرية، أو علمية، أو تقنية، أو فنية، أو أدبية، فإن لمعلمي تلك الأجيال فضلهم الجلل على ولادة تلك المنجزات البشرية الانتقالية الكبرى، ذلك أنهم غرسوا بذور العبقرية في نفوس الأطفال الذين قدموا تلك المنجزات الكبرى عندما كبروا، إنهم يقفون على سواعد معلميهم ومربيهم.
          إن وظيفة المعلم لا تنتهي لدى خروجه من باب المدرسة، أو من درس خاص، بل هي شبيهة بوظيفة الأديب، فهما يلبثان في بحث مستمر عن مصادر التطوير الفكري والتثقيف الذاتي.
          يطور المعلم دائرة معارفه بالاطلاع والمناشط التثقيفية والاجتماعية والتربوية، فهو لن يؤدي وظيفته المعرفية والتعليمية التنويرية بصورة حسنة ما لم يكن ملمًا بتفاصيل إيقاع المجتمع الذي يقوم فيه بهذه المهمة البالغة الخطورة والحساسية.
سيكولوجية المعلم.. سيكولوجية الطفل
          المعلم هو شعلة استنارة متقدة، وهو شخص متكلم بامتياز ومتقن لألفاظ التأثير والإقناع، يمضي وقتًا طويلاً في الحديث والتمهيد لدرس جديد، ثم يتولى شرح هذا الدرس وفق مفهومه وتطلعاته المستقبلية فيستأنس لحديثه التلاميذ إلى جانب شعورهم بالمتعة لاكتساب معارف جديدة والتخلص من الأميتين التعليمية والمعرفية.
          الإعجاب هنا يؤدي دورًا بالغ الأهمية، فإعجاب الطفل بأسلوب وشخصية المعلم ييسر المهمة بشكل أفضل.
          الإعجاب يأخذ ترسخه في الذات البشرية أكثر مما يترسخ الحب، بل إن الحب هنا يتولد من الإعجاب بذات الشخص وقدراته وملكاته وهيمنته الفكرية، والإعجاب هنا بالنسبة للتلميذ هو شكل متطور من أشكال القدوة الحسنة، ومن جهة أخرى فإن هذا الإعجاب ذاته هو الذي يجعل أسلوب إعطاء المادة مقبولاً أو مرفوضًا بالنسبة للتلميذ المتلقي، ففي بعض الأحيان لا يسكن الطفل لأسلوب معلم بعينه في إعطاء مادة، ويسكن لأسلوب معلم آخر في إعطاء ذات المادة، أو أنه يستاء من طريقته في اختيار الألفاظ المعبرة، أو قيامه بحركات تخرجه عن وقاره وفق مفهوم الطفولة، ولذلك فإن المعلم الماهر يستمد مهارته كلما ارتقى في درجات التعرف على سيكولوجية الطفل منطلقًا بذات اللحظة من طفولته التي عليه أن يحافظ على ملامحها، وكذلك ممارستها بعض الوقت مع طلابه في بعض مفاصل إلقاء الدروس حتى يأنس الطفل إلى درسه، وكذلك إلى اتخاذه قدوة ومنارة حسنة، وهذا ما يجعل الطفل ينفر من شخصية معلم، ويأنس إلى شخصية معلم آخر.
عبد الباقي يوسف

   إقرأ أيضًا





هناك تعليقان (2):

  1. هذه المقالة هي للأديب السوري عبد الباقي يوسف - منشورة في مجلة العربي الكويتية، نأمل التنويه إلى ذلك
    للأمانة العلمية
    ودمتم بمودة

    ردحذف
    الردود
    1. أهلاً بك أخ خالد، أشكرك على ملاحظتك، لقد تم ما أشرت إليه، تحياتي لك

      حذف