الأحد، 2 ديسمبر 2012

• قصص الأطفال: كيف ولدت قطرة الماء؟


          لم تنمْ ذرةُ الهيدروجين تلكَ الليلة، غرقتْ في أفكارِها ولمْ تلحظْ ضوءَ القمر الذي تسلّلَ من الشرفةِ كعادته كلّ مساء كي يلعب معها، لكنه حينَ رآها منشغلةً لمْ يشأ أن يزعجها وحمل أطرافَ ثوبه الفضي وخرج بهدوء.

          في درس اليوم تعلمت ذرةُ الهيدروجين أشياء كثيرة عن العالمِ خارج بيتها (المختبر) وعرفت أن هناك ذراتٍ أخرى غير بني جنسها تعيش في هذا العالم وأن بعضها ثقيلٌ جدًا وأن ذرات الهيدروجين هي الأخفُ وزنًا بينهن جميعًا، وبالفعل تشعر بأنها خفيفة وتكاد تطير إذا ما تحركت وتحب هذا الشعور بالخفة، لكن حديثَ المعلمة عن الفناء والحياة الأخرى أزعجها وأرقها وجعلَ النومَ يهرب بعيدًا عن جفنيها، هل هناك حياة أخرى غير هذه خارج بيتها (المختبر)؟ وهل صحيح أن الذرات يتحد بعضها مع بعض لتكون جسمًا جديدًا تحتاج إليه الطبيعة ويفنى شكلها الأول؟ لاتزال كلمات المعلمة ترن في أذنيها (حين تكبرن وتخرجن إلى العالم ستتحدن مع ذرات أخرى وتصبحن مواد جديدة، تحتاج إليها الطبيعة، وهذا يمنحكن أشكالاً جديدة وأرواحًا مختلفة، وهذه هي رسالتكن في الحياة).
          لا ترغب هيدروجين أبدًا في الفناء تريد أن تظل كما هي ذرة خفيفة سعيدة تتجول في عالم المختبر الصغير والآمن، لكنها فكرت لو تستشير صديقها ضوء القمر فهو أكبر منها ويعرف أشياء كثيرة عن العالم، هرعت إلى شرفة غرفتها ونادت عليه، ابتهج ضوء القمر ولم يتأخر في الحضور إليها، فقد كان قلقًا عليها وسألها عما يؤرقها فحكت له ما يدور بخاطرها وخوفها من الفناء.
          سألته: ما سيحدث لي عندما أصبح جسمًا جديدًا غير الذي أنا عليه، لا بد أن هذا مؤلم، لا أستطيع تحمل فكرة أن أفنى وأموت، هل جربت الفناء يومًا؟
          ضحك ضوء القمر من قولها: يا صغيرتي العزيزة إنني أُفنَى كل يوم أمام ضوء الشمس القاهر، لأن ضوئي لا يكفي كي يمد الأرض بالدفء والحرارة، لهذا فإن قوتها تجعلني أذهب إلى النصف الآخر من الأرض الذي اكتفى من حرارتها كي ألطف الجو وأغمر المكان بضوئي الحالم، وأساعد البشر على الاسترخاء بعد نهاراتهم الشاقة.
          - ألا تخاف؟
          - إنني أتجدد وأشعر بالسعادة مع كل مولد وأكتشف مع كل دورة أشياء جديدة في العالم وأصدقاء جددًا.
          - ولكنني سأتحد مع ذرات لا أعرف وزنها ربما كانت أثقل مني فتؤذيني، كما تعرف أنا ذرة خفيفة جدًا كالريشة؟
          - لا تخشي ذلك لقد خلق اللهُ الكونَ بميزان تام وكل شيء يتكون بمقدار معلوم، ثم إن القرار قرارك، يمكنك أن تبقي في المختبر بقية حياتك ولكنك لن تحصلي على فرص لتجددي معارفك وتكسبي أصدقاء جددًا، والآن اعذريني يا صغيرتي لقد تأخر الوقت وأوشك الصباح أن يطل، وداعًا.
          ودعت هيدروجين صديقها ضوء القمر، وقبل أن تغلق النافذة هبت نسمة هواء باردة جعلتها ترتجف، ضمت جسدها الصغير بذراعيها وهمست لنفسها: ترى كيف يصبح جسدي حين أفنى؟
          في اليوم التالي نهضت هيدروجين نشيطةً وهي عازمةٌ أمرَها أن تقتحم العالمَ الجديد، ودّعت معلمتها وأصدقاءها وانطلقت إلى الخارج، في البداية لم تستطع أن تطير وكان الهواء يقذفها للأعلى لخفة وزنها، ولكنها شيئًا فشيئًا توازنت مع قوته استمتعت بالتحليق، قالت بصوت عالٍ مغتبطةً: العالم حقًا جميل ومدهش.
          هبطت قريبًا من الأرض وسمعت بكاءَ زهرةٍ، كانت تلك أول مرة ترى فيها زهورًا حقيقية، إنها أجمل بكثير من الصور، اقتربت أكثر منها وسألتها عن سبب أنينها قالت الزهرة: إنني عطشى، أريد ماء، فقط قطرة ماء، إنه موسم الجفاف ولا توجد أمطار، سأموت من العطش.
          صمتت هيدروجين وعادت الزهرة تئن وتتوجع من جديد وبينما هما كذلك، حطت على أحد أغصان الزهرة ذرة أكسجين سمينة وذرة هيدروجين أخرى، تشبه تمامًا صديقتنا ذرة الهيدروجين، وربما كانتا صديقتيها في الصفوف العليا في المختبر، وما إن رأتاها حتى قالت ذرة الأكسجين: انظري إنها ما نبحث عنه ذرة هيدروجين أخرى تكمل التوازن لنصنع قطرة الماء حتى ننقذ الزهرة.
          احمرّ وجه هيدروجين وتسارعت نبضات قلبها، وأحست بأنها غير قادرة على التفكير، إنهما تطلبان منها أن تتحد معهما كي تتكون قطرة الماء التي ستنقذ الزهرة، ولكنها خائفة وفي هذه الحالة لن تستطيع أن تتخذ القرار السليم، قالت بعد قليلٍ من الصمت: اعذراني، إنني بحاجة إلى التفكير برهة من الزمن، سأعود غدًا وأنبئكما بقراري.
          ورحلت تكمل رحلة يومها الأول في اكتشاف الدنيا، وفي المساء تجاذبت أطراف الحديث مع صديقها ضوء القمر الذي لم يحاول أن يؤثر على رأيها، وتركها كعادته حين أطل الصباح.
          بعد أن دفّأت الشمسُ الأرضَ وخرجت كل الكائنات من بيوتها لتبدأ العمل بنشاط حزمت هيدروجين أمرها، ذهبت إلى حيث توجد الزهرة وقررت أن تتحد مع ذرة الأكسجين وذرة الهيدروجين الأخرى، وكانت تجربة مثيرة جدًا لن تنساها هيدروجين ما امتد بها العمر، ووُلدت قطرةُ الماءِ وتكون جسدها الذي لا لون له والرطب جدًا من ذرة واحدة أكسجين وذرتين من الهيدروجين، ونزلت القطرة ببطء من على إحدى أوراق الزهرة حتى وصلت إلى جذرها وروت ظمأها، وأنقذتها من الموت.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق